والامانة والاحسان وما إلى ذلك من أمهات الفضائل . ولما كان القرآن الكريم مصونا بالتدوين والحفظ ، وأحاديث الرسول لم تدون فقد كان أشد ما يخشاه صلوات الله عليه أن يكذب أحد عليه وبخاصة بعد أن نرك حديثه بغير تدوين محفوظ ، وقد شدد في هذا الامر تشديدا عظيما ، حتى جعل جزاءه القتل في الدنيا ، وعذاب النار في الآخرة . روى البخاري (1) عن ربعى بن خراش قال : سمعت عليا يقول : قال النبي : لا تكذبوا على فإن من كذب على فليلج النار . وقال الحافظ ابن حجر في شرح هذا الحديث . يؤيده رواية مسلم من طريق غندر عن شعبة بلفظ " يلج النار " . وروى البخاري عن أنس وأبى هريرة بزيادة لفظ " معتمدا " ، وكذلك أتت أحاديث في غير البخاري بهذه الزيادة ، ولكن من حقق النظر ، وأبعد النجعة في مطارح البحث ، يجد أن الروايات الصحيحة التى جاءت عن كبار الصحابة ، ومنهم ثلاثة من الخلفاء الراشدين تدل على أن هذا الحديث لم تكن فيه تلك الكلمة " متعمدا " وكل ذي لب يستبعد أن يكون النبي قد نطق بها ، لمنافاة ذلك للعقل والخلق اللذين كان الرسول متصفا بالكمال فيهما . ذلك بأن الكذب " هو الاخبار بالشئ على خلاف ما هو عليه سواء أكان عمدا أم خطأ " ، ولعل هذه اللفظة قد تسللت إلى هذا الحديث من طريق " الادراج " المعروف عند العلماء ليسوغ بها الذين يضعون الحديث على رسول الله حسبة من غير عمد ، كما كان يفعل الصالحون من المؤمنين ويقولون " نحن نكذب له لا عليه " ! أو يتكئ عليها الرواة فيما يروونه عن غيرهم على سبيل الخطأ ، أو الوهم أو سوء الفهم ، لكى لا يكون عليهم حرج في ذلك لان المخطئ غير مأثوم - ومن أجل ذلك وضع هؤلاء الرواة قاعدتهم المشهورة : " إنما الكذب على من تعمده " .
---
(1) أخرج هذا الحديث كذلك مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارقطني والحاكم في المدخل . (*)
--- [ 61 ]
পৃষ্ঠা ৬০