محقق دارس اللهم إلا إذا جعلنا الاحاديث من جنس القرآن في البلاغة وأن أسلو بها في الاعجاز من أسلوبه - وهذا ما لا يقره أحد حتى الذين جاءوا بهذا الرأى ، إذ معناه إبطال معجزة القرآن وهدم أصولها من القواعد . هذا على أن الاحاديث لو كانت قد كتبت فإنما ذلك على أنها أحاديث للنبى (صلى الله عليه وسلم) ، وبين الحديث والقرآن ولا ريب فروق كثيرة يعرفها كل من له بصر بالبلاغة وذوق في البيان . ومن ثم كانت تؤثر على هذه الصفة - وإذا كتبها الصحابة بعد إنتقاله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الاعلى ووزعوا منها نسخا على الامصار كما فعلوا بالقرآن فيكون ذلك على أنها أحاديث ، ويتلقاها المسلمون على أنها كلام النبي ، ويظل أمرها على ذلك جيلا بعد جيل فلا يدخلها الشوب ، ولا يعتريها التغيير ولا ينالها الوضع . على أن هذا السبب الذى يتشبثون به قد زال بعد أن كتب القرآن في عهد أبى بكر على ما رووه وبعد أن نسخ في عهد عثمان ووزعت منه نسخ على الامصار وأصبح من العسير بل من المستحيل أن يزيدوا على القرآن حرفا واحدا ، وما لهم يذهبون إلى اختراع الاسباب وابتداع العلل وقد بين كبار الصحابة أنفسهم السبب الحق في عدم كتابة الحديث كما تبين لك من قبل . وقد يكون قريبا من الصواب في حكمة نهى النبي عن كتابة حديثه هو لكى لا تكثر أوامر التشريع ولا تتسع أدلة الاحكام ، وهو ما كان يتحاشاه (صلى الله عليه وسلم) حتى كان يكره كثرة السؤال - أو يكون من أحاديث في أمور خاصة بوقتها بحيث لا يصح الاستمرار في العمل بها (1) . وقبل أن نفرغ من هذا الفصل لا بد لنا أن نشير إلى حديث يروونه ليجعلوا كل الاحاديث من وحى الله كالقرآن الكريم ، وهذا الحديث هو (2) :
---
(1) ونضرب لذلك مثلا أن بعض الصحابة أو لم للنبى وبعض الصحابة وليمة أكلوا فيها لحم جزور ، وبعد أن فرغوا من طعامهم خرج من أحدهم ريح وصل إلى أنوف المدعويين ، فرأى النبي - لكى لا ينال من أحدث ذلك خزى - أن يقول لهم جميعا : " من أكل لحم جزور فليتوضأ " . ومن الغريب أن كثيرا من الفقهاء قد جعلوا هذا الحكم عاما فيأمرون بأن يتوضأ كل من أكل لحم الجمال وفاتهم أن الوضوء إنما يكون من شئ يخرج من السبيلين لا مما يدخل الجوف . (2) روى هذا الحديث أبو داود والدارمى وابن ماجة ولم يروه البخاري ومسلم وهو مثل القرآن كما يزعمون أو شطره كما يروون ! (*)
--- [ 52 ]
পৃষ্ঠা ৫১