الزهد والورع والعبادة

ابن تيمية ت. 728 هجري
132

الزهد والورع والعبادة

محقق

حماد سلامة، محمد عويضة

الناشر

مكتبة المنار

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٠٧

مكان النشر

الأردن

تصانيف

التصوف
وَالْقدر وَهِي من أعظم مطَالب الدّين وأشرف عُلُوم الْأَوَّلين والآخرين وأدقها على عقول أَكثر الْعَالمين وَالْمَقْصُود هُنَا أَن مشائخ الصُّوفِيَّة وَالْعُلَمَاء وَغَيرهم قد بينوا أَن من الرِّضَا مَا يكون جَائِزا وَمِنْه مَا لَا يكون جَائِزا فضلا عَن كَونه مُسْتَحبا أَو من صِفَات المقربين وَأَن أَبَا الْقَاسِم ذكر فِي الرسَالَة أَيْضا فن قيل هَذَا الَّذِي ذكرتموه أَمر بَين وَاضح فَمن أَيْن غلط من قَالَ الرِّضَا أَن لَا تسْأَل الله الْجنَّة وَلَا تستعيذه من النَّار وَغلط من يستحسن مثل هَذَا الْكَلَام كَائِنا من كَانَ قيل غلطوا فِي ذَلِك لأَنهم رَأَوْا أَن الراضي بِأَمْر لَا يطْلب غير ذَلِك الْأَمر فَالْعَبْد اذا كَانَ فِي حَال من الْأَحْوَال فَمن رِضَاهُ أَن لَا يطْلب غير تِلْكَ الْحَال ثمَّ انهم رَأَوْا أَن أقْصَى المطالب الْجنَّة وأقصى المكاره النَّار فَقَالُوا يَنْبَغِي أَن لَا يطْلب شَيْئا وَلَو أَنه الْجنَّة وَلَا يكره مَا يَنَالهُ وَلَو أَنه النَّار وَهَذَا وَجه غلطهم وَدخل عَلَيْهِم الضلال من وَجْهَيْن أَحدهمَا ظنهم أَن الرِّضَا بِكُل مَا يكون أَمر يُحِبهُ الله ويرضاه وَأَن هَذَا من أعظم طرق أَوْلِيَاء الله فَجعلُوا الرِّضَا بِكُل حَادث وكائن أَو بِكُل حَال يكون فِيهَا للْعَبد طَرِيقا الى الله فضلوا ضلالا مُبينًا وَالطَّرِيق الى الله انما هِيَ أَن ترضيه بِأَن تفعل مَا يُحِبهُ ويرضاه لَيْسَ أَن ترْضى بِكُل مَا يحدث وَيكون فَإِنَّهُ هُوَ لم يَأْمُرك بذلك وَلَا رضيه لَك وَلَا أحبه بل هُوَ سُبْحَانَهُ يكره ويسخط وَيبغض على أَعْيَان أَفعَال مَوْجُودَة لَا يحصيها الا هُوَ وَولَايَة الله مُوَافَقَته بِأَن تحب مَا يحب وَتبْغض مَا يبغض وَتكره مَا يكره وتسخط مَا يسْخط وتوالي من يوالي وتعادي من يعادي فاذا كنت تحب وترضى مَا يكرههُ ويسخطه كنت عدوه لَا وليه وَكَانَ كل ذمّ نَالَ من رَضِي مَا أَسخط الله قد نالك

1 / 142