والرواية هذه تشير إلى معنوية علي عليه السلام بحيث يرضي العامة وفاقه ويسخطها شقاقه، وأنه لم يكن حقيرا لا يلتفت إليه ولا يبالى بتخلفه ولا حضوره، بل كان تخلفه أمرا هاما، فإن كان أبو بكر يجهل سببه، فكيف لا يسأله عنه؟ ليعرف ما هو المانع عن المسارعة؟ ليرفع المانع إذا كان مما يسهل رفعه؟ لأن الحزم يقتضي ذلك.
مع أنه لو لم يكن في ذلك إلا المقاطعة لكان ينبغي لأبي بكر تجنبها إن كانت قرابة رسول الله أحب إليه أن يصلها من قرابته، كما في هذه الرواية نفسها، فكيف يترك عليا وشأنه؟ دون سؤال، ولا تعرف لسبب التخلف، ولا اعتذار من الاستبداد يوم السقيفة، ولا محاولة لصلاح الشأن؟ والله تعالى يقول: {فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم}[الأنفال:1].
مع أن سبب التخلف في هذا الحديث الذي يرويه الزهري سببا أمر تسهل إزالته والاعتذار عن أوله، فيصلح الشأن وينقطع الخلاف من أول الأمر.
هيهات! هيهات! لم يكن الأمر كما توهمه هذه الرواية، ولو كان مما يسهل علاجه لبادر إليه أبو بكر؛ لأنه يدعي أنه خليفة رسول الله ويحاول اجتماع الأمة تحت أمره، ومقتضى ذلك، السعي له بكل وسيلة ممكنة فضلا عن أن يسأله: لماذا تخلف؟ فإذا قال: استبددت علينا يوم السقيفة، اعتذر عن ذلك وطلبه المشاركة في الأمر بوزارة يتولاها أو غير ذلك ما يصير له نصيبا في الأمر، فيذهب بذلك ما في نفسه من الاستبداد ومن حيث أنه يرى لنفسه نصيبا في الأمر، كما في هذه الرواية نفسها، وبذلك يحصل الوفاق فورا.
صفحة ٣١