وبعد حين استفحل أمر الوهم فنمت في فراشي، وجاء الذي كنا نسميه حكيما، وبعد أخذ الحرارة، وجس النبض، وفحص اللسان وتفتيش جميع زوايا جسدي، قال: ننتظر يومين ثلاثة لعله خير. ثم مضت أيام وأنا على حالي، فضاق صدر والدي فصرخ بي: قم من فراشك. وبعد جهد نهضت، وما زلت ناهضا.
ولكنني ما خلصت من وهم الفتوة حتى وقعت بأوهام الكهولة. قرأت أن العمر واحات. فمن يبلغ واحة الثمانية والأربعين، فلينتظر الثامنة والخمسين، وإذا بلغها فلينتظر الثامنة والستين، وها قد فتها، والله أعلم إلى أين نصل. ولكنني قضيت أهوالا وسلخت أكثر عمري، وأنا في غرفة الانتظار، حتى أصبحت اختصاصيا في انتقاء الأمراض.
كلما أحسست بحركة في جسدي انتقيت لها أخطر الأمراض وتوهمت أنني مصاب به، وكنت إذا أصبت برشح أحسب أنني معرض لما يليه. وهكذا انقضت حياة قلقة، ولكني كنت أنسى أوهامي التي أجترها عندما أنصرف إلى عملي وأكب عليه، حتى أنسى كل شيء إلا ما يشغلني به عملي.
وقعدت منذ ربع قرن على سرير العيادة عند الدكتور أ. خ. فعني بي ودقق كثيرا، وأخيرا انتصب أمامي بقامته الفارعة وقال: منذ كم سنة وأنت تشعر بهذا المرض؟
فأجبته: منذ سنوات.
فقال: لو كنت مريضا حقا لكانت تخت عظامك، أتمنى لو تكون لي سلامة جسمك، فدع هذه الأوهام وراجع رواية موليير «المريض غصبا عنه».
واستطرد قائلا: أربعة أشياء تجنبها يا مارون: ميزان الحرارة، والقبان، وأخذ النبض، ووزن الضغط؛ إن هذه الأربعة تتغير وتتبدل فلا تشغل بالك بها. أنت سليم من كل مرض.
ومنذ أشهر التقيت الطبيب الذي أطلقني حينا من سجن أوهامي، فضحك وقال لي: كم صار عمرك؟ فقلت له: في الثالثة والسبعين.
فقال: أصدقت الآن إنك بألف خير وعافية.
فقلت له: ليس كل التصديق ...
অজানা পৃষ্ঠা