المقدمة الحمد لله رافع بعض خلقه فوق بعض درجات ، ومفضل من اختاره بالأفهام الزكية لبلوغ المكرمات ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة هى أحسن الحسنات ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث بالمعجزات ، صلى الله عليه وعلى أله وأصحابه العظام وأزواجه [الكرام ] صلاة دائمة ما ذامت الأرض والسموات.
بعد فإن قلم القدر إذا جرى فى القدم للعبد بالتوفيق والإرشاد ، وقضى له فى حركاته بالتأبيد والإسعاد، فيكرمه الله تعالى بسجايا يمن بها عليه ، فينال مما يؤمله أقضى المراد، ويقوى عزمه ويزكى فهمه ، فلم يزل من فضل الله كل يوم في ازدياد ، مما أنعم عليه من العقل الوافر ، والشاء العاطر، والذكاء الوقاد، حتى يرى من أقرانه ممن يروم مناظرته وإن كان إنسانا كالجماد، فيستعبد بالإحسان رقاب الأحرار منحة يخصه بها رت العباد، فيحوز من أحوال الملوك وسيرهم إكمال البراعات ، ويسلك من سبل الآداب في خدمهم أعلى المقامات ، فيخصوه بالمراتب العلية ، وينظرون إليه سرا وجهرا ، ويطالع أمور المملكة بدا وبحرا فإذا امتحنوه في تصرفاتهم بالاختبار ، وتحققوا طويته فيصير عندهم من المصطفين الأخيار ، فحينئذ يعلم أحوال الممالك ووظائفها ، وما يتحصل من الأموال ومصارفها ، وما يحتاج إليه الملك والملوك ، وما يتم به المناصب من الخدم والسلوك ، من أعلى المراتب وأدناها وأظهرها لسائر الناس وأخفاها ، وما شأن كل أحد في السكون والحركات ، وما يحدث من النقلة والتصرفات ، فإن كثيرا من الناس يعجز عن إدراك نفسه ، ويقصر عن ضبط ما اتقق له فى يومه وأمسه ، فلذلك يقول العبد الفقير إلى الله تعالى : خليل بن شاهين الظاهري لطف الله به ، أننتى صنفت كتابا وسميته كشف الممالك ، وبيان الطرق والمسالك ، ويشتمل على مجلدين ضخمين يشتملان على أربعين بابا جملة ذلك ستين كراسا في قطع الكامل معتمدا في ذلك ما شاهده العيان ، أو تحققته من نقل الثقاة الأعيان ، الذين يركن إليهم غاية الأركان ، أو اطلعت عليه من كتب المتقدمين، وما وجدته منقولا عن المشائخ المعتبرين ، ثم رأيت ذلك الكتاب المصنف مطولا فانتخبت من) ملخصه هذا المجلد وسميته زبدة كشف الممالك ، وبيان الطرق والمسالك ، وجعلته أثنى عشر بابا ، واختصرت الكلام فيه لكون اشتغالى بغيره من المصنفات .
الباب الأول : فى تشريف ملك مصر على سائر الممالك ، وما فضل به على غيره بالمعابد والمزارات ، وما به من العجائب والعمارات ، وترتيب مدنه ، وقلاعه ومعاملاته وحدوده وما يحتوى عليه .
أالباب الثاني : في وصف السلطنة الشريفة ، وما يتحلى به السلطان من الصفات، وما يعتمده لإقامة لوازمها الموظفات ، ووصف المواكب الشريف، والملبوس لكل من ينسب إلى الملك من الخاص والعام.
ألباب الثالث : في وصف أمير المؤمنين، وبيان أحواله ، وكان حقه أن يقدم لكن مرادنا تضخيم الملك حيث صار بالمبايعة منه إلى السلطان ، ووصف قضاة القضاة أهل الخل والعقد والعلماء أئمة الدين والقضاة الباب الرابع : في وصف الصاحب الوزير والدوله الشريفة ، والسادة المباشرين أركانها وما يتعلق بكل ديوان ، وكتابه مثل الإنشاء والجيش، والمفرد والخاص وبقية الدواوين، والموقعين على ما يأتى تفصيله .
الباب الخامس : في وصف أولاد الملوك ، ونظام الملك الشريف، ونائب السلطنة الشريفة وأتابك العساكر المنصورة والأمراء مقدمى الألوف والطبلخانات والعشرينات ، والعشروات ، والخمسوات ، بالديار المصرية .
الباب السادس : في وصف أرباب وظائف بجملة ، ووظائف مفردة يأتى تفصيلها والأجناد القرآنيص ، والخاصكية ، وأجناد الحلقة المنصورة ، ومراكزهم ومراكز البطائق والثلج والبرد .
الباب السابع : في وصف الأدر الشريفة وزمامها ، والطواشية ، وخذام الستارة ،
ووصف الخزأنه والسلاح خاناه ، والحواصل الشريفة والشون والأهراء ، وجهات ذلك ومتحصله ومصروفه .
الباب الثامن : في وصف البيوتات ، والمطبخ، والاصطبلات الشريفة ، وما بها من الآلات على حسب الاختصار ووصف الشكارخاناه ، والسرحات ، والصيد والأحواش على ما يأتى تفصيل ذلك .
الباب التاسع : في وصف كشاف الترب ، وعمارة الجسور ، والحفير، والجرافة ، وما تحتاج إليه البلاد عند فيض النيل وهبوطه ، ووصف الولاة ، وأرباب الوظائف بأقاليم الديار المصرية ، وما يتعلق بذلك من الترتيب الباب العاشر : في وصف الممالك الشريفة الإسلامية ، وهى تمان على ما يأتى تفصيله على الترتيب ووصف المدن بالبلاد الشمالية ، ومن بذلك من الكفال، والنواب والسادة والقضاة والأمراء ، والمباشرين ، وأرباب الوظائف والجند .
الباب الحادى عشر . فى وصف أمراء العربان ، ومشايخهم ، وأمراء التركمان ، والاكراد ، ووصف التجاريد ، والمهمات الشريفة ، ونوادر اتفقت في ذلك بالمملكة اليمنة والديار البكرية ، والجزائر القبرصية التى فتحت في الأيام الأشرفية .
الباب الثاني عشر : فى حوادث الدهر التى من أهملها وقع فى الضنك والقهر وما ورد فى ذلك من الحكايات ، والنوادر ليكون كل ذى لت عليه محافظا وإليه مبادرا بين وادى محسر وجمرة العقبة ، وهى شعب طويل نخو ميلين، وبها عمائر كثيرة وقد نظم فيها أبيات مطوله ذكرت منها ثلاثة وهى يا غاديا نحو الحجاز ولعلع عرج على وادى منى والاجرع وانزل بأرض لا يضام نزيلها فيها الشفاء لكل قلب موجع فد حل فيها سيد ومكرم وهو الشفيع لذى المقام الأرفع وبينها وبين منى ، وعرفات مسجد نمرة ، والمزدلفة، والمشعر الخرام ، وعرفات ليس من الحرم بل منتهى الحرام من تلك الجهة عند العلمين ، روى أن أبرهة بن الصباح صاحب الفيل قدم يريد خراب الكعبة ومعه ألف فيل يقدمهم فيل أبيض عظيم يقال له محمود وكان المتوكل به شخص يقال له بقيل لما صار أبرهة على اليمن واقتلعه كان نفيل يصيح ، وهو على ظهر الفيل العظيم فلما دخلوا مكة أخذ نفيل بأذن الفيل وكلمه بكلام معناه أرجع رأسك فإنك في بلد الله الحرام ، فلما فهمه ذلك تركه وهرب إلى فريش فكان معهم ثم أن الله سبحانه وتعالى أمطر الحجارة على أصحاب الفيل ، فصاح أبرهة ملك الحبشة المذكور أين نفيل فلم يجده ، وهلكوا في ذلك وقال الله تعالى في حقهم : ألم تركيف فعل ربك بأصحاب الفيل سورة الفيل : الأية 1 وقال نفيل في ذلك ، وكل القوم يسال عن نفيل كأن علت للحبشان دينا حمدت الله إذ عاينت طيرا وخفت حجارة تلقى علينا فصل في ذكر الطائف وجدة وأما الطائف فإنها بلاد عجيبة كثيرة الماء والشجر، وسميت الطائف لما ورد أن جبريل عليه السلام اقتلعها وطاف بها الكعبة ، ويقال: إن رجلا يسمى الدمون بنا حائطها ، وقال: بنيت لكم طائفا فسميت بذلك . وأما جدة فهى ميناء مكة المشرفة ترد إليها المراكب بالبضائع وهى من أعظم المين ، وربما يردها في كل سنة نيف عن مائة مركب من جملة ذلك مركب بسبعة قلوع ، وتؤخذ الموجبات والرسوم تحمل إلى صاحب مكة ، وكان الملك الأشرف أبو النصر برسباى تغمدة الله برحمته شاركه في أخذ نصيب من ذلك ، ويقال: إن متحصل الجهة المذكورة مائتان ألف دينار في كل سنة وريما يزيد وينقص فصل فى ذكر المدينة على ساكنها الصلاة والسلام ولها أسماء عديدة ، المدينة ، وطيبة ، وطاب، والدار، ولولا أن الله تعالى اختارها على سائر الأرض ما جعلها دار هجرة نبيه محمد عليه السلام وضمت أعضاؤه الشريفة ، وبوسطها الحرم الشريف، وحجرته الشريفة مدفون بها وضجيعيه أبو بكر ، وعمر رضى الله عنهما وبه منبر رسول الله لم يبق من آثاره غيره ، وقيل كان من خشب الطرفة تحت المنبر الموجود الأن الذى هو من بعليكن إنشاء الملك المؤيد وكان منبر رسول الله ثلاث ذرجات .
