وثمة عقبة ثالثة اعترضت لهم؛ وتلك هي تجارة الرقيق وجلب هؤلاء السود من أفريقيا؛ فقد رأوا أنهم إن قضوا عليها توا أغضبوا الجنوبيين فاستحالت الوحدة؛ ولذلك لم يكن بد من أن يجعلوا لذلك أجلا مقداره عشرون عاما، في نهايته يقضى على هذه التجارة التي كان يكرهها أكثر المستنيرين، ولما انتهى هذا الأجل سنة 1808 ذهبت تلك التجارة إلى غير عودة.
ويدلنا على ما أحس واضعو الدستور في أنفسهم من جرح أنهم لم يسموا السود عبيدا، بل إنهم لم يستعملوا لفظ العبيد قط وأحلوا محله تلك العبارة وهي «الأشخاص المكلفون بالخدمة والعمل»، وقد أرادوا أن يبرأ دستورهم من هذا اللفظ آملين أن ينقرض الاسترقاق، وليس في دستورهم ذكرى لهذه الوصمة، ولشد ما تحرج جفرسون وتأثم، تجد ذلك واضحا في قوله: «إني لترتعد فرائصي من أجل وطني كلما ذكرت ما يتصف الله به من عدل.»
ولم يأت عام 1820 حتى تجدد النزاع بين الشمال والجنوب، وأحس الناس نذر الشر وبوادر العاصفة التي تزلزل الاتحاد وتجعله أثرا بعد عين، وقد هال جفرسون ما يتهدد الاتحاد من خوف، فوصف هذا النزاع بأنه الناقوس المنذر بالحريق يجلجل صوته في ظلام الليل. وكان سبب هذا النزاع رغبة أهل الجنوب في قبول مقاطعة مسوري ولاية في الاتحاد كباقي الولايات، وقد أصبحت بازدياد عدد سكانها أهلا لذلك، ولكنها من أصقاع الاسترقاق وانضمامها إلى الولايات يزيد ولايات الرق واحدة وهذه بغير انضمامها يساوي عددها عدد الولايات الحرة، ولما كان الدستور يقضي أن يمثل كل ولاية عضوان في مجلس الشيوخ مهما كثر عدد سكانها، فإن الجنوبيين يكسبون عضوين بانضمام مسوري إلى الاتحاد.
ورفض أهل الشمال قبول مسوري ولاية، وعظم الشقاق حتى ظن أنه يستعصي على العلاج، ولكن هنري كليي تمكن من اقتراح سكنت به رياح العاصفة؛ وذلك أن تقبل مسوري ولاية وتقبل مين أيضا، وهي من الجهات الحرة، فتعود الكفتان إلى التعادل، على أن يراعى في المستقبل أنه إذا أراد ضم جهة من الجهات الغربية إلى الاتحاد ابتداء من خط الطول الذي درجته 30، فكل ما يقع منها جنوبي خط العرض الذي درجته 36 فهو من ولايات الرق، وما يقع شمالي ذلك فهو من الولايات الحرة.
وقبلت البلاد هذا الاقتراح وكان ذلك في رياسة منرو، وقضى هذا الحل الذي عرف باسم اتفاق مسوري على نذر التفكك، وهيأ للبلاد عهدا من الوئام والمودة بين الشمال والجنوب.
وظلت البلاد هادئة لا يعكر صفوها موضوع العبيد حتى بدت نذر الشر مرة أخرى على نحو ما حدث عند محاولة ضم مسوري إلى الاتحاد؛ ففي هذه المرة حدث أن رغب أهل الجنوب في ضم تكساس إليهم، وكانت تكساس خاضعة للمكسيك فأغروها بإعلان استقلالها وإعادة اقتناء العبيد، وكان المكسيك قد حرموا ذلك عليها وقضوا على الاسترقاق فيها، وأطاع أهل تكساس ولبثت مستقلة عن المكسيك بضع سنين ثم طلبت حكومتها - وكانت تتألف من مهاجرين من الولايات المتحدة - الانضمام إلى تلك الولايات، وضمتها إليها الولايات المتحدة سنة 1845، وبذلك زاد عدد ولايات العبيد عن عدد الولايات الحرة بواحدة.
واحتجت المكسيك وأعلنت تمسكها بحقها، ثم اشتعلت نار الحرب بينها وبين الولايات المتحدة، وقد ندد هنري كليي وكثير من أعوانه بهذا العمل وعدوه حروجا على مبادئ الشرف، وخافوا من سوء عاقبته على نزاهة الولايات وحسن سمعتها، وكان موقف كليي سنة 1844 وآراؤه التي تقضي بعدم ضم تكساس إلى الولايات المتحدة سببا في فشله في معركة الرياسة وفوز بولك الديمقراطي عليه، وكان بولك ينادي بوجوب ضم تكساس مهما كانت نتائج هذا العمل.
ولكن أهل الجنوب رحبوا بالحرب حين جرت بها الشائعات، وفرحوا بها حين اشتعلت نارها، وكانوا خليقين أن يفرحوا إذ منوا أنفسهم بالنصر، وكان النصر عندهم سبيلا إلى الاستيلاء على مساحات واسعة من الأرض الخاضعة للمكسيك، فضلا عن تكساس؛ فيتاح لهم بذلك أن يملئوا بمهاجريهم هذه الأرض، فتكون لهم فيها ولايات يزيد بها بأسهم ويتوطد في الاتحاد نفوذهم؛ فإنهم يخشون من تكاثر الناس في الشمال والأرض مبسوطة أمامهم هناك إذا اتجهوا غربا، فما أيسر أن تقوم فيها ولايات شمالية جديدة في سنوات ليست بالكثيرة.
وغضب أهل الشمال من ضم تكساس إلى الاتحاد، ولكن كثيرين منهم يكتمون غيظهم، وقد أرضاهم انتصار الولايات المتحدة على المكسيك وامتداد رفعة أراضيها نتيجة لهذا النصر، كما أنهم ما لبثوا أن رأوا الجنوبيين قد منوا بخيبة فيما علقوا عليه آمالهم من نشأة ولايات جنوبية جديدة؛ فإنه لم يزدد السكان في بقعة من الأملاك الجديدة زيادة تؤهلهم للانضمام إلى الاتحاد، اللهم إلا في كليفورنيا؛ وكان ذلك بسبب العثور فجأة على الذهب فيها وهجرة الناس بسبب ذلك إليها أفواجا، وحتى هذه لم تجدهم شيئا؛ فقد كان نصفها شمالي خط اتفاق مسوري، ونصفها الآخر جنوبيه، وقد رفضت أن تأخذ بنظام العبيد في نصفيها جميعا.
ولن يلبث أن يدب الخلاف بين الشماليين والجنوبيين بسبب كليفورنيا؛ لأن الشماليين كانوا يؤيدون أهل كليفورنيا في رفضهم الرق، بينما كان يطمع الجنوبيون في جعلها ولاية من ولايات الرقيق، وسينهض من عزلته هنري كليي واضع اتفاق مسوري قبل هذا الخلاف الجديد بنحو ثلاثين عاما، ليضع اتفاقا جديدا حرصا على الاتحاد أن يفصم عراه هذا الخلاف.
অজানা পৃষ্ঠা