102

ظهر الإسلام

تصانيف

وما المرء في الأرض بالمعجز

ينافس هذا لهذا على

أقل من الكلم الموجز

محيط السماوات أولى بنا

فماذا التنافس في مركز؟!

وأبو العلاء المعري يترك الدنيا مضطربة في المعرة وما حولها، وفي بغداد وما حولها، ويخلق لنفسه جوا علميا فكريا هادئا لا نزاع فيه إلا على مسأله علمية أو مشكلة لغوية أو فكرة فلسفية، لا علاقة له بأمير إلا أن يتشفع عنده في بلده فيشفع، ولا علاقة له بوزير إلا أن يستفتيه في مسألة علمية فيجيب، وهكذا سيرة كثير من العلماء، فلم لا يرقى العلم في هذه الأجواء الهادئة مهما أحاط بها من ظروف عاصفة؟!

وحتى الذين اكتووا بالسياسة من قرب أو بعد، كالصولي والصابي وابن العميد، قد أفادوا العلم والأدب بانغماسهم في الحياة السياسية، وإن احترقوا بنارها.

وما لنا نذهب بعيدا، وهذا عصر النهضة العلمية والأدبية في أوروبا، كانت الأفكار فيه تبحث وتنتج وتبتكر، والجو السياسي حولها أسوأ ما يكون نزاعا وفسادا وظلما، فلما خطت الأفكار العلمية والأدبية خطواتها كانت هي التي تصلح الجو السياسي، لا أن الجو السياسي يخنقها.

والخلاصة أن الحالة العلمية في أواخر القرن الثالث وفي القرن الرابع، كانت أنضج منها في العصر الذي قبله: أخذ علماء هذا العصر ما نقله المترجمون قبلهم فشرحوه وهضموه، وأخذوا النظريات المبعثرة فرتبوها؛ وورثوا ثروة من قبلهم في كل فرع من فروع العلم فاستغلوها، وسيأتي بيان ذلك إن شاء لله . (1-2) الترف والبؤس

واللهو والجد حيثما نظرنا إلى كل قطر من أقطار العالم الإسلامي في ذلك العصر رأينا الثروة غير موزعة توزيعا عادلا ولا متقاربا، ورأينا الحدود بين الطبقات واضحة كل الوضوح، فجنة ونار، ونعيم مفرط، وبؤس مفرط، وإمعان في الترف يقابله فقدان القوت.

صفحة غير معروفة