Lucien Sebag
من أوائل الماركسيين الذين تنبهوا إلى إمكان وجود عناصر بنائية في فكر ماركس، ويبدو أن تحمسه لإثبات هذه الفكرة قد أدى به إلى الانحياز إلى جانب البنائية وإنكار عناصر أساسية في الماركسية؛ مما أبعده بالتدريج عن التيار الرئيسي للفكر الماركسي الفرنسي، وأدى إلى فصله من الحزب الشيوعي الفرنسي، وعلى أية حال فقد أتيح لسيباج أن يعرض وجهة نظره كاملة - قبل موته المبكر - في كتاب يعد من الكتب الكلاسيكية في هذا الموضوع، هو «الماركسية والبنائية».
30
ولقد أثار هذا الكتاب مجموعة من المسائل التي قد لا يلقى بعضها معارضة شديدة من الماركسية التقليدية، على حين أن البعض الآخر لا يمكن الاعتراف به في الإطار التقليدي للفكر الماركسي؛ لأنه يتضمن تشكيكا في مبادئ كانت أساسية عند ماركس نفسه، لا مجرد تفسير جديد لأفكار كانت موجودة عنده بالفعل، ومن أمثلة النوع الأول - أعني ذلك الذي يمكن أن يكون مقبولا في إطار الماركسية التقليدية - القول بوجود عناصر بنائية في صميم فلسفة ماركس، أما النوع الثاني فيتمثل في رفض الصورة المألوفة للعلاقة بين البناء الأدنى
infrastructure - وخاصة الاقتصاد - وبين البناء الأعلى
Superstructure ، وهو رفض يصل إلى حد تغيير ركن أساسي من أركان الماركسية، وسوف نعرض لكل من هذين النوعين على حدة.
من المؤكد أن الماركسية تربط بين الأسس التي يرتكز عليها سلوك أفراد أو جماعات معينة، وبين عناصر معينة في أيديولوجية هؤلاء الأفراد أو الجماعات على نحو ينطوي على القول بوجود تشابه بين الطرفين، فمثلا تفسر الماركسية النمط الخاص للعلاقة بين الله والإنسان في العصور الوسطى (وهو نمط ينتمي إلى مجال الأيديولوجيا) بأنه انعكاس للعلاقة بين الإقطاعي ورقيق الأرض في هذه العصور (وهي علاقة تنتمي إلى مجال الأساس أو البناء الأدنى)، وتفسر سيادة الفكر النظري المحض على البحث في العلوم التطبيقية في المجتمع اليوناني (وهو موضوع ينتمي إلى أيديولوجية ذلك المجتمع) بأنها ترجمة لعلاقة السيد في مجتمع يسوده الرق (وهو تفسير ينتمي إلى البناء الأدنى)، وتفسر عقيدة الجبر المطلق
- كما قال بها كالفان
Calvin
في عصر النهضة الأوروبية - بأنها تعبير عن إحساس الإنسان في بداية العصر الرأسمالي بوجود قوى مجهولة تتحكم في مصيره (هي قوى السوق وقوانينه) وتفرض نفسها عليه دون أن يستطيع السيطرة عليها، في كل هذه الحالات تفسر الماركسية عنصرا معينا من عناصر الأيديولوجية في مجتمع معين، بعلاقات إنتاجية ذات طابع اقتصادي واجتماعي، ولكي يكون هذا التفسير ممكنا ومقبولا فلا بد من وجود «بناء» مشترك يجمع بين المجالين المتباينين: المجال الأيديولوجي (وهو في هذه الحالة فلسفي أو ديني) والمجال الاجتماعي الاقتصادي، وعلى سبيل المثال فكما أن العلاقة بين الإقطاعي وتابعه في العصور الوسطى هي علاقة رأسية بين طرفين يعلو أحدهما على الآخر علوا هائلا، فإن هذا النمط أو «البناء» ينعكس هو ذاته على تصور هذه العصور للعلاقة بين الله والإنسان، وقل مثل هذا عن سائر التفسيرات الماركسية لمختلف عناصر الأيديولوجية كالفكر الفلسفي والفن والأدب.
অজানা পৃষ্ঠা