حدّث به عن حاتم يوم النّدى ... واسمع بزيد الخيل يوم المغنم
ولا مرية في أنه بحر الجود المتلاطم الأمواج. ومنتهى الآمال حين تضيق بالمعتفين المسالك والفجاج. جادت من سماء جوده على العلماء كل هاطلة ثره؛ وجرت أنهار عطائه لهم لأنهر المجره. أنسى-حقا-ما يؤثر عن الطائي، ووسع -صدقا-بإشاره القريب والنائي. فعادت أخباره أحلى من الأناشيد، وأملك للقلوب [٢٠/ب] من الأغاريد، ومنادمته الفراقيد (١)، وأعذب من ماء العناقيد.
وحين خطبته الخلافة ليكون لها بعلا، لما تخيرته كفؤا وأهلا، زهد في زهرة الدنيا وخاف النار؛ وتسربل حلل السكينة والوقار. وأمر بإراقة الخمور، وقطع الملاهي؛ فكان وجه الإمارة يشرق به ويباهي. لما أظهر من الحلم والعفاف، وغمر المعتفين في إمارته من الإسعاد والإسعاف. مخالفا لشهوات قلبه؛ في مرضاة ربه. لا يثني العنان لريبة، ولا يأسف-في غير الدين-على مصيبة. عفيف الفرج والبطن عما يشينها من الحرام، متبرئا من كل موبقة تجلب له الآثام. مضى في إحياء الشريعة على سبيل الخلفاء الراشدين، وأربى في الشجاعة على من عاصره أو تقدمه من المتقدمين؛ فكانت النصارى تفرق من خوفه، وترى أن الحتف ملك لكفه.
فحليت تأليفي هذا بما انتهى إليّ من مآثره المألوفة، ومكارمه الجمة الجميلة الموصوفة؛ لكونه زهد حين أقبلت عليه دنياه، ولم يستفزه هواه. وكان يقتدي بالسلف الصلح في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولبس ثياب الصوف. ولولا قصدي الإيجاز والاختصار لألفت في آثاره ومآثره أسفار (٢).
فتىّ جمعت فيه الفضائل كلّها ... ولا بدّ من نقص فكان من العمر!
_________
(١) كذا فيهما.
(٢) كذا لضرورة السجع
1 / 79