وهال الرئيس هذه الخطوة البالغة الجرأة، فلم يسعه إلا أن يعجل بنقض هذا القرار في غير مجاملة أو هوادة؛ فلقد كان هنتر خليقا أن يعتبر بما كان من أمر صاحبه فريمونت. وكان مما أعلنه الرئيس قوله: «إن حكومة الولايات المتحدة لم تمنح القائد هنتر، ولا أي قائد أو شخص سواه، من السلطان ما يعلن معه تحرير العبيد في أية ولاية من الولايات، وإن هذا الإعلان المزعوم سواء أكان حقيقيا أم زائفا، هو إعلان باطل.»
ولكن الرئيس لا يكاد ينتهي من نزق إلا ليواجه نزقا غيره، وما يذكر ابن الغابة أنه شهد في مجاهل الأرض، حيث نبت ونما، عاصفة متعددة نواحي الهبوب كهذه العاصفة التي يواجهها، فها هي ذي تنذر بهبة جديدة؛ وذلك أن وزير حربيته نفسه، كامرون، يرسل رسالة إلى بعض الضباط شبيهة بما أعلن فريمونت وصاحبه هنتر! ولولا أن تدارك الرئيس الأمر لأحدثت من سوء الأثر ما يصعب بعد علاجه، فلقد أبرق إلى مكاتب البريد لترد نسخ تلك الرسالة المطبوعة، وحال بذلك دون وصولها إلى وجهاتها.
ألا ليت هؤلاء يفطنون إلى أن رئيسهم أشد عداوة منهم للرق، وأنه يتمنى بينه وبين نفسه لو قضى عليه بكلمة يحبسها في نفسه، وأنه لأكثر منهم تحرقا إلى ساعة إعلانها.
الربان
بدأ العام الجديد؛ أي عام 1862، وقد مضى على قيام الحرب نحو ثمانية أشهر ولا يزال ماكليلان حيث هو لا يعمل أكثر من تدريب جنده، ولا ينفك يطلب فرقا جديدة، وقد بلغ السأم بالرئيس وبالناس كل مبلغ من تردده وتلكؤه، ولكن الناس لا يزالون يعلقون عليه أكبر الآمال.
وحق لأهل الولايات الشمالية أن يضيقوا بهذا الركود، ولولا أن جاءتهم أنباء بشيء من التوفيق صادفه أحد قوادهم، وهو القائد جرانت في جنوبي كنطكي، لأوبق أرواحهم هذا الركود؛ فقد استطاع هذا القائد - الذي سوف يلتمع اسمه شيئا فشيئا حتى يصبح بطل هذه الحرب - أن يأخذ عنوة حصنين من حصون الجنوبيين، وأن يرغمهم على التراجع في شهر فبراير.
ولما أن يئس الرئيس من ماكليلان، رأى أن الموقف يقضي عليه أن يدرس فنون الحرب والتعبئة! أليس هو بحكم مركزه القائد الأعلى للقوات البرية والبحرية؟ وإذن فعليه أن يتعلم فن الحرب اليوم كما تعلم مسح الأرض من قبل وتخطيطها، وكما تعلم القانون حتى حذقه، بل كما تعلم القراءة والكتابة قبل ذلك جميعا وهو يشق الأخشاب في مطارح الغابة.
شمر الرئيس عن ساعده وراح يدرس ويتعلم لا يني ولا يكل ساعات طويلة من النهار وساعات من الليل . الخريطة مبسوطة أمامه، ومعلموه الحربيون يتناوبون تعليمه الواحد بعد الآخر حتى فهم بعض الفهم وأصبح له شيء من الرأي! يا عجبا لهذا العبقري الجبار الذي يحمل فوق كتفيه ما كان ينوء بحمله أطلس أو آخيل.
واستطاع الرئيس بعد زمن أن يدلي للقواد برأي في فنهم، ولكنه كان حذرا يعرض الفكرة ويترك القطع للقائد الذي أرسلت إليه. ولقد كتب ذات مرة إلى أحدهم برأيه ثم شدد عليه ألا يتقيد به، قائلا إنه يلومه أكبر اللوم إن تحيز له أو تردد في العمل بما تمليه عليه خبرته إذا كان ذلك الرأي لا يتفق وهذه الخبرة.
على أنه يكتب لماكليلان نفسه ذات مرة يشير عليه بما يجب أن يعمل في خطة رسمها على أساس من الفن، ولما رد ماكليلان عليه برفض تلك الخطة لم يقره الرئيس، وعاد فكتب إليه يسأله أسئلة تدل على فهم دقيق وإلمام شامل، ودعاه إلى أن يجيب على تلك الأسئلة الفنية إجابة صريحة نزيهة، وهو مستعد بعدها أن يقره، ثم تحاكما إلى أخصائيين، فما زال الرئيس يدلي لهم بحججه ويريهم أن خطته أضمن وأسلم من خطة القائد ماكليلان، ولكنهم آخر الأمر أقروا خطة القائد، ولم يسع الرئيس إلا أن يذعن وإن كان لا يزال يرى وجاهة آرائه.
অজানা পৃষ্ঠা