[وبه نستعين] أبهى (1) أصل يبتني عليه (2) الخطاب، وأولى قول فصل (3) ينتمي إليه أولو الألباب، حمد من تنزه عن وصمة التحديد والقياس (4)، وتقدس عن إدراك العقول والحواس.
والصلاة على [أفضل] من أرسله (5) لتبليغ الأوامر والنواهي، وأشرف من عرفه أسرار الحقائق (6) كما هي. وآله الذين من أنوارهم (7) تقتبس الأحكام (8)،
صفحة ٣٧
وبآثارهم تعرف مسائل الحلال والحرام، صلوات الله عليهم ما دامت الفروع مترتبة على الأصول، والأجناس منقسمة بالفصول.
وبعد:
فيقول راجي عفو ربه الغني محمد المشتهر ب " بهاء الدين العاملي " تجاوز الله عنه: هذا - يا إخوان الدين - ما توفرت عليه دواعيكم، وتكثرت إليه مساعيكم، من متن متين محرر الفصول، يتضمن خلاصة علم الأصول، فخذوا إليكم زبدة وجيزة موصلة إلى كنوزه (1)، ونخبة عزيزة مطلعة على رموزه، وألتمس منكم أن لا تبذلوها إلا إلى طالب (2) يعرف قدرها، ولا تزفوها إلا إلى خاطب يغلي مهرها (3)، وإذا عثرتم بخلل (4) فاضح، أو وقفتم على زلل واضح، فمنوا علينا (5) بإصلاح الفساد، وترويج الكساد، وأجركم على الله، ولا قوة إلا بالله، ورتبتها على خمسة مناهج:
صفحة ٣٨
المنهج الأول في المقدمات (1) وفيه مطالب:
[المطلب] الأول: في نبذ من أحواله (2) ومبادئه المنطقية علم هذا العلم في الأصل مركب إضافي.
فالأصول: ما يبتني عليها شئ.
والفقه: العلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية (3)، فعلا أو قوة
صفحة ٣٩
قريبة وعلميتها عنها مع ظنيتها على التصويب ظاهرة، وبدونه خفية، إلا أن يراد [بها] الظاهرية أو ظنها، أو القطع بتعين العمل (1)، والإفتاء بها، وخير الثلاثة أوسطها، والقطعيات ليست فقها، ومن ثم لا اجتهاد فيها كما ينطق به حده، ويراد بالأحكام المسائل، ولامها جنسية لا استغراقية، إذ التهيؤ القريب للإحاطة بالكل متعذر أو متعسر، والتردد (2) في البعض ثابت فدخل علم المتجزي وصح لا أدري (3).
أما علم المقلد وجبرئيل مثلا فخرج بحرف المجاوزة، ولا حاجة إلى ضم:
بالاستدلال بعده، كالحاجبي (4)، ويراد بالأدلة الأربعة المعروفة (5).
صفحة ٤٠
أما القياس فليس من مذهبنا (1)، وستسمع إبطاله [إن شاء الله].
فصل وحده علما (2) العلم بالقواعد (3) الممهدة (4) لاستنباط الأحكام الشرعية الفرعية (5)، والصفة مشعرة (6) بالاختصاص، فسلم الطرد (7) من دخول العربية، والمنطق (8) ومبادئه من المنطق والكلام والعربية والأحكام ومرتبته بعد الثلاثة الأول، وموضوعه (9) دلائل الفقه من حيث الاستنباط، وثمرته الفوز بالسعادة الدينية، والترقي عن حضيض التقليد إذا استعمل فيما وضع لأجله (10)، ووجوبه كفائي، والقائل بالعينية شاذ (11)، ولزوم الحرج ظاهر.
صفحة ٤١
واستدل العلامة طاب ثراه بتوقف الاجتهاد الواجب كفاية عليه (1)، ويقدح في كلية كبراه المعارف الخمس (2)، اللهم إلا أن يضمر في الأوسط وتحصيله له (3) فيلغو الباقي.
فصل الدليل عندنا: ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه (4) إلى مطلوب (5) خبري (6) والإمكان لإدراج المغفول (7)، والخبري لإخراج الحد. وعند غيرنا (8): قولان
صفحة ٤٢
فصاعدا يكون عنه آخر، فدخلت الأمارة (1)، أو يستلزم لذاته، فخرجت.
