33
وهو يستشهد في هذا الصدد برأي لبياجيه
يقول فيه: «إن تولد البناءات من أصل اجتماعي لا يفسر وظائفها اللاحقة؛ لأن هذه البناءات حين تندمج في تركيبات كلية جديدة يمكن أن تتغير لدلالاتها. وبعبارة أخرى: فإذا كان بناء تصور معين يتوقف على تاريخه السابق، فإن قيمته تتوقف على موقعه الوظيفي في الكل الذي يكون هذا التصور جزءا منه في لحظة معينة.»
34
وهكذا يدافع «سيباج» عن تلك القدرة الخلاقة التي يتسم بها العقل الإنساني، والتي تجعل لنواتج هذا العقل استقلالا ذاتيا بالقياس إلى الواقع الاجتماعي الذي أنتجها، ويترتب على ذلك أن النسق البنائي الواحد الذي يكونه هذا العقل يستطيع أن يعبر عن أكثر من واقع أساسي واحد. كما أن الواقع الواحد يمكن أن يولد أنساقا متباينة، ولهذا الرأي نتيجتان هامتان تؤلفان تعديلا أساسيا على النظرية الماركسية التقليدية:
الأولى هي إنكار وجود علاقة مباشرة بين الأساس الاقتصادي والاجتماعي الواحد والنسق الفكري الذي يقال: إنه يرتكز عليه؛ فالسببية هنا ليست خطية تجمع بين الطرفين، بل هي متشعبة يمكن أن تسير في شتى الاتجاهات.
أما النتيجة الثانية فتذهب إلى مدى أبعد؛ إذ تنكر القسمة الثنائية التقليدية بين بناء أدنى وبناء أعلى، أو بين أسس الواقع الاقتصادي الاجتماعي والبناءات التي تشيد عليه في ميادين الفكر والدين والفن إلخ، فليس ثمة أولوية للأسس الاقتصادية والاجتماعية، وإنما يكشف لنا التاريخ عن سلسلة دائمة من التفاعلات المتبادلة، التي تتحول فيها الأسباب إلى نتائج، والنتائج إلى أسباب، ولو رجعنا إلى ما يحدث بالفعل في عالم الواقع؛ لوجدنا أن الناس حين يسلكون، يجمعون في مركب واحد بين مستويات كثيرة لا يمكن الفصل بينها إلا بعملية فيها قدر من العمق؛ ولذلك فإن هذه العملية المزعومة للعنصر الاقتصادي تعزل شطرا واحدا من كل لا ينطوي إلا على علاقات متبادلة.
35
وهكذا يذهب «سيباج» في تحليله البنائي للماركسية إلى مدى بعيد في الخروج عن المبادئ الأساسية للنظرية الماركسية التقليدية. وليس أدل على ذلك من أنه يرفض النقد الذي وجهه ماركس إلى هيجل، على أساس أنه قلب الأوضاع رأسا على عقب، وجعل من الواقع الاقتصادي الاجتماعي مجرد ناتج مترتب على «الفكرة» الدينية أو الميتافيزيقية أو المنطقية، على حين يريد ماركس أن يعيد الأمور إلى نصابها ويوقف الديالكتيك «على قدميه» بعد أن كان واقفا «على رأسه». هذا النقد يرفضه «سيباج»؛ لأن قلب الأوضاع هذا يمكن أن يحدث بالفعل؛ لأنه سمة أساسية من سمات العملية الرمزية التي ينفرد بها الإنسان، والتي تجعل للنواتج الرمزية - من فكر ولغة وعقيدة - استقلالا ذاتيا عن الأصل الذي نشأت منه، وقدرة على التأثير في الواقع ذاته، وتغيير الأسس الاقتصادية الاجتماعية؛ فنحن ها هنا في مجال لا يمكن التمييز فيه بين ما هو «أصل» وما هو «نتيجة»، وتلك كلها آراء تعدها الماركسية التقليدية تحريفات غير مشروعة؛ لأنها لا تتعلق بالاجتهادات في تفسير النظرية، بل الأسس التي يرتكز عليها. (6) البنائية والماركسية (6-1) ألتوسير
كان تفكير «لوي ألتوسير
অজানা পৃষ্ঠা