নাৎসি জার্মানি: আধুনিক ইউরোপীয় ইতিহাসের একটি অধ্যয়ন (১৯৩৯-১৯৪৫)
ألمانيا النازية: دراسة في التاريخ الأوروبي المعاصر (١٩٣٩–١٩٤٥)
জনগুলি
وثمة مثال آخر، هو «فول الصويا» الذي شجعت ألمانيا على زراعته والإكثار من إنتاجه في بلدان أوروبا الجنوبية الشرقية في السنوات القليلة التي سبقت الحرب الأخيرة، وفي أثناء سنوات الحرب أيضا، وقد فعلت ألمانيا ذلك؛ لأن هذا المحصول يستخدم غذاء للإنسان وعلفا للماشية، ويمكن استخراج الزيوت منه واستعماله سمادا. وينمو فول الصويا بكثرة عظيمة في الصين واليابان وغيرهما من بلدان الشرق الأقصى؛ ولذلك يجب حرمان ألمانيا من الحصول عليه من أوروبا الجنوبية الشرقية حتى يكون اعتمادها كله في سدد حاجتها منه على «منشوكو» وغيرها من البلدان البعيدة؛ إذ إنه لا معنى من الناحية الاقتصادية لأن يرخص بإنتاج «فول الصويا» لبلدان لا تساعد أحوالها الطبيعية أو أجور العمال فيها على إنتاجه بالكميات الهائلة التي تنتجها «منشوكو». ومن الأوفق أن تستورد ألمانيا حاجتها منه من «منشوكو» بطريق البحر الطويل، دون أن يشجع زراعة هذا الصنف في أوروبا الجنوبية الشرقية؛ إذ اهتمام ألمانيا بإدخال زراعته في هذه الأقاليم لم يكن عبثا. ولا جدال في أنه إذا ظلت أوروبا الجنوبية تنتج «فول الصويا» وتمد به ألمانيا فإن الوقت لن يطول كثيرا قبل أن تجد ألمانيا ما يسهل عليها إثارة حرب عالمية ثالثة.
ومن مصلحة البلدان الجنوبية الشرقية في أوروبا أن نعمل على إنشاء الصناعات بأرضها حتى تصبح دولا صناعية ولو إلى حد محدود؛ لأن ذلك من شأنه أن يقلل من اعتمادها على المصنوعات التي تستوردها من ألمانيا، وتقتصر وارداتها من ألمانيا على بعض السلع الكمالية، فبذلك تفقد الصادرات الألمانية أسواقها في هذا الجزء من أوروبا، ويمكن الاستعاضة عن هذه الأسواق المفقودة بأن تظل الأسواق في البلدان الواقعة وراء البحار مفتوحة لتصريف الصادرات الألمانية، كما أن ألمانيا يجب أن تظل معتمدة كذلك في وارداتها من النفظ والخامات على ما تصدره إليها هذه البلدان النائية.
وأما نتيجة هذا «النظام» فهي أن ألمانيا سوف تبقى معتمدة في سد حاجاتها الضرورية على استمرار تجارتها الخارجية عبر البحار، ولا يلحق ذلك أي أذى بها في وقت السلم، بينما يزيد في مقدار الصعوبات التي تصادفها في وقت الحرب زيادة كبيرة، فلا تقدم بسبب هذه الصعوبات المتوقعة على إشعال حرب ثانية.
بيد أنه لا مناص من أن يسفر تطبيق هذا «النظام» عن خفض مستوى المعيشة في ألمانيا. ولكنه لما كان من المتوقع أن تعنى ألمانيا بالزراعة عناية كبيرة، ويرسل العمال الألمان إلى بلادهم دفعات من أجور الخدمة التي يحصلون عليها في الخارج، ويسرح الجيش الألماني، ويعفى الألمان من نفقات جيوش الاحتلال في بلادهم، فإن من شأن ذلك جميعه أن يخفف كثيرا من وطأة هبوط مستوى المعيشة في ألمانيا، ولو أنه من الطبيعي أن يظل هذا الهبوط ملحوظا، ومع ذلك فهناك ما يمكن أن يجد فيه الشعب الألماني ما يعوضه شيئا كثيرا عما قد يلقاه من شظف العيش، وهو تيقنه من أن زعماءه لن يسمح لهم بأن يقذفوا بألمانيا في حرب جديدة وأن يستغلوا مواردها من أجل التسليح مرة ثانية. وقد لا يرضى عن هذا الحال جيل من الألمان نشأ على الاعتقاد بأن الجنس الجرماني له وحده حق السيادة على سائر الأجناس، ولكن على العالم أن يواجه أمرين لا ثالث لهما: إما خفض مستوى المعيشة في ألمانيا، وهو أمر لا مفر منه، وإما الاستهداف لحرب جديدة. ولذلك فإنه من خطل الرأي أن يعارض أحد فيما ينتظر من خفض مستوى المعيشة في ألمانيا لأسباب إنسانية، وكذلك من الخطأ معارضة ذلك بدعوى أن العالم سوف يخسر كثيرا إذا أضحى ثمانون مليونا من الجرمان يعيشون عيشة غير رخية إلى حد ما، ووجه الخطأ في مثل هذه الأقوال أن شيئا لا يمكن أن يعدل خطر تعرض العالم لأهوال الحرب مرة ثانية، بل إن الاهتمام بصون السلام يجب أن يلغي إلغاء جميع الاعتبارات الأخرى ولا يمكن - من غير شك - أن ينظر إنسان إلى هذا النظام المقترح على أنه من الحلول المثالية؛ لأنه من المتعذر الحصول على حلول مثالية، ولا يعيش البشر في عالم مثالي، وكل ما هنالك أن يختار الإنسان بين طائفتين من المزايا والأفكار. ومن شأن تطبيق «النظام الجديد» تطبيقا عكسيا، أو بعبارة أخرى العمل «بالنظام الجديد المعكوس» أن يقلل كثيرا من خطر نشوب حرب أخرى بفضل اتباع وسائل قد تبدو شاقة مرهقة إذا قيست بتلك التي أوجدتها معاهدة فرساي، ولو أنها من الناحية الإنسانية تفوق كثيرا ما كانت تتبعه ألمانيا.