وروى أن النبي بنا مسجده سبعين ذراعا في ستين ذراعا، ثم زادت فيه الصحابة إلى ما صار على ما هو عليه الأن حتى أن يأتيه الوفود من أقطار الأرض ، فيسعهم وبه الروضة .
وروى أن النبي قال : آما بين قبرى ومنبرى روضة من رياض الجنة وسئل بعض العلماء أى البقاع أفضلفقال : مكان ضم أعضاء النبى وقيل في ذلك ، يا خير من دفنت فى القاع أعظمه فطات من طيبهن القاع والاكم وبالحرم الشريف رواقات وفيه سبيل، وحول الحجرة قناديل من فضة وعليها كسوة من ديباج منفوش . وبالمدينة المشرفة أماكن مشهورة بالفضل منها مسجد الفتح ومسجد القبلتين ومسجد بنى حارثة ومسجد بني ظفر ومسجد بني الحارث وغيرها وكثير من دور الصحابة المشهورة بالفضل مما يطول شرح وصفها ، ويظاهرها البقيع وهو من الجهة الشرقية به قبر العباس عم النبي عليه السلام ، وقبر الإمام الحسن بن على بن أبى طالب والإمام على بن الحسين بن زين العابدين ، والإمام محمد الباقر والإمام جعفر الصادق وعبد الله بن العباس وصفية عمة رسول الله وعشمان بن عفان ومالك بن أنس والأرقم بن معرور وجابر بن عبد الله الأنصارى ، وجرير بن مطعم وحكيم بن حزام ، وخاطب بن أبى بلتعة وزيد بن تابت وزيد بن خالد الجهني والمغيرة بن الأخن ، وشريق وعروة بن الزبير وصهيب ابن الروم والمقداد بن الأسود ومحمد بن أبى سلمة وأبى الهيتم بن الهيتان وعبد الرحمن بن الحارث وعبد الرحمن بن عوف الزهرى وسعد بن أبى وقاص وسعيد بن زيد من العشرات ومعاوية بن معاوية الليثي وسلمة بن الأكوع وعمر بن سعد ومحمد بن المنذر وابن أم مكتوم وعتاب بن أسيد وجابر بن عبد الله ونوفل بن معاوية وجعفر بن محمد ابن الحنفية وعبد الله بن أبى أوفى وعبد الله بن مسعود وسعيد بن المسيب وقيس بن سعد وعبد الله بن سلام وصفوان بن سليم وعبد الله بن عبد العزيز العمرى وسعيد بن إبراهيم بن عوف وعبد الله بن عبد الله بن مسعود وأبى طلحة وأبى سفيان بن الحارث وعمر بن أم مكرم وأبى قتادة بن ربعى وخلق كثير من الصحابة رضى الله عنهم والتابعين وتابعيهم مما خفى قبره . ويقبا مسجد شريف به قبه ومنارة ، وبئر التى تفل رسول الله فيها فعادت حلوة ، وجبل أخد وبه قبر حمرة عم الني وعبد الرحمن بن جحش وكشير من الشهداء ومساجد كثيرة من المدينة إلى تبوك . وبالمدينة المشرفة سور وقلعة ومدارس ومساجد وأسواق وشوارع وبساتين، ونخل كشير وفنادق وحمامات وهى مدينة حسنة .
فصل شى وصف مدينة الينبوع وهى مدينة حسنة تشتمل على سور وقلعة ، وقد أمر بهدم القلعة الملك الأشرف ، لما خرج أميرها عن طاعته، وجهز له جيشا فاقتلعوها منه وهدموا القلعة المذكورة، ومدينة الينبوع كثيرة العمائر والأسواق والنخل ، وهى من جملة أرض الحجاز لكنها سلطنة بمفردها ، وأما القاعدة أن ما يذكر هؤلاء الملوك وهم صاحب مكة والمدينة والينبوع في ديوان الإنشاء إلا أمراء ، وللينبوع بندر ترد إليه المراكب بالغلال من سواحل الطور يؤخذ عليها المكوس لصاحب الينبوع في كل سنة تقدير ثلاثين ألف دينار ، وببلاد الحجاز الشريف أماكن مشهورة ومراكز عديدة وأخياف كثيرة ، والخيف عبارة عن قرية تحمل منها شىء معين لأصحابها ولو أردنا ذكر ما بالحجاز الشريف من أشياء كثيرة لطال الشرح فصل فى ذكر بين المقدس والأرض المقدسة التي ذكرها الله تعالى في القرآن العظيم في أماكن كثيرة فقال تعالى : { وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية} [سورة البقرة الأية 58] قيل : هى البيت المقدس . وقوله تعالى . { وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة } [سورة البقرة الأية 58] والباب الأن مشهور بحطة وقوله تعالى ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيه اسمه [سورة البقرة الأية 114) قيل : هو بخت نصر وأصحابه لما خربوا بيت المقدس ، وقوله تعالى { وإذ قال موسى لقومه : يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم } [سورة المالدة الأية 5] ، وقوله تعالى . { وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها [سورة الأعراف : الأية 137 ) قيل : هى من أرض فلسطين إلى الأردن ، وهى الأن من جملة الأرض المقدسة ، وقوله تعالى : { ولقد بوأنا بنى إسرائيل مبوا صدق سورة يون : الأية 93] . قال معمر: بوأهم الشام وبيت المقدس ، وقوله تعالى : { سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله سورة الأسراء: الأية 1] ، وقوله تعالى . { فاخلع نعليك إلك بالواد المقدس طوى} [سورة طه الأية 12) ومعن طوى أى طهر ، وقوله تعالى : { ونجيناة ولوطا إلى الأرض التى باركنا فيها للعالمين] [سورة الأنياء: الأية 71) وهى الأرض المقدسة ، وقوله تعالى : { برثها عبادى الصالحون 4 [سورة الأنياء: الأية 105 ) ، هي الأرض المقدسة ، وقوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام : { إنى ذاهب إلى ربى } [سورة الصافات : الأية 99] فى بعض الأقوال ، أى الأرض المقدسة وقوله تعالى . { واستمع يوم ينادى المنادى من مكان قريب } [سورة في : الأية 41]، المنادى هو إسرافيل عليه السلام ينادى من تحت صخرة بيت المقدس بالحشر ، وهى فى وسط الأرض ، وقوله تعالى : { فى بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه} [سورة النور .
