ومن هنا ندرك أهمية الجرح والتعديل، وأنه مسلك خطير، ومزلق سحيق، لذا لا بد أن يكون المشتغل به أو الباحث فيه عارفا مطلعا، وورعا منصفا، لأن أعراض الناس حفرة من حفر النار، والباحث بإنصاف في ذلك له من الله أجر كبير وثواب عظيم، وهو ممن جعله الله من عدول الأمة، الذين يحملون العلم فينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.
علماء الجرح والتعديل:
ولو فتشنا عن أصناف المشتغلين بالجرح والتعديل، لوجدناهم صنفين، أحدهما التزم بضوابط الإسلام في الجرح والتعديل، فلم يقدح إلا ببيان وبرهان، ولم يعدل إلا على ثقة واطمئنان، والآخر اتخذه فرصة لبث نفثات سمومه، وتوزيع أوهامه واتهاماته وظنونه، فعدل ذا وقدح ذاك على غير أساس متين، أو مستند سليم، فجرح كثيرا من العدول، ووثق كثيرا من المجروحين، وملأ كتبه بالأهواء والنزعات النفسية، ومن طالع كتب الجرح والتعديل وجد ذلك واضحا وضوح الشمس.
فكم من صالح ورع جرحوه بأسباب هي في الحقيقة أساس من أسس العدالة والإيمان، وكم من فاسق مارق عدلوه وهو مجروح كذوب اللسان.
وصار كل من يأتي بعدهم يأخذ بأقوالهم، ويعتمد عليها، تقليدا لأسلافه، واتباعا لأشياخه، وانقيادا لنزعاته وأهوائه، غير فاحص لما قالوه أو متثبت فيما نقلوه، فضل وأضل.
ومن أقرب الأمثلة وأشدها منزلة قاعدتهم المعروفة (جرح الشيعي مطلقا وتوثيق الناصبي غالبا) .
هذه القاعدة التي لا يمكن تجاوزها أو التخلي عنها لديهم، ومن خلالها جرحوا كثيرا من الأئمة، وفضلاء الأمة كجعفر الصادق عليه السلام، والحسن بن زيد، وأويس القرني، وابن عقدة الكوفي، وأبي خالد الواسطي، وأبي حنيفة بن النعمان ، وإبراهيم بن الحكم الكوفي، وأحمد النيسابوري، وعبدالرزاق الصنعاني، وغيرهم من خيرة الأمة وصفوة الشيعة.
صفحة ٤