ويتطلب تطبيق هذا «النظام الجديد المعكوس» وضع خطة محكمة للتنظيم الدولي، وفي كل دولة على حدة، أي إنه ينبغي استخدام العمال الألمان «المجندين» أو «المسخرين» للخدمة في أوروبا على نحو لا يسبب تعطلا عن العمل في البلدان التي تستخدمهم، فمن المعروف أن الحكومة الفرنسية بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى رفضت أن يقوم العمال الألمان بإعادة بناء المنشآت في الجهات المخربة في فرنسا، بدعوى أن استخدامهم يضر بمصلحة العمال الفرنسيين ومصلحة الصناعات الفرنسية وهذا صحيح - ولا شك - إذا اتبع نظام «الباب المفتوح» الذي لا يقيد الهجرة من بلد إلى آخر، ولذلك سوف يجد العمال الفرنسيون، وتجد الصناعات الفرنسية عند وضع خطة التنظيم المحكم ما يستنفد كل الوقت في إنتاج السلع والبضائع التي تدعو الحاجة المستمرة إليها لسد المطالب اليومية والعادية، وينجم عن استخدام العمال الألمان لذلك عدم الحاجة إلى خفض مستوى المعيشة من أجل تيسير العمل في إعادة بناء الأملاك والمنشآت المخربة، وعلاوة على ذلك فإنه بعد أن يتم هذا العمل الإنشائي ينبغي أن يوجد هذا التنظيم مجالا دائما لاستخدام العمال الألمان دون أن يترتب على ذلك تعطل العمال الوطنيين في البلدان المختلفة. وهناك ما يدعو إلى احتمال زوال الحاجة إلى بقاء الرقابة الدائمة على الدول الجرمانية غير البروسيانية؛ إذ من المحتمل كثيرا أن تستقر الأمور في هذه الدول، فتقتصر عنايتها على النشاط السلمي، بينما يدرك أهلها أن في استطاعتهم - وقد نبذوا جانبا أطماعهم في غزو شعوب العالم وإخضاعها لسلطانهم - أن يبنوا لأنفسهم صرحا من الحياة المطمئنة الرضية، بل إنه ليكاد يكون أمرا مفروغا منه أن يؤدي إحكام رقابة الأمم المنتصرة على بروسيا إلى الحد من عجرفة البروسيين وكسر حدة أطماعهم الأشعبية. ومن المسلم به أن هذه العجرفة والأطماع البروسيانية كانت المسئولة عن ذلك التخريب الذي حدث بأوروبا وتلك الآلام التي ما زالت تقاسيها الإنسانية.
والواقع أنه إذا أدركت بروسيا أنه لم يعد في استطاعتها بعد هذه الهزيمة المنكرة أن تعود إلى التسلح مرة أخرى على نحو ما حدث بين عامي 1933-1939، فإن ذلك في حد ذاته قد يضعف كثيرا ذلك الروح الحربي الذي يميز بروسيا من غيرها، ولا يشجعه، وقد يأتي الوقت الذي يمكننا أن نرى فيه الأمة البروسيانية وقد اتخذت مكانها بين مجموعة الأمم الحرة في ظل المساواة الشاملة، مساهمة في تلك الجهود التي يجب أن يبذلها الجميع متضامنين من أجل رفاهية العالم وسعادة الإنسانية.
تلك حقيقة المشكلات التي يواجهها أقطاب الأمم المنتصرة بعد الحرب الأخيرة، وإنا لنرجو الله صادقين أن يوفقهم، وأن يستهدفوا رفاهية العالم وسعادة الإنسانية وهم يضعون شروط الصلح النهائية.
مصادر البحث
(أ)
عن الموقف السياسي في ألمانيا وأوروبا قبل ظهور النازية وفي عهدها. (ب)
অজানা পৃষ্ঠা