الأية 36) يعنى به بيت المقدس ، وقوله تعالى . { وجعلنا بينهم وبين القرى التى باركنا فيها} [سورة سبا الأية 18) . زوى عن ابن عباس أنها بيت المقدس ، وقوله تعالى . { والطور وكتاب مسطوره [سورة الطور: الأية 1] ، أراد به الجبل الذى كلم عليه موسى بالأرض المقدسة ، وقوله تعالى : { فضرب بينهم بسور له باب باطنة فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ، يعنى به المؤمنين والمنافقين، وقيل: بباطنه المسجد وبظاهره وادى الجهنم ، وقوله تعالى . هو الذى أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر [سورة الحشر: الأية 2] - قال عكرمة الحشر المراد به بيت المقدس ، وقوله تعالى . { فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة [سورة النازعات : الأييان 13 و4ا) وهو بقيع بجانب الطور ، وقوله تعالى : { التين والزيتون } سورة التن : الأية 1] . وروى عن ابن هريرة رضى الله عنه أنه قال : الزيتون طور زيا مسجد بيت المقدس . وقال رسول الله لا تزال طائفة من امتى على الدين ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضزهم من خلفهم ولا ما أصابهم وهم كذلك وروى أن أول من بنى مسجد بيت المقدس يعفوب بن إسحاق . وروى عن كعب أنه قال : إن الله تعالى أوخى إلى سليمان عليه السلام ، أن يبنى بيت المقدس ، فجمع حكماء الإنس والجن وعفاريته وعظماء الشياطين ، فجعل فريقا يبنون وفريقا يقطعون الصخرة والعمدة من معادن الرخام ، وفريقا يغوصون في البحر فيخرجون منه الدر والمرجان، كل درة قدر بيض النعامة ، وأسس البناء على الماء ولما فرع من بنائه أطعم فيه بنى إسرائيل اثنى عشر ألف ثور وزوى عن كعب بن أمية أن داود عليه السلام أعد لبناء بيت المقدس مائة ألف بدرة ذهب ، وألف ألف بدرة ورقا ، وثلاث مائة ألف دينار لطلى البيت . وروى أن الكلبى قال : لما فرع سليمان عليه السلام من بناء بيت المقدس ، أنبت الله له شجرتين عند باب الرحمة ينبتان الذهب والفضة فكان في كل يوم ينزع من كل واحدة مائت رطل ذهبا وفضة إلى أن فرش المسجد بلاطة ذهبا وبلاطة فضة ، واستمر على ذلك إلى أن أتى بخت نصر خربه واحتمل منه تمانين عجلة ذهبا ، وكانت مدة العمارة من الإبتداء إلى حين نهايتها تمان سنين ، وكان فوق فبه الصخرة عزال من ذهب في عينيه درتان حمر ، يقعدن نساء البلقاء يغزلن على ضوعهما بالليل ، ومسيرة البلقاء عن بيت المقدس قريب من ثلاثة أيام وكان أهل عمواس يستظلون بظل القبه، إذا طلعت الشمس من الشرق وإذا مالت إلى الغرب ، استظل أهل الرامة وغيرهم ، وكان ارتفاع القبه ثمانية عشر ميلا. وروى عن ابن المسيب أنه قال : إن سليمان عليه السلام قرر بمسجد بيت المقدس عشرة ألاف نفسا من قراء بنى إسرائيل يقراون خمسة ألاف بالليل ، وخمسة ألاف بالنهار ، وذكر عمارته وكم عمر مرة يطول شرحه اختصرته خوف الإطالة وروى أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه فتح بيت المقدس في سنة ستة عشر من الهجرة ولم يزل المسلمين إلى سنة أحد وثمانين وأربع مائة، وفى سنة اثنين وتمانين أقام عليه الفرنج نيفا وأربعين يوما فملكوه ضحى نهار يوم الجمعة من السنة ، وقتل فيه من المسلمين خلق كثيرة في مدة أسبوع وقتل فى المسجد الأقصى ما يزيد على سبعين ألفا، وانزعج بسبب ذلك المسلمون فى سائر البلاد، ولم يزل فى أيدى الفرنج نيفا وتسعين سنة إلى أن فتحه الله على يد الملك صلاح الدين يوسف بن أيوب في سنة ثلاث وثمانين وخمس مائة ، وسبب فتح ذلك أنه فتح كثيرا من السواحل ، وكان لا يتعرض إلى بيت المقدس ، لكونه كرسن دين النصرانية وكان في بيت المقدس شاب مأسور من أهل دمشق ، كتب هذه الآبيات وأرسل بها إلى الملك صلاح الدين على لسان القدس يا أيها الملك الذى لمعالم الصلبان نكس جاءت إليك ظلامة تسعى من البيت المقدس كل المساجد طهرت وأنا على شرقى مدنس فكانت الأبيات المذكورة الداعية له إلى فتح بيت المقدس ، ويقال: إن السلطان وجد من ذلك الشات أهلية ، فولاه خطابة المسجد الأقصى ، وكانت وفاة الملك صلاح الذين في سنة تسع وتمانين وخمس مائة رحمه الله وجزاه عن الإسلام خيرا روى أن بيت المقدس أعلى من جميع الأرض بأربعين ذراعا ، وأن جميع المياه التى فى الدنيا ينبوعها تحت صخرة بيت المقدس ، ثم تقسم بقدرة الله إلى جميع البلاد والأقاليم . وروى أنه كان كل يوم خميس واثنين تلطخ الصخرة بالزعفران والمسك والماورد ، وتبخر وتفتح للزوار ، وعليها ستور من الديباج . وروى أنه كان فم السلسلة التى فى وسط القبه درة يتيمة وقرنا كبش إبراهيم وتاج كسرى معلقات فيها في أيام عبد الملك بن مروان ، ثم لما صارت الخلافة إلى بنى هاشم حولوها .
وروى أنه كان فى المسجد الأقصى من الخشب المسقف ستة ألاف خشبة ، وفيه من الأبوات خمسون بابا ، ومن العمد الرخام ستمائة عمود ، وفيه من المحاريب سبعة ، ومن سلاسل القناديل أربعمائة سلسلة إلا خمسة عشر ، ومن القناديل خمسة ألاف قنديل ، وفيه من الأشياء العجيبة ما يطول شرحه .
وروى أن فى بيت المقدس يعنى مسجدة خمس قبه خلا فبه الصخرة وأربعة وعشرون صهريجا وفيه من المنابر أربعة .
وروى عن الحافظ ابن عساكر أنه قال: طول مسجد الأقصى سبعمائة ذراع وخمسة وخمسون ذراعا بذراع الملك وعرضه أربعمائة ذراع وخمسة وخمسون ذراعا وروى أن الضحاك بن قيس صنع به عجائب من أشياء متفرقة ، منها دار من لم يطع الله في تلك الليلة أحرقته حين يقدم إليها ، ومنها من رمى حجر إلى بيت المقدس رجع إليه ، ومنها كلب من خشب من كان عنده شىء من السحر نج عليه ، ومنها مكان من دخله وهو مذنب حزق عليه .
وروى أن سليمان بن داود وضع ببيت المقدس سلسلة من خلف ومسكها وكان حانا ارتفعت به ، ومن كان صادقا ارتخت عليه ، ثم أن رجلا استودع أخر مالة دينار ، فلما طلبها منه جحده ذلك ، فتوجها إلى السلسلة وجعل المائة دينار بعكاز وسلمه إليه ، وكانت الدنانير مسبوكة فى وسط العكاز ، فلم ترتفع السلسلة ، لما مسها، فتعجب هو والناس من ذلك ، فارتفعت من ذلك اليوم ، وهى إلى الأن مرفوعة : وقال بعضهم في ذلك ، مضى مع الوحى زمان العلى وارتفع الجود مع السلسلة وروى أن ذا النون المصرى قال : وجدت على صخرة بيت المقدس أسطورا مكتوبة لا تفهم قرأتها، فجئت لمن ترجمها ، فإذا عليها مكتوب، كل عاص مستوحش ، وكل مطيع مستانس ، وكل خائف هارب ، وكل راج طالب وكل قانع غنن ، وكل محب ذليل وروى عن عطيه بن قيس أن رسول الله ، قال : ليدخلن الجنة رجل من أمك يمشى على رجليه وهو حى ، فلما كان فى خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، جاء من بنى تميم يقال له : شرك بن حباسة يسفى أصحابه ، وكان في بيت المقدس ، فوقع دلوه في الجب فنزل ليأخذه ، فوجد بابا في الجب يفتح إلى الجنة ، فدخل منه ، ومشى فيها، وأخذ ورقة من شجرها فجعلها خلف أدنه ، ثم خرج إلى الجب فارتقى ، وأنى صاحب بيت المقدس وأخبره بالذى رأى فلم يصدقه ، وأرسل معه من ينزل إلى الجب وينظر ذلك ، فأتوه ونزلوا فيه فلم يجدوا شيئا فكتب للإمام عمر رضى الله عنه يعلمه بالقضية ، فعاد عليه الجواب يصدق في حديثه لما تقدم من الحديث الشريف والكلام فى ذلك كثير ، وروى أن الورقة جهزت إلى الإمام عمر ولم تبل ، واستمرت عنده مدة حياته إلى أن توفى فأوصى أن توضع على صدره ففعل ذلك .
وروى عن رسول الله أنه قال : {من زار بيت المقدس محتسبا أعطاه الله تواب ألف شهيدا ، وفى رواية احزم الله لحمه وجسده على النار وروى عن النبي أنه قال : فضل الصلاة في مسجد بيت المقدس بخمسمائة صلاة . وروى عن كعب أنه قال: لا تقوم الساعة حتى يزور البيت الحرام البيت المقدس ، فينفادان إلى الجنة جميعا وفيهما أهلهما والعرض والحساب ببيت المقدس . وروى عن عبد الله بن مسعود أنه قال : لا يدخل الدجال إلى بيت المقدس روى عن خالد أبى معدان أنه قال : زمزم وعين سلوان من عيون الجنة . وروى عن ابن عياس أنه قال : سيد البقاع بيت المقدس ، وصخرته من الجنة .
وروى عن ابن عمر الشيباني أنه قال: لا تقوم الساعة حتى يضرب على بيت المقدس سبعة أحياط ، حائط من ذهب ، وحائط من فضة ، وحائط من ياقوت ، وحائط من زمرد وحائط من لؤلؤ، وحائط من نور وحائط من غمامة .
وروى عن مقاتل بن سليمان أن كل ليلة ينزل سبعون ألف ملك من السماء إلى مسجد بيت المقدس ، لا يعدون إليه إلا أن تقوم الساعة ، وهكذا فى كل ليلة . وعن الإمام أبى بكر بن العرب أنه قال : فى شرح الموطا للإمام مالك في تفسير قوله تعالى .
