42

ظهر الإسلام

تصانيف

قال الوزير: فبمن تشير؟ قال ابن الفرات: بجعفر بن المعتضد (هو المقتدر). فقال الوزير: جعفر صبي! قال ابن الفرات: إلا أنه ابن المعتضد، ولم تجيء برجل يأمر وينهى، ويعرف ما لنا، وبمن يباشر التدبير بنفسه ويرى أنه مستقل؟ ولم لا تسلم هذا الأمر إلى من يدعك تدبره أنت؟»

وحكى الصولي «أنه عهد إليه بتربية الراضي بالله وأخيه هارون، فكان يلقاهما مرتين في الأسبوع وقد رآهما فطنين عاقلين، إلا أنهما خاليان من العلوم. قال الصولي: «فحببت العلم إليهما، واشتريت لهما من كتب الفقه والشعر واللغة والأخبار قطعة حسنة، فتنافسا في ذلك، وعمل كل واحد منهما خزانة لكتبه، وقرآ علي الأخبار والأشعار.» فكان مما قرأه لهما الصولي كتاب «خلق الإنسان» للأصمعي، فوشى الخدم، وقالوا: «إن الصولي يعلمهما أسماء الفرج والذكر.» فاجتهد الصولي في نفي هذه التهمة، وأراهم الكتاب.

ثم لما تقدم الصولي في تعليمهما، وتطلع إلى مكافأته على ما عمل، قيل له على لسان أهل القصر: «ما نريد أن يكون أولادنا أدباء ولا علماء، وهذا أبوهما قد رأينا كل ما نحب فيه، وليس بعالم.» فلما سمع الصولي أتى نصرا الحاجب وأخبره بما قيل، فبكى، وقال: كيف نفلح من قوم هذه نياتهم؟!»

31

وحكى في موضع آخر، أن الراضي بالله، قبل أن يلي الخلافة، كان يقرأ عليه - على الصولي - شيئا من شعر بشار، وبين يديه كتب لغة، فجاء خدم من خدم جدته، فأخذوا جميع ما بين يديه من الكتب، فجعلوه في منديل، فغضب الراضي، فسكنت غضبه وقلت: ليس ينبغي أن ينكر الأمير هذا؛ فإنه يقال لهم إن الأمير ينظر في كتب لا ينبغي أن ينظر في مثلها. فقال لهم الراضي: قولوا لمن أمركم: إن هذه الكتب إنما هي حديث وفقه وشعر ولغة وأخبار، وليست من كتبكم التي تبالغون فيها مثل عجائب البحر، وحديث سندباد، والسنور والفار.

32

فترى من هذا كيف كانوا يريدون الحجر على من يرشح للخلافة لينشأ جاهلا غرا، فينصرف إلى لهوه ولذته، ويترك لهم زمام الأمور والتصرف في شئون الدولة.

وكان من المؤيدين لتولية هذا الطفل مؤنس الخادم، ومؤنس الخازن، وغيرهما من الأتراك.

نعم كان مع ابن المعتز بعض الأتراك، ولكن الغلبة والقوة كانتا في جانب الذين مع المقتدر، فتم الأمر للمقتدر، وقتل ابن المعتز.

33

صفحة غير معروفة