فارتدت الحوائط قليلا قليلا، وتنحت الحصون مسفرة عن المروج والرياض، واتشحت الكائنات بنقاب وسيم لا تنسجه سوى يد الوجد على زعم المتيمين.
ولكن أنى جاء الوجد؟
أنت لم تكن تهتم بي، وأنا لم أكن أهتم بك، ولكن علام تشل أوصال روحي للدنو من مكان حللته؟ وعلام اضطرابك وارتعاش يديك إذ تلمح خيالي عن بعد؟
أنت لم تكن تنظر إلي وأنا لم أكن أنظر إليك، ولكن لماذا كانت تتبلبل خواطري، وأهرب عند قدومك؟ وأنت إن لم تستطع السكوت، لماذا يخرج صوتك متقطعا متهدجا كأنك تجاهد لتقهر تأثرا ما؟
أنت لم تكن تعبأ بوجودي، وأنا لم أكن أعبأ بوجودك.
ولكن لماذا كنت أخاشنك متعملة الإعراض وعدم الانتباه؟ ولماذا، وأنت مثال الوداعة والتهذيب، كنت تكفهر لحضوري وتنقبض كمن يود أن يتجنى علي، أو كمن يخشى أن يرمى بالبشاشة والمجاملة، ثم يعود نظرك في المرة التالية يستفحصني عن زلته؛ أنا التي كنت أغتفر لك وأتناسى مرغمة قبل أن تحدث نفسك بالاستغفار.
أنت لم تكن تفكر في وأنا لم أكن أفكر فيك، ولكن لماذا كنت أحيد عن طريقك لئلا ألتقي بك؛ أنا التي أود أن أبحث عنك في كل مكان؟ ولماذا كنت تتقن خطواتك إذ تعلم أني أرقبها، وتنغم نبرات صوتك وتنوعها إذ تعلم أنها واصلة إلي؟
أنت لم تكن لي شيئا، وأنا لم أكن لك شيئا، ولكن وجوه القائمين حولك كنت أراها متألقة بنورك، وأنت كانت تدهشك كل حركة مني كأنها لم يأتها قبلي إنسان.
أنت لم تكن لي شيئا، وأنا لم أكن لك شيئا، ولكن أليس إن إرادتك حلقت فوق خواطري كيد آمرة، فتقت لأجلها إلى الطاعة والخضوع؟ أوليس إنك كنت تحاول إرضائي وإثارة إعجابي حتى ارتفعت بذلك فوق ذاتك المألوفة، فتجليت بهيا عظيما؟
من أنت؟ وماذا كنت؟
صفحة غير معروفة