فدقت المرأة صدرها الأمسح بباطن يسراها وقالت بإنكار مصطنع: يا خبر! أتريدين الناس على أن يرموني بالجنون؟! - أي أناس تعنين؟ إن أكبر منك يتزوجن كل يوم.
فتضايقت من «أكبر منك» وقالت بصوت منخفض: لست من الكبر كما تظنين ... لعن الله الهم. - ما قصدت هذا يا ست سنية، وما أشك في أنك ما زلت في حدود الشباب، ولكنه الهم الذي تلتحفين به مختارة.
فارتاحت الست؛ ولكنها كانت لا تزال مصرة على تمثيل دور من يساق إلى قبول الزواج بلا تعمد ولا رغبة، فتساءلت بعد تردد: ألا يعيبني أن أقدم على الزواج الآن بعد ذلك العهد الطويل من العزوبة؟!
فخاطبت أم حميدة نفسها قائلة: «لماذا قصدتني إذا يا مرة؟» ثم خاطبت الست قائلة: كيف يعيبك ما هو شرع وحق! أنت ست عاقلة شريفة، والكل يشهد لك بذلك، والزواج نصف الدين يا حبيبتي، وربنا شرعه حكمة، وأمر به النبي عليه الصلاة والسلام.
فقالت سنية بإيمان:
صلى الله عليه وسلم . - كيف لا يا حبيبتي! نبي عربي ويحب عبيده!
وكان وجه الست سنية قد تورد تحت قناع الأحمر، وثمل فؤادها سرورا، فقالت وهي تستخرج سيجارتين من علبتها: ومن يرضى بالزواج مني؟
فثنت أم حميدة سبابة يسراها، ولصقتها بحاجبها، وقالت باستنكار: ألف رجل ورجل.
فضحكت الست بمجامع قلبها وقالت: رجل واحد يكفي ...
فقالت أم حميدة بيقين: الرجال جميعا يحبون الزواج في أعماقهم، ولا يكاد يشكر الزواج إلا المتزوجون، وكم من رجل عازب راغب عن الزواج، ما إن أقول له: «عندي عروس لك!» حتى تدب في عينيه اليقظة، ويغلبه الابتسام، ويسألني في لهفة لا تخفى: «حقا! ... من؟! ... من؟!» الرجل يريد المرأة ولو أقعده الكساح، وهذه حكمة ربنا.
صفحة غير معروفة