وهناك لقيني علاء الدين وقرب إليه مكاني وغمرني ببشاشته وحياني. ولما استقر بي المجلس واستأنست وهدأ جأشي وذهب عني حيائي أفضيت إليه بما استقر عليه رأيي، واعتمدت على الله فلم أخف عنه كلمة تجيش في صدري.
وقد سمع قولي هادئا عاطفا، حتى إذا فرغت من حديثي سألني الدعاء، وقدمني لأكون إماما في الصلاة.
وها أنا ذا اليوم في جانبولاد وسائر قصتي معروف لا يخفى على أحد؛ فقد صرت إمام السلطان أذهب كل يوم إلى مسجده الذي بناه ليكون لي مدرسة أعلم فيها الناس مما علمني ربي، فلعلهم يوما يبلغون ما يحب لهم علاء الدين من خير في الأولى والآخرة، وقد وهب لي السلطان بيتا أعيش فيه مع «نجوى» بعد أن أعفاني من زواج الأميرة، حفظها الله وأمتعها وبارك لها وفيها.
وإنني اليوم أقضي أيامي بين كتابي وصلاتي، وأذوق السلام في أهلي وولدي. لكم تغيرت بفضل قلبك الطاهر يا «نجوى».
ولست اليوم أحمل لريمة إلا الرحمة والرثاء، مسكينة هي، أسأل الله أن يلطف بها، فما أولى القلوب الثائرة بالرثاء، وهي تقيم في جناح من الدار وحدها حتى لا أبعدها عن ولدها.
وقد أتيت بولدي عجيب إلى حضرة السلطان كما شاء، فأرضاه حسن خطه وأعجبه إنشاء رسائله فجعله خازنا لكتبه. بارك الله للسلطان في ملكه ورعيته.
وأما جميلة ابنتي فقد زوجها السلطان لوزيره الذي اخترته له ليحمل الأعباء عني، صديقي وتلميذي كمال الدين، وفقه الله إلى رضاه. وأما صديقي أبو النور فقد كان أحب شيء عندي أن يشاركني في سلامي وأمني، ولكنه لم يرض أن يفارق ماهوش، فهو لا يحب أن يدفن عظامه إلا في ثراها.
ما أسعد ذلك الصديق الطيب بقلبه الكبير، إنه يعطي ولا يحب أن يأخذ، ويعاشر الناس كما يجدهم راضيا، ولم أره يوما يضيق بالحياة.
وقد أردت أن أكتب للناس قصتي، فعكفت في شهر رمضان أتسلى بها بين قيامي وسحوري، لعل كلمة منها تسري عن الناس هما أو تدخل إلى قلبهم سرورا، أو لعل خطرة تخطر على قلبهم عند قراءتها تحمل إليهم حكمة أو عبرة.
وقد وقفتها على أهل جانبولاد، وجعلت منها نسخا في مسجدها، لعل الله يجعل لي منها ثوابا إذا ترحم الناس على كاتبها جيلا بعد جيل.
অজানা পৃষ্ঠা