وفي عام 1938 تقلد منصب وزير الأوقاف، فكان أول وزير يرتدي العمامة.
وفي عام 1945 أصبح شيخا للإسلام وقد فاجأه النبأ، وأحس أن العبء أضخم من أن يتحمله اتجاهه الفكري وسلوكه الذهني.
وحاول عبثا أن يرفض المنصب، وقد بقي عاما واحدا. في عام 1946 قامت في الأزهر ثورة جامحة، بسبب تخطي الحكومة لخريجي الأزهر في بعض المناصب التي كانت تخصصها لهم، فأصبح ينازعهم فيها خريجو كلية الآداب وكلية دار العلوم.
وتهيج الطلبة على شيخ الأزهر والفنان الرقيق الخجول، وسمع بأذنيه أصواتا تهتف بسقوطه.
واتجه إلى بيته، وبعد الظهر ارتدى ملابسه، واستعد للذهاب إلى مكتبه في الأزهر، وقبل أن تجيئه السيارة ليستقلها كان الموت قد وصل إليه، فمات بالسكتة القلبية.
وذهب من الشيخ مصطفى عبد الرازق كل شيء، رجل الدين، وأستاذ الفلسفة، وبقي منه إلى اليوم وإلى الغد الفنان الذي منح اللغة العربية جديدا في التفكير الحر والأسلوب الساحر الأخاذ. •••
كنت أقلب في أوراقي الخاصة، فوجدت بينها ورقة تحوي هذه الكلمات: «قابلت اليوم مصطفى عبد الرازق باشا بنادي محمد علي، وأمضيت معه ساعة تحدثنا فيها عن وزارة الأوقاف والشاعر البهاء زهير.» والورقة لا تحمل تاريخا، وأرجح الظن أن تاريخها يرجع إلى عام 1941، حيث كان مصطفى عبد الرازق وزيرا للأوقاف.
وكان قبل أن يتقلد منصب الوزارة أستاذا في الجامعة، وقد ألف رسالة عن الشاعر العربي المصري الرقيق بهاء الدين زهير، وما أكثر وجوه الشبه بين مصطفى عبد الرازق والبهاء زهير، كلاهما كان يعيش دنياه، وكلاهما كان رجل دين ورجل سياسة.
أثارت هذه الورقة في ذهني ذكريات حية عن الأديب الفقيه الفنان مصطفى عبد الرازق؛ فقد عرفته من خلال ما نشرته له الصحف باسمه الصريح، أو باسمه المستعار، وكان لأسلوبه الجميل سحر وفتنة، وكانت آراؤه تسبق زمانه وتتحدى بيئته الدينية. كان يظاهر قاسم أمين في دعوته إلى سفور المرأة، وكان يدعو إلى تحرير رءوسنا من الأوهام؛ لكي تستطيع أن تفكر في حرية، وتتأمل في انطلاق.
كان يؤمن بالله ويؤمن بالإنسان، وكان من علماء الدين وكان من علماء الدنيا. كان مفتوح العينين والأذنين والقلب والدماغ فرأى الجمال، وسمع الموسيقى، ووعى الحكمة، وفكر في العلم والفلسفة والفن.
صفحة غير معروفة