وأنزلنا من السماء ماءه فذكر أقوال الأربعة ، وإن مياه الأرض كلها تخرج من تحت صخرة البيت المقدس ، ولم يختلف أحد من أهل السنة أن النبي ، عرج إلى السماء من بيت المقدس ، وذكر فى ورود بيت المقدس ما ورد إليه من الأنبياء وعدتهم أربعة وعشرون ألف نبن . وروى أن دار ملك سليمان بن داود عليهما السلام كانت ببيت المقدس وزوى أن جماعة من العلماء أثبتوا أن الخضر عليه السلام نين ، وأنه حى ومسكنه ببيت المقدس من بين باب الرحمة وباب الأسباط . وأما ما ورد من الصحابة والتابعين وتابعيهم والخلفاء والصالحين والعلماء فخلق كثير لا تحصى ، وقد اختصرت ذكر كل أحد على انفراده خوف الإطالة . وبالقدس الشريف مصطبة على سطح الصخرة برى منها قلعة الكرك، وهى مسيرة أربعة أيام ويصلى بمسجد بيت المقدس في أذن أربع صلوات على المذاهب الأربعة أول ما يبدا بمذهب الإمام مالك بجامع المغاربة ، ثم بالمسجد الأقصى على مذهب الإمام محمد بن إدريس الشافعى ، ثم بقبة الصخرة على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة ثم بقبة موسى والرواق الغربى على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ، ولهذا الحرم أوقاف كثر وخذام ومباشرون اختصرت ذكرهم خشية الإطالة . وبالقدس الشريف أسواق كثيرة من جملتها ثلاث قصبات على صف واحد، قيل : أنه لم يكن بغالب البلاد نظيرها ، وبها مدارس كثيرة وخانات وحمامات وعمائر حسنة ، ولم يؤخذ بها شىء من المكوس بخلاف جميع المدن ، وبها كنيسة قمامة الترى يزورها جميع طوائف النصارى والفرنج، والقدس مدينة شريفة عظيمة يعمل فيها فضة ميناء تجلب منها إلى سائر البلاد ، وأوصافها كثيرة وفضائلها جمة وهذا على وجه الاختصار . وبضواحيها عين سلوان والطور ورابعة العدوية ، وقبر السيدة مريم وقبور الشهداء ، وخان الظاهر والزاوية القلندرية ، ويأواخر كرومها قصر السيدة راحيل أم يوسف الصديق عليه السلام ، وأقام والدى المرحوم شاهين الظاهرى فبه وصهريجا ومسقاة للسبيل
وييمين الطريق بيت لحم بلدة بها كنيسة كبيرة جدا بها مولد عيسى عليه السلام ، وبها أشياء عجيبة يطول شرحها ، وبها جدع النخلة المذكورة في القرآن العظيم فى قوله تعالى . وهزى إليك بجدع النخلة وبالقدس الشريف ومعاملاته ديورة كثيرة ، وقرية حلحول بها قبر يونس عليه السلام ، ورام بها مقام إبراهيم عليه السلام ، وكفر بريك به قبر لوط عليه السلام ، وياقين بها مقامه .
وأما مدينة حبرون المدفون بها إبراهيم الخليل عليه السلام ويعرف بمدينته ، وهى مدينة حسنة عدية ، وبها المسجد الذى به مقام الخليل ، وسرداب هو مدفون به يوقد فيه قنديل ليلا ونهارا وعن يمين الشباك قبره الشريف وعليه ستر من حرير وتجاه ذلك زوجته سارة ، وهناك مقصورتان بأحدهما يعفوب وزوجته ، ويظاهره مكان يشباكين بأحدهما إسحاق والأخر زوجته ، ويأخر المكان من الجهة الغربية قبر يوسف عليه السلام ، وبه مغارتان وهو مكان حسن إلى الغاية ، وله أوقاف كثيرة وخذام ، ويمد به سماط الخليل ، عليه السلام ، في كل يوم ، حتى إنه لو ورد ذلك المكان أهل الدنيا لفاضت البركة على السماط إلى أن يكفيهم وبهذه الأماكن الشريفة من الفضائل ما تكل عن ضبطه الأقلام ، وتعجز عن الإحاطة به العفول والأفهام ، وبفضلها وشرفها حصل لسلطانها الشرف التام ، ويفضل ملكه على سائر ملوك الإسلام ، مع ما يضاف إلى ذلك من فضائل مصر والشام ، وما بهما من الزيارات من قبور الأنبياء والصحابة والأولياء والعلماء الأعلام ، فكل ملوك الأرض ما بلغوا عشر معشار فضله ، لأن الجميع يخافون وقوع سطواته ويأملون فائض عدله . خلد الله ملكه تخليدا مؤبدا ، ولا أبقى له على وجه الأرض أعداء ولا حسدا .
فصل فى ذكر الديار المصرية عقرها الله تعالى وبها دار الملك ولها حدود أربع وأما القبلى فمن صفة القلزم حيث عيذاب على بلاد الحذارب من بلاد النوبة خلف الجنادل التى عليها مصب النيل ، إلى جبال العدن إلى صحراء الحبشة وأما الشرقى فينتهى إلى بحر القلزم ، وغالب ما بينه وبين مجرى النيل منقطع رمال ومحاجر ، ويسمى ساحل البحر فى هذا الحذ ، ثم يتسع من حيث السويس ، وما أخذ مشزقا من بركة الغرندل إلى تيه بنى إسرائيل حتى يقع على أطراف الشام . وأما حذ الشامي وتسميه أهل مصر البحرى من الزعقة ورفح وأمج ، وهى العريش من على الساحل وأما الخذ الغربى مأخذه فى العمارة معمور الإسكندرية ، أخذ على الليونة على العميدين إلى العقبة ، وهو أخر خذ مصر ، ثم يعطف الحذ على الواحات مقتبلا على الصعيد ، حتى يقع على الحد القبلي وبلاد مصر من أعجب بقاع الأرض والنيل سائح بوسطه وهو من الأنهر العظيمة ، ومنحدرة من الجنادل المذكورة ، أجمع أهل العلم أنه ليس بالدنيا نهر أطول مدا من النيل فإنه يسير مسيرة شهرين البلدان العامرة ، وعشرة أبام فيما يتعلق بالإقليم فيها عامر وخراب ، ومسيرة شهرين في بلاد النوبة ، وأربعة أشهر فى الخراب حيث لا عمارة إلى أن يخرج من مكانه ، وإن صبابه فى البحر المحيط من ثغر رشيد وثغر دمياط .
فصل ذكر قلعة الجبل وه دار الملك الشريف وأما دار الملك الشريف التى بها تخت المملكة المعروفة الأن بقلعة الجبل ليس لها نظير فى الاتساع والزخرفة والأبهة والعلو، تشتمل على سور وخندق وأبراج وعدة أبواب من حديد ، وهى حصينة جدا ، وبها من القصور والأواوين والمجالس والغرف والطباق والأحواش والميادين والإصطبلات والجوامع والمدارس والأسواق والحمامات ما يطول شرح ذكره ، لكن نأنى بملخصه مما فيه من العظمة والأبهة والناموس الشريف . أما القصر الأبلق به ثلاث قصور شريفة ، وخرجاه برسم المواكب السلطانية ، الجميع مفروش بالرخام الملون والسقوف المدهونة بالذهب واللازورد ، والنقوش العجمية ، إنشاء المقام الشريف المرحوم الملك الناصر محمد بن قلاوون تغمده الله برحمته ، وأما الإوان المعظم فليس له نظير ، وهو مكان بمفرده بظاهر القصر ، يعلوه فبه خضراء عالية جدا حسينة المنظرة ، وبه مرتبة الملك وعمد كثيرة ، وهو
مكان عجيب إنشاء المقام الشريف المشار إليه ، وأما الجامع الكبير الذى بالقلعة ليس له نظير . قيل : أنه يصلى فيه خمسة ألاف نفر، وبه عمد عجيبة فى الغلط وبه منارتان وهو أيضا إنشاء المقام الشريف المشار إليه ، وأما الدهشة فهى من العجائب، وعمارتها حسنة من خواص مجالس السلاطين ، وهى أيضا إنشاء المقام الشريف المشار إليه ، وأما القياع المخصوصة بالأدر الشريفة فعديدة منها، البيسرية وهى مكان خدمة الأدر بها ، ومنها القاعة الكبرى وتعرف بالعواميد برسم خوند الكبرى ، ومنها قاعة رمضان بها خوند الثانية ، ومنها قاعة المظقرية بها خوند الثالثة ، ومنها القاعة المعلقة وبها خوند الرابعة ، ومنها قاعة البربرية برسم السرارى ، وغير ذلك من القياع والمعازل والأماكن المتسعة مما يطول شرحها، وهناك سيدى الردينى مكان مبارك يزار ، وأما طباق المماليك الشريفة السلطانية اثنا عشر طبقة كل طبقة منها قدر حارة تشتمل على عدة مساكن ، حتى أنه يمكن السكنى في كل طبقة لألف مملوك . وأما الحوش (1) الشريف فإنه متسع جدا ، وبه بستان عظيم ، وبه بحرة معظمة والجلوس في الحوش والبستان يأتى ذكره في محله . وأما الإصطبلات الشريفة فإنها متسعة جدا برسم الخيول السلطانية يأتى ذكرها في مخلها ، وأما الميدان الشريف المعروف بالأسود فمتسع جدا برسم المسايرة .
