فدهش سلمان وقال: «نكثوا بيعة المأمون؟ يا لهم من قوم خائنين! لكن من فعل هذا أو أشار به؟»
قال: «الفضل بن الربيع.»
فقال سلمان وقد ذعر: «الفضل وزير الرشيد الذي سافر معه في حملته الأخيرة؟»
قال: «نعم، هو بعينه. إن هذا الرجل أقدم على أمر سيودي بهذه الدولة كما فعل بقتل الوزير المظلوم، وكل من الفعلين يسقط دولة، فكيف إذا اجتمعا؟» قال ذلك وقد بدا الغضب في عينيه.
فتهيب سلمان من غضبه وقال: «وكيف كان ذلك يا سيدي؟»
قال الطبيب: «لما سافر الرشيد في هذه الحملة اصطحب ابنه المأمون وأخذ له البيعة من جميع من في معسكره من القواد والأمراء ومن إليهم، وأقر له بجميع ما معه من الأموال وغيرها. وكان ذلك بسعي الفضل بن سهل صاحب الهمة الشماء.»
قال: «نعم يا مولاي إن الفضل بن سهل لجدير بهذا الوصف. ثم ماذا؟»
فقال: «وسار المأمون مع أبيه ليقيم بخراسان. ولا يخفى عليك أن الرشيد بايع بالخلافة بعده لولده الأمين المقيم في بغداد الآن، ثم للمأمون الذي رافقه في هذا السفر، على أن يتولى خراسان أثناء خلافة الأمين، وكان الرشيد مريضا يوم سفره ولكنه أخفى مرضه. وقد روى لي الصباح الطبري - ومكانته من الرشيد ما تعلم - أنه ذهب لوداعه يوم خروجه من بغداد، فقال الرشيد له: «ما أظنك تراني يا صباح أبدا.» فلما أعظم قوله وأنكر عليه ما يخافه، قال: «ما أظنك تدري ما أجد في صحتي.» قال الصباح: «لا والله.» فعند ذلك مال الرشيد إلى ظل شجرة في الطريق وأمر خواصه بالابتعاد. فلما خلا إلى الصباح كشف عن بطنه فإذا عليه عصابة حرير وقال: «هذه علة أكتمها عن الناس كلهم، ولكل واحد من ولدي علي رقيب، فمسرور رقيب المأمون، وجبرائيل بن بختيشوع رقيب الأمين. وما منهم أحد إلا وهو يحصي أنفاسي ويستطيل دهري. وإن أردت أن تعلم ذلك فالساعة أدعو بدابة فيأتوني بدابة عجفاء قطوف لتزيد علتي، فاكتم علي ذلك.» فدعا له الصباح، ثم طلب الرشيد دابة فجاءوا بها كما وصف، فنظر إلى الصباح وركبها وعاد الصباح من وداعه ولم يكتم ذلك عني.»
فاستغرب سلمان اطلاع مولاه على كل هذا وكيف كتمه عنه إلى تلك الساعة، وأحب أن يعرف خبر الفضل بن الربيع فقال: «وماذا فعل ابن الربيع؟»
قال: «سافر الرشيد ومعه الفضل، فأخذ هذا يراسل الأمين مخبرا إياه بكل ما يحدث، فلما كتب إليه بأن الرشيد اشتد مرضه، أعد الأمين كتبا وأمر أن يجعلوها في قوائم صناديق المطبخ المنقورة بعد تغطيتها بجلود البقر، ثم عهد إلى رجل من خاصته اسمه بكر بن معمر في إيصالها إلى أصحابها، وقال له: «احذر أن تطلع أمير المؤمنين أو غيره عليها، بل انتظر حتى تعلم بنبأ موته، ثم ادفع إلى كل إنسان كتابه.»
অজানা পৃষ্ঠা