والأشعري لا يفرق بينهما في عدم الاستلزام (2). والنظر تأمل معقول لكسب مجهول، والعلم (3) صورة حاصلة عند المدرك (4)، أو حصولها عنده، أو صفة توجب لمحلها تمييزا لا يحتمل النقيض، فدخل الإحساس، أو صفة (5) ينجلي بها أمر معنوي لمن قامت به [فخرج]، ومعلوميته (6) مما علم به، وعلم كل أحد بوجوده لا يوجب دورا (7) ولا بداهة، إذ حصول الشئ غير تصوره (8)، وامتناع النقيض لعادة أو حس لا ينفيه الإمكان، نظرا إلى قدرة الله سبحانه، وقد يظن منافاة مطلق التجويز الجزم (9)، وفيه ما فيه. ثم إن كان إذعانا للنسبة (10)
صفحة ٤٣
فتصديق، وإلا فتصور، وكل من كل غير بديهي للكسبي (1)، ولا كسبي للبديهي (2)، ولزوم طلب المجهول المطلق وليس بديهي التصور ما زعمه الحاجبي (3)، وتعليله عليل، ويجوز طلب البسيط بالرسم واستغناء المركب (4) عن الطلب (5) والذكر النفسي إن امتنع نقيضه (6) مطلقا، فكما مر [علم] أو عند الذاكر فاعتقاد أو لا ولا، فالراجح ظن، والمرجوح وهم، والمتساوي شك.
فصل ممتنع الصدق (7) على كثرة جزئي، وجائزه كلي، فإن فارق آخر (8) بلا مصادقة فمتباينان (9)، وبالعكس (10) متساويان كنقيضيهما (11) ومعها (12) من واحد
صفحة ٤٤
أعم وأخص (1) مطلقا بعكس نقيضيهما، ومنهما (2) من وجه وتباين نقيضيهما جزئي (3) كالأولين.
فصل ذاتي الماهية: ما لا يمكن فهمها قبله (4)، أو ما ثبت لها بلا علة (5)، أو ما تقدمها تعقلا (6).
والعرضي بخلافه، وجزؤها المشترك بين مختلفي الحقيقة جنس.
والمميز فصل، والمركب منهما نوع إضافي، ومتفق الآحاد في الحقيقة حقيقي، والجنس الوسط نوع بالأول (7)، والبسيط بالثاني (8)، والخارج عنها كالأخير خاصة، وكالأول عرض عام وكل إن امتنع فراقه فلازم لها (9)، أو لوجودها (10)، وإلا فمفارق.
صفحة ٤٥
فصل الحد عندنا (1): ما يميز الشئ عن (2) غيره مطردا ومنعكسا (3)، فإن أنبأ عنه بذاتياته فحقيقي (4)، أو بلازمه فرسمي (5)، أو بمرادف أجلي فلفظي.
وعند غيرنا (6): ما يميزه بفصله مع جنسه القريبين، أو خاصته معه حد أو رسم تامان، وبدونه ناقصان، وصورة الحقيقي جنس قريب ثم فصل ولا يكتسب ببرهان وإلا دارا (7) وحصل الحاصل، أما في التصديق فيراد [به] حال النسبة لا تعقلها.
فصل القضية: قول يصدق، أو يكذب، أو كلام لنسبة خارج (8)، فإن حكم فيها
صفحة ٤٦
بإثبات أمر لآخر (1)، أو نفيه [عنه] فحملية، وإلا فشرطية، وموضوع الحملية إما مشخص فشخصية (2)، أو نفس الحقيقة فطبيعية، أو مبين كلا أو بعضا فمحصورة، وإلا فمهملة (3).
وإن صرح بكيفية النسبة فموجهة (4) بسيطة، أو مركبة.
وأول جزئي الشرطية مقدم، وثانيهما تال، فإن حكم فيها بتعليق نسبة على أخرى فمتصلة لزومية (5)، أو اتفاقية (6)، أو بتنافيهما، أو عدمه (7) فمنفصلة حقيقية (8)، أو مانعة جمع أو خلو (9).
صفحة ٤٧
فصل البرهان: إن خلا عن ذكر لازمه (1) ونقيضه (2) فاقتراني حملي، أو شرطي، وإلا فاستثنائي، ومبتدأ المطلوب في الحملي موضوع وأصغر، وذاته صغرى (3)، وخبره محمول وأكبر، وذاته كبرى (4)، والمكرر وسط (5).
وقد يستدل على المطلوب بإبطال نقيضه، أو بتحقق ملزوم حقيقته، [وهو عكسه]. فالنقيضان (6) قضيتان أيتهما صدقت كذبت أختها (7)، وبالعكس، فالشخصية شرطها الوحدات الثمانية (8) وغيرها معها التخالف كما
صفحة ٤٨
وكيفا (1) [فيهما]، فنقيض الموجبة كلية سالبة جزئية، وجزئية سالبة كلية، وعكس القضية تبديل طرفيها (2) مع بقاء الصدق والكيف (3)، فعكس الموجبتين جزئية (4)، وعكس السالبة الكلية مثلها (5) ولا عكس لجزئيتها، وعكس النقيض تبديل نقيضي طرفيها مع بقائهما، والسوالب كالموجبات في العكس، وبالعكس (6).
فصل هيئة وقوع الوسط عند الحدين شكل، فما هو محمول صغراه موضوع كبراه (7).