فصل فى ذكر مصر والقاهرة الصحروستين وهى مدينة عجيبة متسعة جدا من أولها إلى أخرها مسيرة بريد ، وهو أول ابتدائه من التاج والسبع وجوه ، وهو قصر معظم أنشاه الملك المؤيد له سبعة وجوه ، وأخر إنتهائه الآثار الشريفة النبوية ، يشتمل ذلك على أماكن عديدة ، منها بركة الحبش وهو مكان عجيب، والرصد إنشاء الحائم بأمر الله ، ومنها القرافة الكبرى فيها عمائركثيرة ، قيل : إنها فى العمائر قدر ثغر الإسكندرية ، ومنها القرافة الصغرى ، وهى أعمر منها وأحسن هيئة ، وهى فى القدر تضاهى مدينة حمض ، ومنها كوم الجارح يضاهى مدينة عكا ، ومنها مصر القديمة وهى على جانب بحر النيل ، ولها سور تضاهى مدينة حلب ، قيل : إنه ضبط فى أيام الفخر الوزير ما بساحلها من المراكب ، فكانت نيف عن ألف وثمانمائة مركب ، وبها شون الشريفة السلطانية التى توضع بها الغلال ، وهى من أغرب الغرائب لاتساعها ، وكثيرة ما بها من الغلال ، وبها ربع يعرف بالمرحوم بكتمر له أربعة وجوه وأربعة أبواب، حتى أن رجلا من الثقاة حكى أن رجلا نقل إليه أنه سكن بهذا الربع مدة تلاتين سنة فاجتمع بشخص وتعارفا فسأله عن مسكنه ، وكان سبقه فى السكنى ، فأخبره أنه بالربع المذكور فقال : ما علمت بذلك وهذه من الغرائب ، وبه معاصر كثيرة وقصر الشمع وهو كنيسة كبيرة وبها السد الذى يقطع كل سنة عند وفاء النيل ، ومنها الكبارة وهى تضاهى مدينة جعبر ، ومنها الروضة وهى تجاه مصر القديمة بها المقياس ، ومكان شريف بوسطه عامود فى وسط فسقية ينزل إليها بسلالم ، وعليه قبة معفودة تظهر زيادة النيل ونقصانه من ذلك العمود ، وهو مقسم أصابع وآدرع وبه مسجد ومحراب والروضة المذكورة تضاهى مدينة البيرة ، ومنها بولاق وهو من أحسن الأماكن على شاطىء النيل ، ويرد إلى سواحله أكثر مما يرد إلى ساحل مصر، وبه منظرة المقر الأشرف البارزى والحجازية ، وأماكن عجيبة حسنة المنظر ، ولو أردنا نصف بولاق وما به لظال الشرح ، وهو يضاهى مدينة طرابلس ، وبجانبه جزيرة الفيل سياتى ما تضاهيه ، ومنها الجزيرة الوسطى وبها عمائر كثيرة وهى تضاهى مدينة بعلبك ، وتجاه بولاق قصر الملك المؤيد بأرض الوراق من أحسن القصور ، ومنها أرض الطبالة بظاهر باب الشعرية والجنينة ، وبركة الرطلى وما بحومتها ، وجسر بشبته وحكر الثامن ، وغيط الحاجب والخليج الناصرى ، وقناطر الإوز وذلك من أعظم المفترجات بالديار المصرية ، وهذه الأماكن تضاهى مدينة بغداد، وبها الحسينية وهى متسعة كان يسكنها قديما كثير من الأمراء ، حكى بعض الثقاة أنه أخبر من أبيه ، أن كان يسكن في الحسينية من جملة الأمراء ثلاثين أميرا، تدق على أبوابهم الطبلخانات في أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون ، وهى تضاهى مدينة غرة وبهاء الحوشن ، وما حوله من العمائر الشاهقة مع ما يضاف إليه من الخليج اللؤلؤى يضاهى مدينة قلعة الروم ، ومنها الصحراء مع ما بها من العمائر الحسنة ، وما يضاف إليها من خليج الزعفران والمطرية ، وتلك البساتين تضاهى مدينة ملطية ، ومنها القاهرة المحروسة تشتمل على سور معظم ، قيل : إن قراقوش أمر بعمارته ، وبه أبواب عديدة محكمة وبالقاهرة من العمارات الحسنة والأسواق مما يطول شرح ذكره ، وبها بيمارستان أمر بعمارته الملك المنصور ، وقرر وقفه فى كل سنة أربعين ألف مثقال ذهب ، أفرد من ذلك لعمارته وخدامه أربعة ألاف ، وقرر مصروفه فى كل يوم مثقال ، ولم أعلم ما هو عليه الأن، والقاهرة مع ما يضاف إليها من جزيرة الفيل المقدم ذكرها تضاهى دمشق ومنها الناصرية وما بها من البركة المعظمة والميدان الأعظم ، وما به من القصور والمناظر والبساتين والحلجان والمريس، والزربية والقناطر وغير ذلك تضاهى مدينة حماة ومنها أماكن متفرقه من باب الشعرية إلى المقس ، إلى ميدان القح إلى الدكة تضاهى مدينة سمرقند ، ومنها باب اللوق وتلك النواحى تضاهى مدينة سيواس ، ومنها أماكن أيضا من باب زويلة إلى باب الوزير إلى الصليبة إلى قناطر السباع بما يحتوى عليه من بركة القيل وجامع قوصون ، وجامع بشتك والشيخونية وجامع المارداني ، وما بينهما تضاهى مدينة برصابل أعظم ، ومنها أماكن أيضا جامع طولون وهو جامع كبير وما تشتمل عليه تلك الدائرة مثل حذرة ابن قميحة والمراغة ودائر السيدة نفيسة والنقعاء تضاهى مدينة القرم ، ومنها خلقوم الجبل وما به من العمائر يضاهى مدينة بهسنا، ومنها الكبش وما يحتوى عليه ، بما فى ذلك من قصر يلبغا الكبير ومنزله والحذرة والقطع الذى في الجبل يضاهى مدينة كرك الشوبك ، ومنها القبيبات وما تشتمل عليه فإنها تضاهى مدينة الرملة ، ومنها شقة الجبل بما يحتوى عليه إلى سيدى عمر بن الفارض وأخوة النبي يوسف عليه السلام ، وجامع محمود وما يحتوى عليه تلك الدائرة تضاهى مدينة حبرون المعروفة بسيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام المقدم ذكرها . والقلعة المنصورة المقلم ذكرها تضاهى القدس الشريف في القدر لا فى الحرمة ، ومنها الرميلة وما تشتمل عليه إلى المصنع إلى باب القرافة متسع جدا تضاهي مدينتى توقات وأماسى، ومنها الحكورة التى هي متفرقة . قيل : إن عدتها أربعة وعشرون ألف حكر فقسم ذلك من له خبرة بما سياتى ذكر من المدن وهى عشرة هراة ، وتبريز ، وسلطانية وأصفهان ، وشيراز، ويزد ، وكرمان ، وأدرنة ، وقصطمانية ، وكنية . وفى الحقيقة لو قسمت مصر والقاهرة وما يشتملان عليه على التحرير لزادت بجملة ، وسمعت من لفظ من يعتمد على قوله أن لو حررت هذه الأماكن لزادت عن مدن كثيرة عما ذكرناه ، لأنه سار البلاد وراءها فصل في ذكر ما بهذه الأماكن من الزيارات والأماكن الصباركة والجوامع والمدارس الكبار جامع عمرو بن العاص وجامع طولون ، وبه منارة حلزون، السبب فى عمارتها على هذه الهيئة أن السلطان أحمد بن طولون كان جالسا على تخت ملكه ، وحوله جماعة الأمراء والأعيان، وكان بيده مرسوم قولع به وجذبه وهو مطوى ، تم استدرك نفسه لثلا ينكرون عليه الحاضرون، واستدعا بالمهندسين وأمرهم بعمارة منارة على هيئة المرسوم كما فعل به ، وأصرف عليها جملة وهذا من غاية المعفول والجامع المذكور كبير جدا حتى إن كثيرا من الناس يشبهونه بحرم مكة ونظيره ، جامع الحاكم وجامع الازهر والملك والظاهر ، وشرف الدين وقوصون وبشبك والصالح والماردانى وشيخو وسنقر، وأمثال ذلك مما يطول ذكرهم ، ومن المدارس المؤيديةوالظاهرية والصالحية والمنصوريه والأشرفية والشيخونية والصرغتمشيه وغير ذلك مما يطول شرحه .
قيل : إن بمصر والقاهرة داخل السور وخارجه ألف خطبة ونيف عن ذلك ، ويكل مكان فيه خطبة أيضا منارة، وتم منارات كثيرة في مدارس ومساجد ومزارات ، وترب بغير خطب لا يحصى عددهم . وأما مدرسة السلطان حسن تجاه القلعة المنصورة ، فليس لها نظير فى الدنيا حكين أن الملك الناصر حسن المشار إليه ، لما أمر بعمارتها طلب جميع المهندسين من أقاطير الأرض ، وأمرهم بعمارة مدرسة يكون ليس عمر أعلى منها على وجه الأرض ، وسألهم أى الأماكن أعلى فى الدنيا فى العمارة فقيل له . إيوان كسرى أنوشروان ، فأمر أن يقاس ويحرز وتعمر المدرسة أعلى منه بعشرة آدرع فعمرت ، وعمر بها أربع منارات ، وقيل: ثلاث في ارتفاع المدرسة أيضا ثم ، هدم بعض المنارات واستمزت الأن على اثنتين، وإيوان كسرى كان واحدا وبهذا أربعة أواوين ، وهى عجيبة من عجائب الدنيا سمك جدارها ثمانية عشر ذراعا بالمصرى حتى أن المنارات المذكورة ترى من مسيرة يوم واحد ، وقيل: من أكثر من ذلك . قيل إن متحصل وقفها في كل سنة نيف عن متحصل مملكة ضخمة واتفقت نكتة أحببت ذكرها ، وهو أن فرنجيا أنى الديار المصرية ، واسلم ونصب حبلا من إحدى المنارات إلى سطح طبقة الأشرفية ، وهى أعلى طباق القلعة المنصورة المسافة بينهما مقدار ميل ومشى عليه بيديه ورجليه ، وهو تارة يطلق نفطا، وتارة يرمى بقوس جرخ كان بيده فلما وصل إلى نصف الحبل ، أهل الديار المصرية مجتمعون ينظرون إليه ألقى نفسه فصاح القوم كلهم ، وكان بيده حبل دقيق مربوط بالحبل المنصوب فتعلق به وصعد ، وصاح وصلى على النبى عليه السلام . وبالديار المصرية من العمائر العجيبة ما يطول شرحه .
