الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية
الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية
প্রকাশক
دار القلم
সংস্করণের সংখ্যা
الأولى
প্রকাশনার বছর
١٤٣٨ هـ - ٢٠١٧ م
প্রকাশনার স্থান
بيروت - لبنان
জনগুলি
تنزلات القرآن الكريم:
في هذه المسألة طرفان، أحدهما متفق عليه، والآخر مختلف فيه، أما الطرف المتفق عليه، فهو أن القرآن لم ينزل على رسول الله ﷺ من السماء جملة واحدة، بل كان ينزل الوحي به من عند الله، مفرقا حسب الحوادث والأحوال.
وقد جاءت الآيات تقرر ذلك بوضوح تام لا لبس فيه، وتقرر حكمة النزول على تلك الصفة:
١ - قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا﴾ [الفرقان: ٣٢].
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي ﵀: " لأنه كلما نزل عليه شيء من القرآن ازداد طمأنينةً وثباتًا، وخصوصًا عند ورود أسباب القلق؛ فإن نزول القرآن عند حدوث السبب، يكون له موقع عظيم، وتثبيت كثير، أبلغ مما لو كان نازلًا قبل ذلك ثم تذكره عند حلول سببه.
﴿وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا﴾، أي: مهلناه ودرجناك فيه تدريجًا، وهذا كله يدل على اعتناء الله بكتابه القرآن، وبرسوله محمد ﷺ، حيث جعل إنزال كتابه جاريًا على أحوال الرسول ومصالحه الدينية " (١).
٢ - قال تعالى: ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا﴾ [الإسراء: ١٠٦].
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي ﵀: " ﴿عَلَى مُكْثٍ﴾ على مهل، ليتدبروه ويتفكروا في معانيه ويستخرجوا علومه، ﴿وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزيلًا﴾، شيئًا فشيئًا مفرَّقًا في ثلاث وعشرين سنَة" (٢).
ومما يؤكد نزول القرآن مفرَّقًا: انقطاع الوحي في حادثة الإفك التي اتهمت فيها عائشة ﵂ بالزنى، وقد انتظر النبي ﷺ نزول القرآن؛ لعظيم وقع المصيبة بتهمة زوجه حتى نزل قوله ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النور: ١١].
ومما يؤكد نزول القرآن مفرَّقًا - أيضًا -: الآيات الأولى من سورة " عبس "؛ وذلك عندما أعرض النبي ﷺ عن تعليم ابن أم مكتوم الأعمى طمعًا في إسلام كبار قريش.
وأما الذي وقع الخلاف فيه، فهو أول وأصل نزول القرآن: هل نزل مرة واحدة إلى السماء الدنيا، ثم نزل على الرسول ﷺ مفرقا، أو كان نزوله على صفة واحدة، مفرقا حسب الوقائع، كما سبق.
وسبب ذلك الخلاف هو فهم بعض الآيات التي تدل على نزول القرآن في وقت واحد، مثل قوله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ [البقرة: ١٨٥]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ [القدر: ١]، مع تصريح ابن عباس ﵁ بذلك الفهم.
_________
(١) تفسير السعدي: ٥٨٢.
(٢) تفسير السعدي: ٤٦٨.
1 / 33