فهذا العصر السلجوقى الذى عاش فيه ابن الشجرى لم يتميز على غيره من العصور، من حيث وفرة العلماء وكثرة التصنيف، إلا ما كان من التوسّع فى إنشاء المدارس، فلم يعد المسجد هو المكان الوحيد الذى يتحلّق فيه التلاميذ وطلاب المعرفة، بل ظهر إلى جواره المدارس التى تنافس سلاطين السلاجقة ووزراؤها فى بنائها، ويبرز من بين رجالات هذا العصر وزير كبير، هو نظام الملك الحسن بن على بن إسحاق الطوسى، المولود فى سنة ثمان وأربعمائة، والمقتول بيد الباطنية سنة خمس وثمانين وأربعمائة. وهذا الرجل كان من جلّة الوزراء. «وكانت مجالسه معمورة بالعلماء، مأهولة بالأئمة والزهاد، لم يتفق لغيره ما اتفق له من ازدحام العلماء عليه، وتردادهم إلى بابه، وثنائهم على عدله، وتصنيفهم الكتب باسمه (١)».
وقد بنى نظام الملك أشهر مدرسة فى تاريخ المدارس الإسلامية، وهى المدرسة النظامية ببغداد، سنة ٤٥٧، ثم بنى مدارس أخرى فى عواصم كثيرة، فيقال: إن له فى كل مدينة بالعراق وخراسان مدرسة. وقد أقام نظام الملك هذه المدارس على أسس مذهب السنة، ليحارب المذاهب الأخرى كالشيعة والباطنية، ثم وقف عليها ضياعا وحمامات ودكاكين للإنفاق عليها، ويقال: إن نظام الملك هو أول من قدّر المعاليم للطلبة (٢).
ثم تنافس وزراء السلاجقة بعد ذلك فى تأسيس المدارس وجلب العلماء إليها.
وقد شهد هذا العصر كوكبة من أفذاذ الفقهاء والعلماء فى مختلف فروع الفكر الإسلامى، أذكر منهم إمام الحرمين الجوينى وأبا إسحاق الشيرازى والقشيرى وأبا حامد الغزالى وأبا الوفاء بن عقيل والدامغانى والزوزنى وعبد القاهر الجرجانى والخطيب البغدادى وأبا سعد السمعانى والميدانى والتبريزى والزمخشرى والجواليقى وابن الخشاب وأبا البركات الأنبارى.
وقد كان لابن الشجرى خصوصية ببعض هؤلاء الأعلام: فقد تلمذ للتبريزى، وأخذ عنه اللغة والأدب، ثم كان شيخا لابن الخشاب وأبى البركات
_________
(١) طبقات الشافعية ٤/ ٣١٣.
(٢) المصدر السابق.
المقدمة / 18