فسألته بحدة: ماذا تريد؟
فقال بجرأة عجيبة: أريدك أنت، ولا شيء غيرك! - ذبحة. - سامحك الله .. لماذا تغضبين؟ .. ألست في الدنيا لتؤخذي؟ .. وإني لآخذك.
ومرا في طريقهما ببعض الدكاكين، فنهرته قائلة: لا تخط خطوة واحدة، وإلا ...
فقال مبتسما: الضرب!
وخفق قلبها، وتألقت عيناها، فقالت: صدقت.
فقال وهو يبتسم ابتسامة خبيثة: سنرى .. سأتركك الآن على رغمي، ولكني سأنتظرك كل يوم .. لن أعود إلى القهوة حتى لا أثير الشبهات في الزقاق، ولكني سأنتظر كل يوم، مع سلامة الله يا أجمل من حملت الأرض.
واصلت السير وقد انبسطت أسارير وجهها، ولاح فيه البشر والسرور والغرور .. «أنت شيء آخر» .. أجل، وماذا قال أيضا؟ «إنك ها هنا غريبة» .. «ألست في الدنيا لتؤخذي؟ .. وإني لآخذك» .. وماذا قال أيضا؟ .. «الضرب!» داخلتها لذة جنونية، وسرور وحشي، فقطعت الطريق لا تكاد ترى شيئا. ولما أوت إلى غرفتها واستردت أنفاسها، ذكرت في عجب وزهو أنها استطاعت أن تساير رجلا غريبا وتحادثه بلا حياء ولا ارتباك! .. وأنها تستطيع أن تفعل ما تشاء بلا تردد، وغمرتها موجة عارمة من الاستهانة والاستهتار حتى أفلتت منها ضحكة عالية. ثم ذكرت ما كانت عقدت العزم عليه من الأخذ بتلابيبه! .. فاستولى عليها الوجوم لحظة قصيرة، ثم جعلت تعتذر لنفسها بأنه لم يلقها بذاك الوجه الصفيق المتحدي؛ لا بل راح يحدثها حديثا رقيقا مؤدبا، لا عن وداعة طبيعية، فقلبها يحدثها بأنه نمر يتحين فرصة للوثوب، فلتنتظر .. لتنتظر حتى يتكشف عن حقيقته، وهنالك؟!
وعاودتها لذتها الجنونية وسرورها الوحشي.
21
كان الدكتور بوشي يهم بمغادرة شقته حين جاءته خادمة الست سنية عفيفي تدعوه لمقابلة سيدتها. وعبس وجه الدكتور وتساءل في إنكار: «ماذا تريد المرأة؟! .. زيادة إيجار؟!» ولكنه سرعان ما نفى هذا الظن عن خاطره؛ لأن الست سنية لا تستطيع أن تتحدى القوانين العسكرية التي تحدد أجور المساكن في أثناء الحرب. وغادر شقته وارتقى السلم متجهم الوجه. كان الدكتور بوشي - كعادة السكان - يستثقل الست سنية عفيفي، ولا يفتأ يشهر ببخلها في كل زمان ومكان. وقد شنع عليها يوما فقال: إنها تفكر في بناء حجرة خشبية على سطح بيتها لتقيم فيها وتؤجر شقتها. وضاعف حقده عليها أنه لم يقدر - ولو مرة واحدة - على الإفلات من أداء أجرة شقتها إليها؛ إذ كانت المرأة تستعين بالسيد رضوان الحسيني إذا حرج الأمر. فلم يسر الرجل بهذه الدعوة، ودق الباب وهو يتعوذ قائلا: «لطفك يا دافع البلاء!» وفتحت له الست بنفسها، وكانت ملتفعة بخمار، ودعته إلى حجرة الاستقبال ودخل الرجل وجلس. ولحقت به الخادم بالقهوة فشرب، ثم قالت له الست: دعوتك يا دكتور لتكشف على أسناني.
صفحة غير معروفة