الزهد والورع والعبادة
محقق
حماد سلامة، محمد عويضة
الناشر
مكتبة المنار
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٠٧
مكان النشر
الأردن
تصانيف
التصوف
فَهَؤُلَاءِ الَّذين بَايعُوهُ من أعظم خلق الله محبَّة لله وَرَسُوله وبذلا لنفوسهم وَأَمْوَالهمْ فِي رضَا الله وَرَسُوله على وَجه لَا يلحقهم فِيهِ أحد من هَؤُلَاءِ الْمُتَأَخِّرين قد كَانَ غَايَة مَا طلبوه بذلك الْجنَّة فَلَو كَانَ هُنَاكَ مَطْلُوب أَعلَى من ذَلِك لطلبوه وَلَكِن علمُوا أَن فِي الْجنَّة كل مَحْبُوب ومطلوب بل وَفِي الْجنَّة مَا لَا تشعر بِهِ النُّفُوس لتطلبه فَإِن الطّلب وَالْحب والارادة فرع عَن الشُّعُور والاحساس والتصور فَمَا لَا يتصوره الانسان وَلَا يسحه وَلَا يشْعر بِهِ يمْتَنع أَن يَطْلُبهُ وَيُحِبهُ ويريده فالجنة فِيهَا هَذَا وَهَذَا كَمَا قَالَ تَعَالَى لَهُم مَا يشاءون فِيهَا ولدينا مزِيد وَقَالَ وفيهَا مَا تشتهيه الْأَنْفس وتلذ الْأَعْين فَفِيهَا مَا يشتهون وفيهَا مزِيد على ذَلِك وَهُوَ مَا لم يبلغهُ علمهمْ ليشتهوه كَمَا قَالَ ﷺ مَا لَا عين رَأَتْ وَلَا أذن سَمِعت وَلَا خطر على قلب بشر وَهَذَا بَاب وَاسع غلط من قَالَ الرِّضَا أَن لَا تسْأَل الله الْجنَّة وَلَا تستعيذه من النَّار فاذا عرفت هَذِه الْمُقدمَة فَقَوْل الْقَائِل الرِّضَا أَن لَا تسْأَل الله الْجنَّة وَلَا تستعيذه من النَّار ان أَرَادَ بذلك أَن لَا تسْأَل الله مَا هُوَ دَاخل فِي مُسَمّى الْجنَّة الشَّرْعِيَّة فَلَا تسأله النطر اليه وَلَا غير ذَلِك مِمَّا هُوَ مَطْلُوب جَمِيع الْأَنْبِيَاء والأولياء وَأَنَّك لَا تستعيذ بِهِ من احتجابه عَنْك وَلَا من تعذيبك فِي النَّار فَهَذَا الْكَلَام مَعَ كَونه مُخَالفا لجَمِيع الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ وَسَائِر الْمُؤمنِينَ فَهُوَ متناقض فِي نَفسه فَاسد فِي صَرِيح الْعُقُول وَذَلِكَ أَن الرِّضَا الَّذِي لَا يسْأَل انما لَا يسْأَله لرضاه عَن الله
1 / 136