فأطرق المأمون وقد جالت في خاطره خواطر كثيرة وحدثته نفسه بأمور سكت عنها واكتفى بقوله: «وما الحيلة؟»
فاستبشر سلمان بهذا السؤال وقال: «إذا عهد أمير المؤمنين في ذلك إلي فإني أنقذه بجرعة عسل أو شربة ماء.»
فأعظم المأمون جسارة هذا الرجل وقال في نفسه: «إن وجود مثل هذا الغادر خطر على أعدائه وأصدقائه؛ لأنه بعد أن بذل نفسه في خدمة الفضل أصبح يسعى في قتله؛ فلا بد لذلك من سبب حمله على التغير، ولا يبعد أن يحدث ما يغيره على سواه.» لكنه رأى فيه عونا على التخلص من الفضل، فسكت هنيهة ثم قال: «سننظر في ذلك.» واكتفى سلمان بهذا الجواب لعلمه أنه لا يجيبه على اقتراحه جوابا صريحا لأسباب يعرفها مثله.
وتحرك المأمون فخرج سلمان ولبث المأمون بعد خروجه يفكر فيما سمعه وهو يخاف أن يكون قد جاء جاسوسا من قبل الفضل، فعزم على استطلاع رأي الفضل خلسة.
وفي ذلك المساء جاء الفضل إلى المأمون على عادته وقد أنبأه جواسيسه بدخول سلمان على المأمون في ذلك اليوم، فظنه جاء ليوسطه في شأن بوران ولم يخطر بباله أنه يجيء للوشاية به في أصل مشروعه لما في ذلك من الإيقاع بالفرس كافة. وتعمد المأمون الخلوة بالفضل وتبادلا الأحاديث المتنوعة حتى ذكر سلمان فقال المأمون: «قد بلغني عن هذا الرجل أعمال أتاها في بغداد يمدح عليها.»
فقال الفضل: «نعم يا سيدي، قد أعان حزبنا بمساع أساسها المكر والخيانة وقد أفادتنا، ولكنه كبير المطامع.» قال: «لا بأس من تقليده منصبا.»
فابتسم الفضل وقال: «عرضت عليه ذلك فرأيته طامعا فيما يقصر أمثاله عن نيله. ولو علم أمير المؤمنين بمطمعه لاستغربه.» قال: «وما هو؟»
قال: «إنه طامع في بوران ابنة أخي، ولما قلت له إنها مخطوبة غضب كأنه أولى بها من أمير المؤمنين.» وكان المأمون قد خطب بوران من أبيها سرا.
فأدرك المأمون سر الخلاف وعلم أن الرجل لم يبح بسر الجماعة إلا انتقاما، ولم يفت المأمون إطلاع الفضل على مجيء سلمان، فأحب أن يذهب خوفه من تلك الزيارة فهز رأسه احتقارا لسلمان وسكت، وترك المسألة وأظهر الاستغراب لما سمعه وغير الحديث، فانصرف الفضل وهو مقتنع بأنه أوغر قلب المأمون على سلمان . •••
ولبث المأمون بعد ذلك يراقب ما يبدو من الفضل ليتحقق ما بلغه حتى جاء علي الرضا ذات يوم لزيارته وهو ولي عهده على الخلافة، فرحب به وجرى الحديث بينهما فقال علي: «إنما جئتك لأنبئك بما يخفيه وزيرك الفضل عليك.»
অজানা পৃষ্ঠা