قضت النهار كله في قلق لا تبالي انهماك أهل القصر في الحزن، ولا ما أقام بغداد وأقعدها احتفالا بالبيعة، على أنها كانت تلهو بالجلوس إلى زينب وتخفف عنها بما يحضرها من عبارات التعزية وعيناها إلى باب الدار تترقبان بشرى بقدوم بهزاد، وأذناها مصغيتان لعلها تسمع وقع قدميه. ثم سمعت دنانير تكلم جدتها عنه وتستبطئه وتتمنى قدومه، فخفق قلبها ولكنها ظلت ساكتة.
ومالت الشمس عن خط الهاجرة وهي لم تذق طعاما وأهل القصر في شاغل عنها بشئونهم وأحزانهم. وفيما هي في ذلك رأت غلاما قادما وفي وجهه خبر، فتحفزت لملاقاته ثم أمسكت نفسها حياء لئلا يكون الغلام قادما إلى دنانير، فتظاهرت بأنها نهضت لبعض شئونها وتمشت على مهل حتى صارت بالباب، فرأت الغلام وقف وحيا دنانير وقال لها: «إن سلمان غلام الطبيب بالباب.»
فخفق قلب ميمونة وكادت الدهشة تظهر في محياها لسماع اسمه. أما دنانير فقالت للغلام: «يدخل سلمان وعساه أن يكون مبشرا بقدوم مولاه؛ فإننا في حاجة إليه اليوم.»
وبعد هنيهة أقبل سلمان بلباسه العادي يمشي متثاقلا متظاهرا بالحزن والانقباض، وميمونة تراعي حركاته. فلما أطل على القاعة حيا ووقف حتى يؤذن له، فابتدرته دنانير قائلة: «ما وراءك يا سلمان؟ أرأيت ما أصابنا؟» وخنقتها العبرات.
فأطرق ودخل حتى دنا من مجلس زينب وانحنى كأنه يريد تقبيل يدها وأجهش بالبكاء، ثم التفت إلى دنانير مظهرا الكآبة وقال: «إن المصاب جلل يا مولاتي. إن وفاة أمير المؤمنين ضربة كبيرة. أطال الله بقاء مولاي المأمون وأنجاله وجعله خير خلف لخير سلف.» وغص بريقه وتراجع حتى وقف في بعض جوانب الغرفة.
فأشارت إليه دنانير أن يقعد وقالت له: «أرأيت طبيبنا اليوم؟»
قال: «كلا يا سيدتي، لم أره منذ افترقنا بالأمس، وكنت أحسبه رجع إلى هنا.»
قالت: «لم يجئ يا سلمان. وكنا نتوقع مجيئه، وقد مرضت مولاتنا ولا ترضى طبيبا سواه.» قالت ذلك وفي كلامها غنة العتاب.
فقال سلمان: «عذر الغائب معه حتى يحضر، وأعتقد أنه لا يلبث أن يأتي ولا يغيب إلى الغد، أو ...»
فقطعت عبادة كلامها قائلة: «ألا تعلم أين ذهب؟»
অজানা পৃষ্ঠা