فتناولت ليلى الورقة الثانية، وقرأتها مرتجفة اليد، وما انتهت منها حتى وقعت من يدها لشدة تأثرها، فتناولها صديق وطواها ووضعها مع الورقة الأخرى، ثم قال: هل وثقت الآن أنك وارثة ثروة لا تقدر بأقل من مائة ألف جنيه؟ - وأني ابنة أمير؟ - نعم، فما أنا متصدق عليك بمائة ألف جنيه بل أحفظها لك.
وكانت ليلى في بحران بل في ذهول برهة، ومن لا يكون كذلك إذا بوغت بما يقلب كيانه ويغير حسبانه؟! وبعد سكوت طويل والدكتور صديق جالس يتلاهى بسلسلة ساعته التفت إليها قائلا: لقد حلمت قبلك يا ليلى حين فتحت وصية أبي، وأنا خالي الذهن من أقل حقيقة فيها، فلا ألومك إذا سبحت في عالم الخيال، ولكني أهنئك. - بماذا تهنئني؟ - أهنئك بما تشعرين به من السعادة الآن. - هل تظن أني أفتكر بسعادة أو شقاء الآن؟ - لا أقدر أن أظن غير ذلك، فإذا خاب ظني، فبماذا تفكرين؟ - أفكر في كيف أنتمي إلى أناس لا أعرفهم ولا يعرفونني، بل أنا غريبة عنهم. - لا يهمك إلا أن تحصلي على حقك من الميراث، وإذا رام من تنتسبين إليهم أن تكوني صديقة لهم فدعيهم يتقربون منك.
وعادت ليلى إلى بحرانها، وبعد هنيهة استوقف صديق فكرها في مسبح تخيلاته بقوله: ما زلت تحلمين، أظنك تفكرين الآن بالبون الشاسع بين ماضيك ومستقبلك، فلا بد أن تكون كل أفكارك قد تغيرت في هذه الساعة، وأصبحت تبنين قصورا وعلالي أخرى، ولكنك تبنينها على صخر لا في الهواء كما كنت تبنين قبلا. - إنك بعيد الظنون فما تغير في ضميري شيء.
فاختلج صديق لهذا الجواب، وشعر بنبل وقع في فؤاده، وبعد هنيهة قال: أظنك تريدين أن تبقي وحدك الآن يا ليلى فأتركك.
فنظرت إليه قائلة: أشكر شعورك، ولكنني لا أراك تترك هنا الورقة التي تخصني.
فتوقف صديق هنيهة ثم قال: سنعود ونتباحث بشأنها يا ليلى، ومتى تريدين أن أعود؟ - تعود متى شئت، ولكن الورقة تبقى هنا منذ الآن.
فضحك صديق، وقال: تبقى هنا منذ الآن إذا شئت، ولكن تحت شرط. - لا أخضع لشرط.
فتغيظ صديق وتردد في مكانه، ثم عاد وجلس، وقال: اسمعي يا ليلى، لا أحد يعلم بهذه الوصية غيري وغيرك الآن، ولن يعرف بها أحد غيرنا إلا متى صرنا زوجين، وإن ذكرتها أنت لأحد أنكرها أنا بتاتا.
فنظرت فيه ليلى غاضبة ثم قالت: خذها فكأنها لم تكن، كنت في غنى عنها وسأبقى كذلك. - إذن ظلي بانية قصورا في الهواء واستثمري السعادة من الفلسفة، وخرج لا يلتفت.
العملي غير النظري
অজানা পৃষ্ঠা