وبذلك العمل الخطير الحازم قضى الرئيس على سبب خطير من أسباب التنابذ والفرقة، وكسب بذلك وقوف ولاية كنطكي إلى جانبه.
وما كان أبراهام، كما تقول عليه خصومه ومخالفوه في الرأي من أنصاره، متخذا بما فعل سبيلا رجعية، كلا، إنما هي السياسة الحكيمة تقضي عليه ألا يتنكب الطريق التي رسمها منذ شبت الحرب؛ ألا وهي جعل المحافظة على الوحدة أساس هذا الصراع القومي، أما مسألة العبيد فما هو عنها بغافل، وإنما يؤثر الأناة حتى تتهيأ الفرصة. •••
هذا ما كان من أمر فريمونت، أما ماكليلان فلقد ظل يدرب جيشه على حدود فرجينيا وهو لا يفتأ يرسل إلى الرئيس يطلب فرقا جديدة، ولا يفتأ يتبرم بأي استفهام يأتيه من قبل الرئيس عما هو عسي أن يفعله، ولقد كان هذا القائد يكره من الحكومة ما يعده تدخلا في شئونه، بل لقد كان يزدري أعضاء مجلس الوزراء ويرميهم بالغباء، أو كما يقول في تهكم: «إني أشاهد أكبر نوع من الأوز في هذا المجلس.»
ولقد بلغ به الذهاب بنفسه حدا جعل الناس يظنون به الظنون حتى ليحسبونه يتطلع إلى الرياسة، فهو ينتظر لا يعمل عملا حتى تواتيه الفرصة إلى انقلاب يأتي به على غرة.
ولكن الرئيس على الرغم من تلكؤ ماكليلان يعينه قائدا عاما للقوات بعد أن يترك سكوت العمل لكبر سنه.
ولا يقف صلف ماكليلان عند حد، فانظر كيف بلغ به الشطط كل مبلغ؛ فلقد ذهب الرئيس إليه مرة يستنبئه عن أمر، فتركه القائد لحظة قبل أن يلقاه! وشاع ذلك في الناس وأشارت إليه الصحف، واجتمعت الآراء على استنكاره، ولكن الرئيس العظيم لم يعبأ بما حدث، فما كان أبراهام بالذي تلهيه الأمور الشخصية عما هو فيه، ولم يزد على أن رد على فعل القائد بقوله: «إني لأمسك لماكليلان زمام جواده إذا هو جاءني بنصر.»
ولم يفطن الناس إلى حصافة ابن الغابة وبعد نظره وعمق سياسته، فإنه يدع القائد المدل الذي افتتن به الناس ويصابره حتى يعلم الناس حقيقة أمره؛ فإن سار إلى النصر فذلك ما يبغي الرئيس ويبغي الناس، وإن قعد عن ذلك وتبين أنه في مسلكه لم يكن إلا متلكئا، نبذه الناس وخلعه الرئيس في غير ضجة.
وحدث بعد ذلك أن ذهب الرئيس ومعه كبير وزرائه إلى مقر القائد فلم يجداه، فجلسا ينتظران حتى رجع، وأنبأه بعض الجند بانتظارهما إياه، ولكنه بدل أن يخف للقائهما صعد إلى غرفته وأرسل إليهما رسالة يأسف فيها لعدم استطاعته أن يراهما، معتلا بأنه متعب! واستشاط سيوارد من ذلك غضبا، ولكن الرئيس راح يهون الأمر، على أنه كف بعدها عن زيارة ذلك القائد المدل بنفسه. •••
وعادت العاصفة تهب من ناحية أخرى، وقدر على الرئيس أن يجد عنتا جديدا من الرأي العام، فقد راح الناس يأخذون عليه مسالك القول والعمل في مسألة جديدة، كانت نتيجة لما أدت إليه الحوادث بين حكومة الاتحاد الشمالي وبين الحكومة الإنجليزية.
كان يخشى لنكولن أن تسوء العلاقات بين حكومته وبين إنجلترة؛ إذ كانت الأنباء تنذر بذلك، فكثير من رجال الحكومة الإنجليزية كانوا يرون أن تعترف حكومتهم بالاتحاد الجنوبي كحكومة مستقلة؛ حتى يتسنى لإنجلترة أن تدخل سفنها الموانئ الجنوبية، وبخاصة موانئ القطن، دون أن يكون في ذلك تصادم مع قرار الحصار المضروب عليها من الشماليين. وأخذت الحكومة الإنجليزية تدعو إلى ذلك وتلح في الدعوة غير عابئة بما ينطوي عليه ذلك من تحد لأهل الشمال.
অজানা পৃষ্ঠা