406

أبطره إيتاء الملك وحمله على المحاجة ، أو حاج لأجله شكرا له على طريقة العكس ، كقولك : عاديتني لأني أحسنت إليك ، أو وقت أن آتاه الله الملك.

ومعنى آتاه الملك : أنه آتاه ما غلب به وتملك من الأموال من الخدم وكثرة الأتباع. فأما إيتاء الملك بمعنى تمليك الأمر والنهي وتدبير أمور الناس وإيجاب الطاعة على الخلق ، فلا يجوز أن يؤتيه الله إلا من يعلم أنه يدعو إلى الصلاح والسداد والرشاد ، دون من يدعو إلى الكفر والفساد ، لأن هذا قبيح والله سبحانه منزه عن فعل القبيح. فيبطل قول صاحب الأنوار (1) في تفسيره : إن قوله : ( أن آتاه الله الملك ) حجة على المعتزلة بمنع إيتاء الملك الكافر.

( إذ قال إبراهيم ) ظرف ل «حاج» أو بدل من «آتاه» على تقدير : وقت أن آتاه الله ( ربي الذي يحيي ويميت ) بخلق الحياة والموت في الأجساد. وقرأ حمزة : رب بحذف الياء تخفيفا ( قال أنا أحيي ) بالعفو عن القتل ( وأميت ) بالقتل.

( قال إبراهيم ) إعراضا عن الاعتراض على معارضته الفاسدة إلى الاحتجاج بما لا يقدر فيه نمرود على نحو هذا التمويه ، دفعا للمشاغبة. وهو في الحقيقة عدول عن مثال خفي إلى مثال جلي من مقدوراته التي يعجز عن الإتيان بها غيره ، لا عن حجة إلى حجة أخرى ، فقال : ( فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب ).

وقيل : لما كسر إبراهيم الأصنام سجنه أياما ثم أخرجه ليحرقه ، فقال له : من ربك الذي تدعو إليه؟! وحاجه فيه.

وعن الصادق عليه السلام : «أن إبراهيم عليه السلام قال له : فأحي من قتلته إن كنت صادقا ، بعد قوله : أنا أحيي وأميت ، ثم استظهر عليه بما قاله ثانيا».

( فبهت الذي كفر ) فصار مبهوتا ملزما ( والله لا يهدي القوم الظالمين ) الذين

صفحة ٤١١