446

الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية

الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية

প্রকাশক

دار القلم

সংস্করণের সংখ্যা

الأولى

প্রকাশনার বছর

١٤٣٨ هـ - ٢٠١٧ م

প্রকাশনার স্থান

بيروت - لبنان

জনগুলি

- وقال ابن عثيمين: "وإنما استثناه الله من الملائكة لأنه كان معهم وليس منهم يبين ذلك آية الكهف (وكان من الجن) .. ثم قال: وهذا الاستثناء يسمى استثناء منقطعا، كما تقول: (جاء القوم إلا حمارا) وهو كلام عربي فصيح فاستثنى الحمار من القوم وإن لم يكن منهم" (١).
والثاني: أنه من الجن:
وقال به من العلماء: ابن عباس" (٢) في رواية أخرى والحسن البصري" (٣) - صححه عنه ابن كثير- وسعد بن مسعود (٤) وشَهر بن حَوْشب (٥) وابن زيد (٦)، ورجحه ابن تيمية والسيوطي والزمخشري وابن كثير والشنقيطي - صاحب الأضواء - وابن عثيمين والشيخ أبو بكر الجزائري (٧).
ولهذا ذهب عامة أهل العلم إلى أن إبليس وذريته لم يكونوا قط من الملائكة، ويدل على ذلك عدة أدلة:
أحدها: قول الله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا﴾ [الكهف: ٥٠]، فبين الله أن سبب فسقه كونه من الجن، أي أنه من عنصر أو من جنس آخر غير الملائكة، أما الاستثناء في قوله تعلى: (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ)، فإنه استثناء منقطع أي أن (إلا) هنا بمعنى (لكن)، وهو كقوله تعالى: ﴿لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (٢٤) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (٢٥)﴾ [النبأ: ٢٤ - ٢٥]، هذا الاستثناء منقطع لأن الحميم والغساق ليس من البرد والشراب والمعنى: لكن يطعمون الحميم والغساق.
والثاني: وقوله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا﴾ [الكهف: ٥٠].
وهنا نص الله أن له ذرية يعني (نسل) وهم الجن، والملائكة لانسل لهم. فلو كان ملكا لم يكن له نسل.
والثالث: أن إبليس مخلوق من نار كما قال تعالى حاكيا عن إبليس: ﴿قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ [الأعراف: ١٢]، والملائكة مخلوقة من نور لما في صحيح مسلم عن عائشة ﵂ أن النبي ﷺ قال: " خلقت الملائكة من نور وخلق الجن من نار وخلق آدم مما وُصف لكم" (٨). ففرق الرسول ﷺ بين خلق الملائكة وخلق الجن.
والرابع: قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: ٦]. فلو كان إبليس ملكا ماعصى الله.
والخامس: أن الجن الذين هم ذرية إبليس، لهم شهوة للطعام والشراب وغيره، وليس للملائكة شهوة دل على ذلك عدة نصوص منها:
ـ أن الجن سألوا الرسول ﷺ لما اجتمعو به عن طعامهم فقال: "كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر مايكون لحما، وكل بعرة علف لدوابكم .. فلاتستنجو بهما فإنهما طعام إخوانكم الجن " (٩).

(١) الفتاوى لابن عثيمين: رقم الفتوى: (١٠٨).
(٢) أنظر: تفسير الطبري (٦٩٦)، و(٦٩٧): ص ١/ ٥٠٦، و(٧٠٠): ص ١/ ٥٠٧.
(٣) مجموع الفتاوى: ٤/ ٣٤٦.
(٤) أنظر: تفسير الطبري (٦٩٩): ص ١/ ٥٠٧.
(٥) أنظر: تفسير الطبري (٦٩٨): ص ١/ ٥٠٦ - ٥٠٧.
(٦) أنظر: تفسير الطبري (٧٠١): ص ١/ ٥٠٨.
(٧) راجع في ذلك تفاسيرهم عند آية البقرة والكهف كما سبق ويضاف إلى هذه المصادر كتاب السيوطي الدر المنثور وتفسير ابن جرير، أما شيخ الإسلام ابن تيمية فقد ذكر رأيه في مجموع الفتاوى ٤/ ٣٤٦ وابن عثيمين في كتابه الذي أفرده لسورة الكهف عند آيتها التي تحدثت عن قصة آدم وإبليس وكذا في فتاويه ورقم الفتوى ١٠٨، أما السيوطي فذكر رأيه في (تفسير الجلالين).
(٨) مسلم (٢٩٩٦)، وأحمد (٦/ ١٥٣)، وابن حبان (٦١٥٥).
(٩) أخرجه مسلم (٢/ ٣٦) وابن خزيمة في " صحيحه " (رقم ٨٢) والبيهقي (١/ ١٠٨ - ١٠٩) من طريق عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن داود عن عامر قال: سألت علقمة: هل كان ابن مسعود شهد مع رسول الله ﷺ ليلة الجن؟ قال فقال علقمة: أنا سألت ابن مسعود فقلت: هل شهد أحد منكم مع رسول الله ﷺ ليلة الجن؟ قال: لا، ولكنا كنا مع رسول الله ﷺ ذات ليلة ففقدناه، فالتمسناه في الأودية والشعاب، فقلنا: استطير أواغتيل، قال: فبتنا بشر ليلة بات بها قوم، فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل (حراء)، قال: فقلنا: يا رسول الله فقدناك فطلبناك فلم نجدك، فبتنا بشر ليلة بات بها قوم، فقال: أتاني داعي الجن فذهبت معه، فقرأت عليهم القرآن، قال: فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم. وسألوه الزاد، فقال: فذكره، فقال رسول الله ﷺ: فلا تستنجوا بهما، فإنهما طعام إخوانكم من الجن ". (وضعفه الألباني: سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة " (٣/ ١٣٣).

2 / 188