قال : «لا بد من ذهابي الآن لأمر ذي بال، وكنت أود البقاء عندكم لولا الضرورة، ولكنني سأعود في الغد إن شاء الله.»
وكانت عبادة قد وقفت لاستقباله وميمونة بجانبها، فلما سمعتا قوله تقدمت عبادة حتى التقت به وهو داخل من الباب فقالت: «سر في حراسة الله يا ولدي، وأرجو أن تعود سريعا ولا تنسانا.»
فتقدم نحو عبادة ومد يده فصافحها باحترام وقال: «حاش لله أن أنساك.» والتفت إلى دنانير وقال: «إني أوصيك بهذه الخالة يا دنانير، وإن كنت لا أرى حاجة إلى ذلك لما آنسته من حبك لها.»
وكانت ميمونة أثناء ذلك واقفة وركبتاها ترتعدان وقد تولاها الخجل. وقد أعدت عبارة تقولها في وداعة فلما رأته نسيتها وتلعثم لسانها.
أما هو فلما فرغ من وداع عبادة تحول نحو ميمونة ومد يده فقبض على يدها وأحس برعشتها وبرودتها فضغط عليها ووجه كلامه إلى دنانير وقال: «وهل أوصيك بلمياء؟ كان يجب أن أوصي أم حبيبة بها، على أنني لا أرى حاجة إلى ذلك وقد رأيت من تحابهما ما لا حاجة معه إلى توصية، بل يجدر بي الآن أن أوسط لمياء لدى مولاتنا من أجلي.» ثم وجه خطابه إلى ميمونة وهو يضغط على يدها ضغطا ترافقه رعدة متبادلة وقال: «هل تتوسطين لي عندها؟ ما أسرع تسلطك على قلب مولاتنا حتى استأنست بك كأنها تعرفك منذ أعوام.» قال ذلك وابتسم وأبرقت عيناه وكادتا تبوحان بما في قلبه.
وأما هي فلا تسل عن حالها وما كان يتجاذبها من الخجل والامتنان والفرح، لما آنسته من تلطفه وما توسمته في خلال حديثه من الدلائل على حبه، فسكتت وأطرقت، وهذا أبلغ جواب من فتاة في مثل هذه الحال، لكنها لم تتمالك عن الابتسام وبان السرور في وجهها.
أما هو فكأنه انتبه إلى نفسه وندم على ما فرط منه فأفلت يدها وعاد إلى كتم عواطفه؛ فتحول عن ميمونة إلى دنانير فحياها وقال: «أستودعكم الله إلى الغد.» وخرج مسرعا.
وكانت دنانير قد لحظت ما بدا من اهتمام الطبيب بميمونة، وسرها ذلك بعد أن استاءت من فتوره ، للمرة الأولى، فودعته وعادت إلى ضيفتها فقالت: «ما أكثر ما يهتم له هذا الطبيب، وما أكثر شواغله؛ فإنه لا يلبث أن يكون جالسا حتى ينهض، إني لم أفهم سره.»
فقطعت عبادة حديثها قائلة: «هذا هو حاله معنا منذ عرفناه، فمع توالي إحسانه لا أذكر أنه جالسنا ساعة أو بعض ساعة؛ فلا أراه إلا مهتما مقطبا، وهذه أول مرة رأيته يبتسم ولم يطل ابتسامه فعاد إلى حاله.»
أما ميمونة فبعد أن اطمأن قلبها وفرحت بما لمحته من بهزاد، عادت إلى هواجسها عندما أفلت يدها بسرعة وتغير وجهه فجأة، ثم اشتغلن بالحديث حتى حان موعد الرقاد فذهبت كل واحدة إلى فراشها. •••
অজানা পৃষ্ঠা