============================================================
كتاب أدب الملوك في بيان حقائق التصوف فالصوفية تركوا التجارات لما أثنى الله عز وجل على التاركين ذلك والمؤثرين تجارة الآخرة عليه، فإنها تجارة لن تبور، فآثروا عبادة الله على الكسب، وتوكلوا في الأرزاق على الكفيل الضامن عز وجل، ووافقوا السنة في ترك ما يشغلهم عن الله عز وجل، فلما 3 رأوا الكسب مباحا بشرائطه ورأوا المعاش من أوجه شتى، وعلموا آن الله عز وجل لا ينسى أولياءه ولا يضيعهم، اشتغلوا بطاعته وعبادته واثروها على سائر الحركات.
فلما صح لهم الترك بحقيقته افترقوا في الأحوال : فتارك جلس على التوكل وانتظر وقت مراد الله عز وجل فيه، فإذا أصابه ضر أو جوع صبر واجتهد إلى آن رزقه الله من حيث لا يحتسب، وتارك جلس فاشتغل بعبادة الله عز وجل فإذا ورد عليه الضرورة والفاقة تعرض للمسألة، فسأل مقدار ما سد به جوعته، فأكل ذلك وعاد إلى عبادة ربه عز وجل، وها هنا تارك جلسي فرفع الأطماع وحمل ثقل الجوع ومرارة الصبر وعلم أن الله عز وجل مفتح الأبواب ومسبب الأسباب، فإن آتاه الله عز وجل رزقا من غير مسألة ولا إشراف نفس قبل، وإلا صبر، وتارك جلس فنسي جميع الخلق ونفى عن نفسه رؤية الخليقة، ثم انتظر ما يقع في قلبه عند الفاقات وأصغى إلى خواطر سره، فإن أذن الحق له في التحرك في الطلب طلب وسأل من غير رؤية واسطة، وإن لم يأذن له الحق جلس وراقب السر.
فهذه أحوال الصوفية في الترك والمسألة ولهم حقائق تعلو عن الوصف ولطائف من الحق في وقت الفاقات والضرورات، وكذلك في سائر الأوقات، وأمور الصوفية (45) عجيبة وأحواهم ظريفة، وقد حكي عن بعض أصحابنا آنه مديده إلى رجل فأشار إليه بشيء، فامتنع الرجل وصال عليه، فرجع، فقال له الرجل: ويلك صلت عليك فلم ه تعضب! فقال : لو كنت مادا إليك يدي لقطعت يدي ! فكان مد يده إلى الحق فرأى المنع من الذي طمع في عطائه، وكان بعضهم إذا جاع يرفع فاه إلى الناس فلا يآخذ بيده
شيئا، فكان الناس يلقمونه، فحين شبع عاد إلى موضعه.
وكثير من خيار الصوفية والفقراء تعرض بحسن التعرض، فكان لهم في التعرض سر لم يطلع عليه إلا البارئ عز وجل، وقد قال بعض أصحابنا : مذ علمت آن الصدقة تقع في 24 يد الله ثم في يد السائل، ما أخذت شيئا إلآ منه، وحكي عن المرتعش حكاية لطيفة : 12) ونفى: نفى ص23) سر: سرا ص: ..: . .
পৃষ্ঠা ৪১