فصل فى ذكر بلاد الديار المصرية وأما بلاد الديار المصرية فإنها تشتمل على أربعة عشر إقليما وبالوجه القبلى سبعة أقاليم ، وبالوجه البحرى سبعة أقاليم ، والمستفيض على ألسنة الناس أن يكل إقليم ثلاثمائة وستون بلدا، وعدة مدن بها ولاة أمور : فأما الوجه القبلي ابتداؤه من مصر والجيزة وانتهاؤه الجنادل نخو شهرين ، فأول أقاليمه الجيزة وهى ذات بزين غربى وبر شرقي والنيل جار بينهما فالغربى أعرض من الشرقي ، وبقية ستة أقاليم منها ، إقليم بالشرق وهو إقليم الأطفيحية وبه اطفح، والأقاليم التى بالبر الغربي بعد إقليم الجبزة إقليم القيوم وبحره يجرى دائما ويقسم الماء منه فى مقاسم مشل دمشق ، وفيه مدينة كبيرة تعرف بسيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام ، غالبها خراب جار بوسطها البحر المذكور موضع منبعه مكان بعرف بالمنشية ، وانتهاؤه إلى بحيرة مالحة وبه تماسيح كثيرة وبه أشجار وأتمار كثيرة ويلى ذلك إقليم البهنساويه ، وبه مدينة البهنسا وهى مدينة كبيرة ويلى ذلك إقليم الأشمونين وبه مدينتان إحداهما الأشمونين المنسوب إليها الإقليم المذكور ، والاخرى منية ابن خصيب ، ويلى ذلك إقليم الأسيوطية أعظم مدنه مدينة أسيوط وهى مدينة كبيرة تضاهى مدينة غزة وبه أيضا مدينة منفلوط التى تعمل فيها النيدة الموصوفة ، ومفرود من الإقليم المذكور نيف وثلاثون بلدا مضافة إلى منفلوط ، ذكر واحد من الثقات أنه اطلع على متحصل الغلال ، المستخرجة من البلاد المذكورة ، الموضوعة فى الشون السلطانية بمدينة منفلوط ألف ألف ومائة وخمسين ألف أردبا ، ويلى ذلك من الجهة الغربية إقليم الواحات ، وبه مدينة تعرف بالواح ، وبين إقليم المذكور وإقليم أسيوط منقطع رمال ، ومحاجر مسيرة ثلاثة أيام وغربن الإقليم المذكور بلاد النوبة ، ولا فائدة في ذكرها لكونها خارجة عن الديار المصرية ، ويلى إقليم الأسيوطية أيضا من جهة الجوب إقليم القوصية به مدينة قوص ، وهى مدينة عظيمة جدا وهى أعظم مدن الصعيد يرد إليها التجار من البلاد.
الجنوبية ، الواصلون فى المراكب من البحر المالح إلى القصير تجاه جدة وبه أيضا مدينة أسوان ، وهى مدينة كبيرة كثيرة الثمر ، ويلى ذلك بلاد الكنوز ، وهى متسعة وأهلها سمران ، ولم تكن تتضمن الدواوين الشريفة ، ويلى ذلك الجنادل ، وهى مكان انحدار النيل من جبال صم وهى أخر الديار المصرية ، وبالصعيد مدن خراب من جملتها أنصنة بها عمد كثيرة جدا ويقال: إن بالصعيد من الكنائس والديورة قريب ألف ، وغالب أهله نصارى ، وبالصعيد أهرام وعددها ثمانية عشر هرما والهرم مثلك الوجوه من ذلك ثلاثة أهرام مقابلة مصر المحروسة طول أحدها خمسمائة ذراع وعرضه من أسفل كذلك ، كل حجر منها طوله ثلاثون ذراعا وعرضه من عشرة آدرع اصطنعه أهل ذلك الزمان لأجل الطوفان وفيه من العجائب ما يطول شرحه ، وأما الوجه البحرى فكلما كان من الديار المصرية إلى سواحل البحر المحيط ، فأول ذلك إقليم القليوبية وبه مدينة قليوب، وهى مدينة كبيرة غالبها خراب ، ويلى ذلك إقليم الشرقية وبه مذن الخانكة وبلبيس والصالحية، وأما مدينة قطيا فليست من الأقاليم ، وإنما هى بمفردها ، وهى مزم الذرب حتى لا يمكن التوصل إلى الديار المصرية إلا منها ، وبها حرسية وبها نخيل كثيرة ولها مينا، وهى الطينة على شط البحر المحيط، وعمر هناك الملك الأشرف تغمده الله برحمته برجين يصب من هناك فرقة من بحر النيل تعرف ببنى منجة وبإقليم الشرقية المذكور بلدان كثيرة ليس لها أسماء فى الديوان الشريف، وإنما عمرها العربان في أرض سبخة لا ينتفع بها فى الزرع وإنما استوطنوها لكونها بادية ، ويلى ذلك من الجهة الشمالية إقليم الدقهلية والمرتاحية ، وغالب الناس يظنون أنهما إقليمان لاجتماع الاسمين ، وبينهما بخر حلو يعرف بالمنزلة فرقة من النيل ، وبهذا الإقليم أربع مدن مدينة المنصورة ومدينة أشمون الرمان ومدينة فارسكور ومدينة المنزلة فأما المنزلة وفارسكور فمتحصلهما في كل سنة نيف عن سبعين ألف دينار لديوان المفرد الشريف ، وهو إقليم حسن حتى أن العارفين فضلوه على جميع أقاليم الديار المصرية ، وبها طيور حسنة الهيئة شهب الألوان مطوقة بالسواد، حمر المناقير والرجلين تسمى بالدراج ، ولها أصوات شجية تقول فى تصويتها مفسرا: يفهمه أهل ذلك الأقاليم طاب دقيق السبل سبحان القديم الأزل حتى إنه من سلك تلك الأرض ، ولم يكن سلكها قط ظن أنه صوت إنسان ، ومن جملة خواص هذا الإقليم أن غالب أهل بلاده يزرعون القصب والقلقاس والأرز على الماء السابح ، لأن البحر المقدم ذكره أعلى من الأرض ، وبالقرب من مدينة المنزلة ملاحة عظيمة يجلب منها إلى الديار المصرية ، ويجلب من هذا الإقليم رمان كثير جدا ، ويلى ذلك من جهة الشمال ثغر دمياط المحروس ، وهو ثغر جليل يمشى في بساتينه من أولها إلى أن يصل المدينة بريد ، والثغر المذكور على جانب بخر النيل بالقرب من البحر المحيط ، وهو من أعظم المين يرد إليه كثير من المراكب ، وبه من الأسماك والطيور ما لا يوجد في غيره قط ، حتى أنه مضمن ويباع صيفا وشتاء ، ويجلب منه إلى سائر الأقاليم بالديار المصرية طرئا وقديدا، وهناك برجان أحدهما بالثغر المذكور ، والأخر تجاه ذلك بالبر الغربى على بحر النيل ، والمراكب الواردة تدخل من بين البرجين ، وهناك سلسلة موضوعة لئلا يدخل مركب إلا بإذن صاحب الثغر ويعمل فيه سكر كثير يجلب منه إلى سائر الأقاليم ، وأوصاف هذا الثغر يطول شرحها واختصرته خوفا من الإطالة ويلى ذلك من جهة الغرب قاطع النيل إقليم الغربية ، وبه أربع مدن المخلة والنخرارية وفوة وسمنود ، وبها من البلدان الكبار التى تضاهى المذن ثلاثون بلدا ، كل واحدة منها خراجها في السنة اثنا عشر ألف دينار وبهذا الإقليم ما ينيف عن خمسمائة وأربعين قرية من جملتها بلاد السخاوبة ، كثير من الناس يظن أنها إقليم بمفردها وهى من جملة ذلك ، وبلاد المزاجميتين عديدة يظن أنها إقليم بمفردها، وهى أيضا من الغربة ، وهذا الإقليم هو أجل أقاليم الديار المصرية ، ويلى ذلك إقليم المنوفية وهو فى المقام الثاني من الغربية ، ومدينة منوف وهى مدينة كبيرة جدا غالبها خراب ، يقال: إن ملك فرعون كان أولا بها ، ومن جملتها جزيرة بتي نصر يفترق عليها بحر النيل ، وبها مدينة