91

ويعلل الفيلسوف بعض الآلام بأنها عقوبة من الله، أو أخذ من الجزء لإعطاء الكل، وحرمان للفرد لإغداق الخير على المجموع، ويقول: إن زيوس المخلص المنعم مصدر العدل والنظام والسلام يتنزه عن فعل ما لا يحسن ولا يجوز، ولكنه يصنع في الكون كما تصنع الدولة التي تضيق بسكانها، فتبعث بفريق منهم إلى المستعمرات النائية أو إلى ميادين القتال.

ويجيز شريسبس وجود آلهة تتمثل في القوى الكونية دون الإله الأعظم زيوس، ولكنه يعتبرها من أهل الفناء ولا يعفيها من قضاء القيامة التي تشمل الموجودات في نهاية كل دورة كونية، فإن هذه الدورات تأتي على كل موجود غير الإله الباقي وهو مصدر النار ومعيدها إلى التركيب ليستخرج منها أجزاء كون جديد. •••

وتأتي مدرسة أبيقور 342-270 في الموضع الوسط بين مدرسة الرواقيين ومدرسة أثينا الكبرى: ونعني منها على الخصوص مذهب أرسطو الذي اشتهر بمذهب المشائين.

فكان أبيقور وتلاميذه يعظمون الآلهة كتعظيم الرواقيين، وينسبون الإله والروح إلى مادة لطيفة كالأثير أو أرق من الأثير، ولكنهم يخالفون الرواقيين في الإيمان بالقيامة الإلهية ويقولون: إن الآلهة في رفيقها الأعلى سعيدة خالدة، وإن السعيد الخالد لا يكرث نفسه بأمره ولا يأمر غيره، ولكنهم يقيمون فوق الكون

metakosmia

في نعيم وفرح صاف مقيم، لا يعرفون تعبا ولا يتعبون أحدا، وإنما تحري الأمور عفو السجية بغير تقدير ولا حاجة إلى التقدير.

وهناك مدرسة أخرى غير مدرسة أبيقور ومدرسة زينون لها شأنها في التفكير ولكن لا شأن لها في العقيدة؛ لأنها لا تنقض فيها ولا تبرم، وهي مدرسة الشكوكيين أو اللاأدريين، فلا موضع لها في هذا المقام. •••

هذه المذاهب كلها كان لها تأثير ملحوظ في تفكير المفكرين بعدها في المسائل الإلهية، فما من مذهب منها إلا وقد أعقب فكرة قام عليها رأي فيلسوف متأخر أو دخلت في رأيه على نحو من الأنحاء.

إلا أن الإجماع متفق على أن المدرسة الأثينية - مدرسة سقراط وأفلاطون وأرسطو - هي أعظم مدارس الفلسفة بين الإغريق على التعميم، سواء منها ما نشأ قبل الميلاد وما نشأ بعده، وسواء منها ما نشأ في آسيا الصغرى أو إيطاليا الجنوبية أو مدينة الإسكندرية.

وليس هذا التمييز مرتبطا بضخامة الأثر في المسائل الإلهية؛ لأن فلسفة الرواقيين وفسلفة فيثاغوراس لا تقل أثرا في هذه المسائل عن مذاهب الفلسفة الأثينية، ولكنما ارتبط هذا التمييز «أولا» بعظمة الفلاسفة أنفسهم لأنهم كانوا على اليقين أعظم فلاسفة اليونان قدرا وأرجحهم عقلا وأبرزهم عبقرية في شئون البحث والدراسة والحكمة على تعدد جوانبها، وارتبط هذا التمييز ثانيا بمقياس المنطق الذي خلفوه واصطلح المفكرون بعدهم على الاحتكام إليه في إقامة الحجة وفصل الحدود وتمحيص التعريفات، فاعتمد عليه أقطاب اللاهوت كما اعتمد عليه أقطاب العلم والفلسفة، ولم يزل إلى هذه الأيام مرجعا معولا عليه لمن يقبله على علاته ومن يتناوله ببعض التنقيح والتعقيب.

অজানা পৃষ্ঠা