صفحة ٤٩
الأول: وشرطه إيجابها (1) وكلية كبراه (2)، وينتج المحصورات الأربع (3)، فموجبتاه (4) مع موجبة موجبتيها (5)، ومع سالبة سالبتيها (6)، وما هو محمولهما.
الثاني: وشرطه اختلافهما كيفا وكلية كبراه (7)، ولا ينتج إلا سالبة، فكليتاه
صفحة ٥٠
كلية (1)، ومختلفتاه جزئية (2)، وما هو موضوعهما.
الثالث: وشرطه إيجاب صغراه (3) وكلية إحداهما، ولا ينتج إلا جزئية، فموجبتاه مع موجبة كلية، وبالعكس (4) موجبة، ومع سالبة (5) [مطلقا] سالبة، وعكس الأول.
الرابع: وشرطه إيجابهما مع كلية صغراه، أو اختلافهما مع كلية إحداهما، وينتج سوى أولى الأربع، فموجبة (6) الكلية معها موجبتيها وسالبتيها (7)، وسالبة (8)
صفحة ٥١
الكلية مع أولييها (1) سالبة كلية [أو] جزئية (2) كجزئيتيه مع خلافيهما كليا (3).
فصل الاستثنائي: إما متصل فيلزم استثناء مقدمه تاليه، وأكثره ب " إن "، ونقيضه نقيضه (4)، وأكثره ب " لو ".
وإما منفصل ويلزمه التنافي إما إثباتا ونفيا، فمن إثبات كل نقيض الآخر (5) ومن نقيضه عينه (6)، أو إثباتا فالأولان (7)، أو نفيا فالآخران (8)، ويرد الاقتراني إلى الاستثنائي، وبالعكس.
صفحة ٥٢
المطلب الثاني: في المبادئ اللغوية اللغة: لفظ وضع لمعنى (١)، وطريقها تواتر (٢) وآحاد (٣)، ولا تثبت قياسا (٤)، والدوران منقلب (٥)، والوضع لنقيضين يدفع المناسبة الذاتية، وإرادة الواضع مخصصة، وهو إما الله سبحانه (٦) بدليل <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن- الكريم/0/31" target="_blank" title="سورة البقرة: 31">﴿وعلم آدم الأسماء كلها﴾</a> (٧) <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن- الكريم/0/22" target="_blank" title="سورة الروم: 22">﴿واختلاف ألسنتكم﴾</a> (8)، أو البشر (9) بدليل (إلا بلسان قومه) (10)، أو منه تعالى الضروري ومنا الباقي (11)، وإلا دار أو تسلسل.
صفحة ٥٣
ولا قطع في شئ منها، لجواز إلهام الوضع وإرادة الحقائق (1)، والتوقيف على سابق (2)، والإقدار (3) وتعليم آدم (4) والتعريف كما في الأطفال.
فصل دلالة اللفظ على معناه مطابقة، و [على] جزئه الضمني (5) تضمن، وخارجه اللازم (6) ولو عرفا التزام.
ثم إن [كان] قصد بجزئه (7) جزءه (8) فمركب، وإلا فمفرد، فإن استقل ولم يدل بهيئته على زمان فاسم، أو دل ففعل، وإلا (9) فحرف، وإن اتحد معناه متساويا في كثرة فمتواطئ، أو متفاوتا فمشكك، وإن كثر فمشترك إن وضع لكل، وإلا فمنقول إن
صفحة ٥٤
اشتهر في الثاني، وإلا فحقيقة ومجاز، وإن (1) كثرا (2) فمتباينة، أو اللفظ فقط فمترادفة.
فصل اللفظ: إن لم يحتمل غير ما يفهم منه لغة فنص (3)، وإلا فالراجح ظاهر (4)، والمرجوح مأول، والمساوي مجمل (5)، والمشترك بين الأولين (6) محكم (7)، وبين الأخيرين (8) متشابه، وإن دل على الطلب من مستعل فأمر (9)، ومن مساو فالتماس، ومن سافل فسؤال ودعاء .
صفحة ٥٥
فصل المشترك واقع [في اللغة] لثبوت العين وأمثالها (١)، لا لخلو الأكثر عن الاسم لولاه، واشتراك الموجود بين الحادث والقديم، ولا اختلال مع القرينة (٢)، والإجمال قد يقصد (٣)، وفي القرآن كقوله تعالى: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/0/228" target="_blank" title="سورة البقرة: 228">﴿ثلاثة قروء﴾</a> (4) والاستعداد للامتثال فائدة.
والترادف واقع ك " أسد " و " سبع "، ويجوز تبادلهما، ولا يرد خداي أكبر (5)، ويفيد التوسعة (6) والتزيين وتثنية العلامة (7)، وليس منه (8) الحد والتابع.
صفحة ٥٦