أبيار ، ويلى ذلك وبقية الغربية قاطع البحر إقليم البحيرة ، وهو إقليم متسع جدا وبه مدينة دمنهور ، وهى مدينة كبيرة وبالبحيرة مكان يعرف بالطرأنه بها مكان الأطرون، وهو الذى تستعمله الحياك فى القماش لا يوجد معدن ثمانية أيام بسير الإبل ، وبه عربان كثيرة لا يضبط عددهم ، حكى شخص من المطعنين في السن أن وقعت مقتلة بين غربان ذلك الإقليم فقتل فيها نيف عن ثلاثة ألاف نفر فصل في ذكر ها بالديار المصرية من المزارات والأماكن المباركة وبالديار المصرية من المزارات والمشاهد ، وقبور الصحابة والعلماء والأولياء والصالحين ما يعسر عن ضبطه فمن ذلك مشهد زنبور ، ومشهد التبر ومشهد القصر يقال: إن بهؤلاء رأس الحسن والحسين ، ومشهد به صخرة موسى، ومشهد سيدة نفيسة ، ومشهد فاطمة ابنة محمد بن أسماعيل بن جعفر الصادق ، ومشهد أمينة ابنة الإمام محمد الباقر، ومشهد رقية ابنة على بن أبى طالب ومشهد الإمام الأعظم محمد بن ادريس ، ومشهد على بن حسين بن على بن زين العابدين ، ومشهد الشيخ ابن عبد الله الكيزاني ، ومشهد أهل البيت، ومشهد على بن عبد الله بن القاسم ومشهد ابنة موسى الكاظم ، ومشهد يحيى بن الحسين بن زيد بن الحسن بن على بن أبى طالب، ومشهد أم عبد الله بن القاسم بن محمد بن جعفر الصادق ، وبه يحبى بن القاسم وعيسى بن عبد الله بن القاسم ، والقاسم بن محمد بن جعفر الصادق وابنته كلثوم ، ومسجد يعرف بيوسف الصديق ، وقبر عبد الله بن اليمان ، وقبر عبد الله مولى عائشة وقبر عروة وأولاده وقبر دحية الكلين ، وقبر روبيل بن يعفوب ويهودا أخيه ، وقبر اليسع وقبر ذى النون المصرى ، وقبر خال النبي أخى حليمة السعدية ، وقبر عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف ، وقبر عبد الرحمن بن القاسم وورش صاحب مالك ، والفقيه أبى الثريا وقبر شقران شيخ ذى النون المصرى ، وقبر الكنزى وقبر أحمد الرودياني ، وقبر الزيدي وقبر على السقطى ، وقبر الناطق والصامت وعبد الرحمن بن الزغارة والوارد، وقبر الشيخ البكار والأبار، والشيخ أبى الحسن الدينورى وابن طباطبا ، وقبر الأنبارى ومشهد محمد بن أبى بكر الصديق ، ومشهد عقان وليس أبا عثمان وكان من الصالحين وله حكاية مطوله مع عبد له زنجن الجنس ، فأساء العبد فى حقه وأحرق تيابه ، فلم يؤاخذه بل أعتقه وأطلقه فكان عن قليل ألا ، وقد توجه سائحا في مركب، فتوجه المركب من غير اختيار إلى بلاد الزنج فطلع أهل المركب إلى المدينة وهو بصحبتهم، فوجد عبده المعتق صار ملك تلك المدينة ، فأراد الاختفاء منه فعرفه واستدعى به ، وقام وأجلسه فى مكانه وصار يقبل رجليه ، وأنعم عليه بمركب موسوق من المال ، وهذا ثمرة فعل الخير تغمده الله برحمته ، مشهد عمرو بن العاص ، وقبر نصرة الغفارى وقبر عبد الله بن الحارث ، وقبر كعب الإحبار وابن أبى هريرة وقبر زليخا، والبيت الأخضر فيه قبور الصالحين ومن الأماكن المباركة العبه التي ذبحت فيها البقرة المذكورة فى القرآن ، ومقام موسى ومعبده ومقام إبراهيم ومكان يعرف بصالح العزيز، والمطرية مكان مبارك يستخرج من بشر فيه ذهن البلسم ، وهناك عين شمس وبالصعيد جبل الطير ، ويقال: الطيلحون تزوره في كل سنة جميع الطيور والجبل الساحرة وهو جبل مبارك ينذر له ، وفى غربى المنية فرية تعرف ببهدال به مشهد ينزل عليه النور ، وهناك مساجد كبيرة تعرف بيوسف الصديق والمسيح ابن مريم ، ويقال: أن بالصعيد قبر أرسطاطاليس ومسجد الردين على طريق النوبة ، ويقال أيضا: إن بالغربية مسجد الخضر عليه السلام وكثير من الصلحاء المشهورين، وبالديار المصرية وبجميع أقاليمها من الأماكن المباركة وقبور الصالحين ما لو أردنا ذكره لطال الشرح وهذا على حسب الاختصار . وما أحسن ما وصفها عمرو بن العاص رضى الله عنه في كتابه الذي كتبه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وذلك أن عمر رضن الله عنه كتب إلى عمرو بن العاص وكان عامله على مصر يقول له : أمابعد يا عمرو بن العاص إذا أناك كتابى هذا فانفذ إلي جواب تصف إلي فيه صفة مصر وضياعها ، وما هى عليه حتى كأننى حاضرها فأعاد إليه كتاب جواب كتابه يقول فيه : بسم الله الرحمن الرحيم ، أما بعد يا أمير المؤمنين فإنها برية غبراء ، وشجرة خضراء ، بين جبلين جبل رمل ، وجبل كأنه بطن أقب، أو ظهر أجب ، مكسبها ورزقها ، ما بين أسوان إلى منشا من البر ونتج من البحر يخط فى وسطها نهر مبارك الغدوات، ميمون الراحات ، يجرى بالزيادة والنقصان كمجارى ، الشمس والقمر، له أوان تطهر إليه عيون الأرض وينابيعها مسخرة له ، بذلك ومأمورة له ، حتى إذا أظلم عجاجه ، وتغمطمت أمواجه ، وأعولت لججه ، ولم يبق الخلاص من القرى بعضها إلى بعض في خفاف القوارب ، أو صغار المراكب ، التي كأنها في الحبائل ، ورق الأبابل ، ثم عاد بعد انتهاء أجله ، نكص على عقبه ، كأول ما يدا فى دربه ، وخيما في سربه ، ثم استبان مكنونها ، ومخزونها ، انتشر بعد ذلك أمة مخفورة وذمة مغفورة لغيرهم ما سعوا به من كدهم، ولا ينالون بجهدهم ، شعثوا بطون الأرض ورابيها ، ورموا فيها، ما يرجون به من الرت النما حتى إذا أحدق وأبسق أسبل قنواته سقاه الله من فوقه الندى ، ورباه من تحته بالشرى وربما كان سحاب ، مكفهر الأوابل وربما لم يكن ، وفى ذلك زمانا يا أمير المؤمنين ما يغنى ذبابة ، ويدر جلابة ، فبينا هى برية غبراء ، إذ هى لجة زرقاء ، إذ هى مدرة سوداء ، إذ هي سندسة خضراء ، إذ هى ديباجة رقشاء ، إذ هى درة بيضاء ، فتبارك الله أحسن الخالقين، وفيها ما يصلح أحوال أهلها ثلاثة أشياء ، أولها لا يقبل قول رئيسها على خسيسها ، والثانى يؤخذ ثلت ارتفاعها وبصرف فى ترعها وجسورها ، والثالث لا يستادى خراج كل صنف إلا منه عند استهلاله، والسلام .
وقال بعض أهل الفضل : رأيت بها في أوان واحد مجتمعا وردا ثلاثة ألوان ، وياسمينا لونين ونيلوفر لونين وأسا ونسرينا ، وريحانا لونين ، وينفسجا ومنثورا لونين وزنبقا وترنجا وليمونا وطلعا ورطبا وموزا وجميزا وحصرما وعنبا وتينا أخضر ولوزا وقثاء ومقوصا، وبطيخا ألوان متعددة ، وباذنجانا والباقلاء الأخضر ويقطينا وحمضا أخصر ورمانا وهليونا وجبنا عدة أصناف وجوزا أخضر وقصب سكر ، ومن البقول والخضراوات ما يعسر ضبطه هذا ما رأيته في غيرها قط .
