روى العالم غوبلو أن أحدهم قال له إنه أصيب بوهم تكرر مدة من الزمن، فكان ينظر، حين يجلس إلى مكتبه، شخصا على المقعد يحدق النظر إليه بينا أنه لم يكن على المقعد أحد.
وهذا يذكرني بما قرأت عن باسكال، زعموا أنه كان يرى هوة فاتحة فمها عن يمينه كلما جلس إلى مكتبه، فيرتاع، ولكي يزيل هذا الوهم، كان يضع كرسيا على فم تلك الهوة ليطمئن قلبه إلى عدم وجود هوة.
ليس المجال هنا مجال تعداد أوهام الناس، فعندنا من أوهامنا ما يغنينا عن تلك. كما أننا لا نقصد الأخبار وسرد قصص الوهم، ولكننا نعني الأوهام المرضية التي تستولي علينا فتجعلنا مصابين بالمرض الذي نختاره وننتقيه.
رأيت في شبابي راهبة بلدية كانت تتوهم أن في أذنها عصفورا تزعجها انتفاضاته. وقد قصدت أطباء بيروت في ذلك الزمان - منذ نصف قرن - وظلت تروح وتجيء والعصفور جاثم لا يطير من ذلك الوكر الدافئ.
وأخيرا تركت أنا جبيل ولم أعد ألتقي تلك الراهبة. وقد سألت عنها فقيل لي: إنها في مغارة دير قزحيا، عصفورية لبنان في ذلك الزمان.
أما أوهامي أنا فليست من هذا العيار الثقيل، ولكنها إن لم تمتني، فقد أزعجتني ولا تزال. ولا بأس علينا إن روينا للقارئ بعضها، فهذا الموضوع، جميع الناس فيه سواء، فكما لا يخلو رأس من هم كذلك قلما يخلو من وهم.
كنت منذ نشأتي مشغول البال على صحتي، فخطر لي أن أكون طبيبا نفسيا، فاشتريت كتاب طب أطالع فيه.
كنت إذا سمعت بانتشار مرض في البلاد، أسرع إلى فهرست ذلك الكتاب، وأقرأ عن ذلك المرض، وهكذا صرت اختصاصيا أصاب بالمرض الذي أريد، ساعة أريد.
وذات سنة أقبلت حمى التيفوئيد على المدرسة التي كنت فيها، وعجز طب ذلك الزمان (1903) عن مكافحتها فصرفتنا إدارة المدرسة إلى بيوتنا.
واعتقدت أنا، أو توهمت، أنني أحمل ميكروب التيفوئيد معي، فرحت أقرأ في ذلك الكتاب، المشئوم علي، فوقعت على عبارة فيه تقول: إن نبض المريض بالتيفوئيد تزدوج ضرباته، فجسست نبضي، فإذا به مزدوج. خفت جدا، ولاحظ والدي قلقي، فأخبرته، فقال: هات يدك، وبعدما جسها قال: من خبرك أن نبضك مزدوج؟ فأجبته: خبرتني إصبعي.
অজানা পৃষ্ঠা