فنظر إلي مغضبا كأنه لا يعرفني. فزاد غضبي وثار الدم في رأسي، فقلت له: أما تعرفني؟ أما رأيت من قبل وجهي ولحيتي؟
فهز الشيخ ذقنه ولمعت عيناه لمعة مخيفة، ثم نظر إلي نظرة قصيرة وعاد إلى الحلقة يريد أن يمضي في درسه.
فغاظني ذلك وصحت به: لا بأس على هؤلاء إذا غبت عنهم ساعة يا سيدي، فتعال معي إلى الدار لترد إلي أمانتي، ولا ضير على تلاميذك أن يهز أحدهم لحيته في مكانك حتى تعود إليهم.
ولست أدري كيف أغضب الحق هؤلاء، وقد كنت أحسبهم يشكرون صنيعي، فقاموا جميعا في وجهي يشتمونني ويسفهون رأيي.
فلم أجد بدا من الخروج، ونظر الشيخ إلي شامتا، وانصرفت وتركته يهز لحيته هزا عنيفا.
وما كدت أعود إلى منزلي حتى سمعت طارقا على الباب، فقلت في نفسي: «من يكون هذا؟» وما فتحت المصراع حتى رأيت جاري جمال الدين يطل برأسه باسما؛ وقد كان آخر عهدي به يوم جاء يطلب مني البطل الصامت ليحمل له بعض التبن، فأذنت له به، ثم اتفق أن مررت بداره عند غروب الشمس فرأيت منظرا يذيب القلب حسرة؛ إذا كان من طبعه أن يذوب. رأيت البطل الصامت المسكين واقفا عند باب البيت وعليه حمل من التبن يبلغ علوه قامتين، وقد تربعت فوقه امرأته، وكان رأسها يبلغ نافذة الدور الأعلى من الدار. وكان الشيخ واقفا من وراء البطل الصامت يدفعه ويضربه ليدخله في الباب قسرا، وكان يصيح به وهو يضربه: حا حا! يا حمار الكلب. حا حا! لعنك الله ولعن صاحبك.
وكان البطل الصامت يحاول جهده أن يدخل من الباب، ولكن حمل التبن كان لا يريد أن يدخل، وكانت المرأة في أعلاه تصيح من فوق قائلة: اثن رجليه حتى يبرك فيقدر على الدخول.
فلما وقع نظري على صاحبي المسكين في تلك الحال غضبت وجريت لنجدته. ولكن جاري لم يرض عني إذ تدخلت في أمره، ثم غضب فأمر امرأته أن تنزل، وألقى الحمل عن البطل الصامت وهو يبرطم، ثم دفعه إلي في غضب.
عادت إلي تلك الصورة عندما رأيت رأس جاري يطل باسما من وراء مصراع الباب.
ولم ينتظر حتى آذن له في الدخول، فحيا ودخل وسار أمامي متجها إلى المنظرة، فلم أجد بدا من السير وراءه، ولم أملك نفسي أن نطقت بكلمات الترحيب والتأهيل.
অজানা পৃষ্ঠা