أيها الناس، أولد الزمان العبر، وتمخض الدهر بما فيه تذكرة لمن يتذكر، وأورث الله القوم الذي كانوا يستضعفون البلاد، ودمر الذين فسقوا فيها فأكثروا فيها الفساد، فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم الخاوية، وآثارهم الباقية، فلا بالله عزوا، ولا لدنياهم أحرزوا، ابتزهم الضلال، وأهلكتهم الآثام الثقال، وجرعتهم الغصص سيئات الأعمال، وأشرقتهم الذنوب التي شربوها في مجالس الاستحلال، رمى الله اليمن بهم، ورموا باليمن، لما تراكمت فيه الفتن، وتكاثرت فيه الإحن، وتلون أهل اليمن على دعاتهم، من أبناء بنيهم كما تتلون الحربا، وتباعدوا عنهم كما تباعد عن النوق الجربا، فكثر بين الناس اللغط، وتعاظم الشطط، وتحاكم الناس إلى الطاغوت، ونازعوا به حكم ذي الجبروت، واتبعوا كل ناعق، وعدلوا عن كل إمام صادق، فجذب إليهم عملهم التسليط، وخطم إليهم ما دهمهم من أوامر العجم التي كانت عليهم تحيط، وآل محمد يدعونهم إلى السداد، ويبصرونهم الرشاد، تابعهم الأقل الراشد، وجانبهم ذو طمع وحائد، حتى إذا بلغ الكتاب أجله، قرب الفرج ركائبه، وسل قواضبه، فكان ما نظرته العيون، وعرفه المفتون وغير المفتون.
পৃষ্ঠা ২৮