ولم يبلغ راشد سن الوعي إلا وقد زال عهد أبيه الزاهر وأصبح بلا حول ولا قوة؛ فقد تغير الحكم في مصر، وكان رفت عبد الشكور من رئاسة البنك من أوائل ما قام به العهد الجديد.
ويشاء العزيز الحكيم أن يظل رستم على قيد الحياة حين عادت الطمأنينة على الأنفس والأموال والحريات إلى خلق الله في مصر.
وحينئذ أودع رستم كل أمواله مطمئنا في أحد البنوك باسم ابنته فوزية؛ لتدر عليها دخلا يجعلها في غنى كل الغنى عن زوجها، كما أودع مجوهراتها الشامخة القيمة نفس البنك في خزانة باسم فوزية.
وقد صحبته فوزية إلى البنك على غير علم من زوجها، ولم يكن رستم في حاجة أن يطلب إلى فوزية أن تكتم عن زوجها اسم البنك.
وكأنما كان رستم يضع موعد موته في حوزته؛ فما إن اطمأن على مستقبل ابنته حتى وافته المنية بعد أشهر قلائل من تأمين مستقبل ابنته.
وفي يوم المأتم استقبل عبد الشكور العزاء في موت حميه، الذي لم يسع فيه إليه إلا قلة نادرة تصدقوا بعزائهم في غير همة ولا حماس.
في ليلة المأتم وقبل أن يطلع الصباح سأل عبد الشكور زوجته: ما أنباء الميراث؟ - ليس هناك ميراث. - كيف؟ - هكذا. - ينبغي أن تخبريني؛ فإنك وحيدة أبيك، وقد يشاركك الميراث أي صاحب حق فيه. - لن يجدوا باسم أبي مليما واحدا إلا أثاث الشقة والمكتبة. - إذن؟ - إذن لو فاتحتني في هذا الموضوع مرة أخرى فلن أبقى في البيت لحظة واحدة لا أنا ولا راشد. - ولكني زوجك. - عندك ما يكفيك، والله جعل ذمة المرأة مستقلة. - الله؟ - أنت طبعا لا تعرفه؛ فلم أسمعك تذكره مطلقا. - أستطيع أن أعاملك بالمثل. - أرجو أن تفعل. - سترين. - سأكون سعيدة حين أرى.
بعد أيام حول عبد الشكور ثروته الباذخة جميعها باسم ابنه حتى ينتقم من زوجته فلا ترث منه مليما واحدا.
ولما كان هو الولي الطبيعي لراشد فقد كان يدرك أنه يستطيع أن يتصرف في هذا المال ما شاء له التصرف. •••
قبع عبد الشكور في بيته بلا عمل، فلم يجد شيئا يفعله إلا أن يسعى إلى هؤلاء الذين زال عنهم من المجد والجبروت كما زال عنه، يجتمعون في بيوت بعضهم البعض، لا حديث لهم إلا المديح فيما مضى والقدح فيما هم فيه من هوان شأن وانعدام قيمة.
অজানা পৃষ্ঠা