ولما كانت الحدود من أجناس وفصول ذاتية فقط، لزم فيما لا جنس له ألا يكون له حد، وكذلك ما لا فصول له ذاتية يلزم ألا يكون له حد. ولما كانت الأجناس العالية ليست لها أجناس فوقها، لزم فيها ألا يكون لها حدود. ولما كانت الأشياء التي ليست لها أجناس أو التي ليست لها فصول ذاتية لم يمتنع أن تكون لها أعراض، صارت بسبب ذلك لا يمتنع أن يكون لها رسوم. فلذلك لم يمتنع في الأجناس العالية أن يكون لها رسوم، وكذلك في المتوسطة.
34 -
والنوع متى كان له حد مساو له في الحمل، فزيد على أجزاء الحد محمول أعم من النوع، بقيت مساواة الحمل على حالها. مثال ذلك قولنا حيوان مشاء ذو رجلين متحرك. وكذلك متى زيد عليه كلي مساو للنوع في الحمل. مثال ذلك حيوان مشاء ذو رجلين ضحاك. ومتى زيد على أجزاء الحد كلي أخص من النوع، أزال مساواة الحد للنوع. مثال ذلك حيوان مشاء ذو رجلين طبيب. فإن هذا يحمل على أقل مما يحمل عليه الإنسان. والحد الكامل قد يكون من جزئين - أعني من جنس واحد وفصل واحد - وقد يكون من أكثر من جزئين - ومن ثلاثة أو أكثر. ومتى كان من جزئين، فأي الجزئين نقص لم يكن الباقي حدا، من قبل أن الذي يبقى يدل عليه لفظ مفرد، والحد يدل عليه لفظ مركب. والحد أبدا فإن أول أجزائه في الترتيب هو الجنس. ومتى كان من ثلاثة أجزاء أو أكثر، فنقص منه جزؤه الأول - وهو الجنس فقط - كان الباقي مساويا أيضا للنوع في الحمل. مثال ذلك قولنا في حد الإنسان حيوان مشاء ذو رجلين، ومتى حذفنا قولنا حيوان وبقينا قولنا مشاء ذو رجلين، كان مساويا للإنسان في الحمل. ومتى نقص آخر أجزاء الحد، فإن الباقي تزول مساواته في الحمل للنوع الذي كنا أخذناه له حدا. ومتى نقص أوسط أجزائه، وكان آخر أجزائه مساويا للنوع في الحمل، بقي الباقي أيضا مساويا. ومتى نقص الجزء الأوسط من أجزائه، وكان الأخير أعم، زال عن الباقي المساواة.
35 -
والشيء الواحد قد تصدق عليه أسامي كثيرة. وصدق الأسامي الكثيرة على شيء واحد هو بإحدى جهتين. إما أن تكون الأسامي الكثيرة الصادقة عليه تدل منه على معنى واحد فقط، وإما أن تكون الأسامي الكثيرة الصادقة عليه تدل منه على معان مختلفة. فإذا كانت الأسامي الكثيرة الكثيرة الصادقة عليه تدل منه على معان مختلفة، وكان كل واحد من تلك المعاني يدل عليه أيضا بحد، كان جزء جزء من حدوده يدل على ما يدل عليه اسم من أسمائه. فمتى أخذ حد من حدوده فكان دالا منه على معنى فقيس باسمه. فمتى أخذ حد من حدوده فكان دالا منه على معنى فقيس باسمه الدال منه على ذلك المعنى بعينه، كان ذلك الحد هو حد ذلك الشيء بحسب اسمه الدال منه على ذلك المعنى فقط. ومتى قيس باسمه الدال منه على معنى آخر، كان ذلك الحد هو حد ذلك الشيء لا بحسب اسمه ذلك لكن بحسب اسم له آخر. فإنه لا يمتنع أن يطن في حد الشيء أنه حد له بحسب أي اسم اتفق من الأسامي التي تصدق عليه. فلذلك يجب أن يحتفظ في الحد بهذا الأمر، وهو أن يكون بحسب اسم ما محصل من أسامي ذلك الشيء. وبالجملة فإن قولنا في الحد إنه بحسب الإسم ينبغي أن يفهم منه معنيان، أحدهما أن يصدق على جميع ما يصدق عليه الإسم وعلها وحدها، والثاني أن يدل الحد من الأمر المحدود على المعنى الذي دل عليه الإسم الذي قيس به بعينه. وحدود الأنواع كثيرا ما تستعمل بدل أسامي الأنواع. مثال ذلك الجوهر المغتذي الحساس، وهو حد الحيوان، ويقام مقام اسم الحيوان، فيظن أنه لا فرق بين أن يدل عليه بشيء مركب وبين أن يدل عليه باسم مفرد.
وأيضا فإن حد الشيء قد يستعمل بدل الشيء ويظن أنه لا فرق بين الشيء وبين حده. فتكون الأجزاء التي منها تأتلف الحدود هي بأعيانها يقوم بها المحدود. ولما كانت الأنواع تأتلف حدودها من الأجناس والفصول، صارت الفصول التي تليق أن تؤخذ جزء حد النوع يقال إنها فصول مقومة للنوع، وهي الفصول الذاتية التي تحمل على النوع حملا مطلقا.
পৃষ্ঠা ১৬