ومن ذلك ما حكى جميلٌ بن معمر العذري: أنّه دخل على عبد الملك بن مروان، فقال له: يا جميل حدّثني ببعض أحاديث بني عذرة. فإنّه بلغني إنّهم أصحاب أدبٍ وغزلٍ. قال: نعم يا أمير المؤمنين، أعلمك أنّ آل بثينة انتجعوا عن حيّهم، فوجدوا النّجعة بموضع نازح فظعنوا، فخرجت أريدهم، فبينما أنا أسير إذ غلطت الطّريق وأجنّني الليل فلاحت لي نارٌ، فقصدها حتّى وردت على راعٍ في أصل جبل قد انحنى عنه إلى كهفٍ فيه، فسلّمت، فردّ عليّ السّلام، وقال: أظنّك قد غلطت الطّريق؟ فقلت: أجل. فقال: انزل وبت الليلة فإذا أصبحت وقفت على القصد فنزلت فرحب بي وأكرمني وذبح شاة، وأجّج ناره، وجعل يشوي ويلقي بين يدي، ويحدّثني في خلال ذلك. ثمّ قام بإزارٍ كان معه فوضع به جانب الخبا ومهّد لي محلًّا خاليًا فنمت.
فلمّا كان في الليل سمعته يبكي إلى شخصٍ كان معه، فأرقت له ليلتي. فلمّا أصبحت طلبت الإذن فأبى، وقال: الضّيافة ثلاث. فجلست وسألته عن اسمه ونسبه وحاله، فانتسب فإذا هو من بني عذرة، من أشرفهم. فقلت: وما الذي جاء بك إلى هذا؟ فأخبرني أنّه كان يهوى ابنة عمٍّ له، وأنّه خطبها من أبيها فأبى أن يزوّجها إيّاها لقلّة ذات يده، وأنّه تزوّجها رجلٌ من بني كلاب وخرج بها عن الحي، وأسكنها في موضعه. وأنّه رضي أن يكون لزوجها راعيًا حتّى تأتيه ابنة عمّه فيراها. وأقبل يشكو قديم عشقه لها، وصبابته بها حتّى أتى المساء، وحان وقت مجيئها. فجعل يتقلقل ويقوم ويقعد، ثمّ وثب قائمًا على قدميه، وأنشأ يقول:
ما بال ميّة لا تأتي كعادتها ... أعاجها طربٌ أو صدّها شغل
1 / 65