(بُنيّ إذا ما ساَمَك الذُّل قادرٌ ... عليك فإن الذلَ أحرى وأحرزُ)
(ولا خير في كلّ الأمور تَعَزُّزًا ... فقد يورثُ الذل الطويل التعززُ)
ومما يستحسنه الأدباء، ويراه صوابًا كثير من العلماء: الحلم عن النظير ومن هو دون النظير، لأنه يبين عن فضل الإنسان في نفسه، ويرفعه عن مقابلة من جهل عليه، ووضع نفسه لأذيته، وقد قيل: "من عاجل نفع الحلم كثرة أعوان الحليم على الجاهل، والتقية والمداراة للسلطان والرئيس لدفع المرهوب من جهتهم، واجتذاب المحبوب منهم، ومقابلة من يرى نفسه فوقك، ويتوهم أن إمساكك عنه خوفًا منه، فيجترئ عليك بحلمك عنه، ويكون سكوتك عنه زيادة فيما ينوبك منه، ولذلك قال الله ﷿:
﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾. وقال: ﴿وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ﴾.
وإنما كان الصواب في مقابلة من هذه حالته، لأن في مقابلته قطعًا لمادة أذيته، وردعًا له عن معاداته بمثل فعله، وقد قال الشاعر:
(وإذا كُنت عِند الحِلم تزداد جُرأةً ... عليَّ وعند العفوِ والصفح يَجهلُ)
(ردعتُك عنيّ بالتجاهُلِ والخَنَا ... فإنهما عندي مِثلِك أمثلُ)
وقول الآخر:
(ألا لا يجهَلن أحدٌ علينا ... فنجهلَ فوقَ جهل الجاهلينا)