لقد كان من تقدم يقرأ القرآن، ويقوم بالسورة منه طول ليلته، فإذا أصبح عرف ذلك في وجهه، وإن أحدكم يقرأ القرآن لا يتجاوز لهواته، والله سبحانه يقول: {كتاب أنزلاه إليك مبارك ليدبروا آياته}.
أما -والله- ما هو حفظ حروفه، وإضاعة حدوده، وإن أحدكم يقول: قرأت القرآن ما أسقطت منه حرفا، كذب -لعمر الله- لقد أسقط كله، والله والله ما هؤلاء القراء ولا العلماء ولا الحكماء، ومتى كانت القراء تقول مثل هذا؟ إن الله -سبحانه وتعالى- يقول: {إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا} يريد -جل ثناؤه- العمل به، وقال -عز وجل-: {فإذا قرأناه فاتبع قرءانه}؛ أي: حلل حلاله، وحرم حرامه، ولقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما استكمل حفظ القرآن من أصحابه -رضوان الله تعالى عليهم- إلا النفر القليل؛ استعظاما له، ومتابعة أنفسهم بحفظ تأويله، والعمل بمحكمه ومتشابهه.
وكان الحسن يقول: قراء القرآن ثلاثة نفر: قوم اتخذوه بضاعة يطلبون به ما عند الناس، وقوم أجادوا حروفه، وضيعوا حدوده، استدروا به أموال الولاة، واستطالوا به على الناس، وقد كثر هذا الجنس من حملة القرآن، فلا كثر الله جمعهم، ولا أبعد غيرهم، وقوم قرؤوا القرآن، فتدبروا آياته، وتداووا بدوائه، واستشفوا بشفائه، ووضعوه على الداء من قلوبهم، فهم الذين يستسقى بهم الغيث، وتسدى من أجلهم النعم، وتستدفع بدعائهم النقم، أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم الغالبون.
ولقد روي: أن وفدا من أهل اليمن قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقرأ عليهم القرآن، فبكوا، فقال أبو بكر: هكذا كنا حتى قست قلوبنا.
পৃষ্ঠা ৯৫