فصل فى ذكر تغر الإسكندرية وهو أجل ثغور الإسلام وأعظمه يشتمل على سورين محكمين، بها عدة أبراج يحيط بها خندق يطلق فيه الماء من البحر المحبط عند وقت الضرورة ، وللثغر عدة أبواب محكمة حتى أن على كل بأب منها ثلاثة أبواب من حديد ، وبأعلى الأبراج مناجنيق ومكاحل ، وفى وقت الضرورة يعلق على كل شرافة قنديل ، وهذا الثغر فى غاية التحصين ، وعلى كل برج منه أعلام وطبلخاناه وأبواق ، وحرسيه يشهر ذلك وقت الضرورة وهى مدينة مركبة على العمد ، وشبهها بعضهم لرقعة الشطرنج لأن جميع شوارعها ، وأزقتها ناقذة بعضها إلى بعض، وبالثغر قصر السلاح مملؤ بالعدد المتنوعة ، حتى أن لو جاء إليه أهل الديار المصرية لكفاهم في اللبوس ، وحكى بعض الثقاه أنه اطلع على تأريخ الهروى فرأى فيه أن بالثغر المذكور اثنى عشر ألف قبلة ، وبه من الجوامع الحسنة والمدارس المرخمة والمنقوشة ما يطول شرح وصفهم ، وبالثغر مكان يعرف بدار السلطان بها دور متسعة وهى عجيبة من عجائب الدنيا ، وبها دار عظيمة وبها تخت الملك ، قيل : إنه لم تعمر دار وسعها أنشاها في الأصل المقوقس ، ثم بعده جوهر الموتفكي ، ثم بعده صلاح الدين بن أيوب ثم بعده الملك الناصر فرج بن برقوق ، وبها من الأعمدة الرخام الملونة والقياع المفروشة بالرخام الملون، والأماكن المزخرفة والبساتين الحسنة ما يطول شرح وصفه وهى مشرفة على البحر المحيط لا يسكنها إلا السلاطين خاصة ولم تزل إلى الأن مقفوله ، وقد استأذنت المقام الشريف الملك الأشرف على السكنة فيها، حين كنت نائب السلطأنه الشريفة بالثغر ، فأمر لى بذلك وزوجنى بأخت زوجته خوند الخوندات جلبان تغمدهم الله برحمته ، ولم يكن سبق لأحد ذلك من نواب الثغر، ونصب بالقاعة العظمى من الحلل ما لا يوصف ، ومن جملة ذلك سبعة بشاخين مختلفة الألوان ، وأشياء عجيبة مما يطول شرحه ، وبوسط الثغر خليج ممتد يأتى من بخر النيل يصب في البحر يروى جميع الثغر وبساتينه ، ومسافة بساتينة من أولها إلى أخرها مسيرة يوم للختال المجد ، ويعمل بهذا الثغر من الأقمشة العجيبة التى لا توجد في غيره ، والأشياء المفردة مما لو أردنا أن نشرح ذلك لاحتجنا إلى عدة مجلدات . واتفقت نكتة أحببت ذكرها ، وهى أنه حكي أنه كان بالثغر تاجر يقال لهز الكويك ، عمر به مدرسة مشهورة الأن صرف عليه جملة من متحصل فائدة يوم واحد فقط، والمشاع بين الناس أنه كان متحصل الثغر للديوان الشريف، خاصة في كل يوم ألف دينار من جهات متفرقة ، وبه قناصلة وهم كبار الفرنج من كل طائفة رهينة ، كلما حدث من طائفة أحدهم ما يشين في الإسلام يطلب منه .
وبظاهر الثغر عمود يعرف بالصوارى عجيب من عجائب الدنيا فى طوله ، حتى يرى لمسافرى البحر من مسيرة يومين ، وأما غلظه قيل : يدور عليه ستة عشر نفرا بالباع وحكى أن شخصا صعد على هذا العمود وأطلع حمله أمر هذا فى غاية العجب، وبالثغر من المزارات والأماكن المباركة ما يطول شرحها ، منها مشهد دانيال عليه السلام ، وجابر الأنصارى وابن الحاجب المالكي وأبى الطرطوشى وأبى العباس المرسى وياقوت العرشى وعبد الله الراسي وقاسم القبار وأبى فتح الواسطي ، وغير ذلك من الصلحاء والأماكن المباركة ، وأما ترتيب الثغر وطرائقه وحراسه وما يناسب ذلك فعجيب من العجائب، وغالب أهل الدنيا يردون إليه بزا وبحرا يجلبون إليه البضائع وكذا يجلبون منه ، وكان به المنارة التى بناها اسكندر ذو القرنين ، وهى إحدى من عجائب الدنيا ، يرى فيها المراكب إذا سارت من بلاد الفرنج ، وهى الأن مهدومة فصل فى ذكر الشام ومعنى الشام الطيب ، وقيل: فى قوله : إنما سميت شأما لأنها عن شمال الكعبة ، سمى باليمن ما كان عن يمين الكعبة وقيل: غير ذلك وقيل فى قوله تعالى : { الذى باركنا حوله } [سورة الأسراء: الأية 1] قال السهيلنى : هى الشام . وقال تعالى : { وأويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين ] [سورة المؤمنون : الأية 5] قيل إنها دمشق . وقنم الأوائل الشأم خمسة أقسام ، الأول فلسطين وأول حدودها من طريق مصر أمج وهى العريش ، ثم يليها غزة ثم رملة فلسطين ، ومن مدنها إيليا وهى بيت المقدس ، وعسقلان ولذ ونابلس ومدينة حبرون المعرفة بالخليل عليه الصلاة والسلام ، ومسيرة فلسطين طولا أربعة أيام من أمج إلى اللجون، وعرضها من يافا إلى أريحا والثاني حوران ومدينتها العظمى طبرية ، ومن مدنها الغور واليرموك وبيسان والثالث الغوطة ومدينتها العظمى دمشق وطرابلس ، وقيل: إنها من الأرض المقدسة وصفد وبعلبك وما يشتمل عليه تلك الأماكن من المدن، والرابع حمض ولا تدخلها حية ولا عقرب ، وقيل: نزل فيها من أصحاب رسول الله، خمسمائة ، ومن أعمالها مدينة سلمية ، وفيها مزار على بن أبى طالب رضى الله عنه ، والخامس قتسرين ومدينتها العظمى حلب وحماة وسربين وأنطاكية ، يقال : إنها قرية حبيب النجار أما المملكة الغزاوية بها مدينة غزة وهى مدينة حسنة بأرض مستوية وهى كثيرة الفواكه ، وفيها من الجوامع والمدارس والعمارات الحسنة ما يورك العجب، وتسمى دهليز الملك ، ولها معاملات وقرى وهى مملكة متسعة ، وأما مدينة الرملة فليست هى مملكة وإنما هى إقليم تشتمل على قرى عديدة ، وهى مدينة حسنة بها جوامع ومدارس ومزارات من جملتها الجامع الأبيض عجيب من العجائب، وقيل: إن بمغارته من قبور الصحابة أربعون قبرا، وبها من الأماكن المباركة ما يطول شرحه ، وقبران من إخوة يوسف عليه السلام ، وقبر أبى هريرة وقبر سلمان الفارسي ، والقدس الشريف وبلد الخليل تقدم وصفهما في مخلهما . وأما المملكة الكركية فليست هى من الشام وهى مملكة بمفردها ، وتسمى مآب وهى مدينة حصينة معقل من معاقل الإسلام ، بها قلعة ليس لها نظير في الإسلام ولا في الكفر، تسفى حصن الغراب لم تكن فتحت عنوة قط ، وإنما فتحها المرحوم صلاح الدين يوسف بن أيوب بعد فتح القدس في سنة ثلاث وتمانين وخمسمائة .
وكانت بيد البرنس أرناط ، وكان يتعرض إلى حجاج بيت الله الحرام ، والحكاية فى ذلك يطول ، وملحص القضية أنه نزل بعسكره بجدة إلى الكفار على وقعة حطين ، فنصر الله أولياءه وخذل أعداءه وأظهر دينه ، وأمن السلطان صلاح الدين من جميع ملوك الكفار ، وكان من جملتهم البرنس أرناط صاحب الكرك ، فحصل الفتوح في واسطة ذلك ، واستمرت الشوبك مدة بيد الكفار إلى أن قدر الله بفتحها بسبب عجيب، وذلك أن والدة أرناط تسببت فى فتح ذلك لخلاص ولدها ففتح الحصنان.
وقتل أرناط والشوبك مضافة إلى الكرك وهى حصينة أيضا، ومسيرة معاملة الكرك من العلى إلى زيزة مقدار عشرين يوما يسير الإبل ، وهى بلاد عدية بها قرى كثيرة ومعاملات، والمسلك إليها صعب فى منقطعات قليلة الماء ، حتى أنه إذا وقف أحد على ذرب من دروبها يمنع مائة فارس ، وأوصافها كثيرة اختصرتها خوف الإطالة وبه من المزارات والأماكن الشريفة مشهد داود عليه السلام ، ومكان جعفر الطيار وهو مكان مبارك يندر ، وقبر زيد بن حارثة وقبر عبد الله بن رواحة ، وقبر زيد بن أرقم ومكان، يقال : إن الإمام على زاره ، وقبر حارث بن النعمان ، وقبر زيد بن الخطاب وعبد الله بن سهل ، وجماعة من الصحابة رضى الله عنهم استشهدوا في غزوة موتة وهناك مغارة يظهر منها في كل حين نور ومشهد يوشع بن نون عليه السلام ، وقبر اسكندر ولم يعلم أنه أى اسكندر هو ، وقبر عبدالله بن المبارك وغير ذلك من المشاهد ، وأما المملكة الصفدية فإنها مملكة متسعة قيل إنها: تشتمل على ألف ومائتي قرية ولها عدة معاملات ، وأعظم مدنها صفد وهى مدينة متفرقة ثلاث قطع وهى عدية وبها جوامع ومدارس ومزارات وأماكن حسنه وحمامات وأسواق ، وبها قلعة حصينة ، يقال إنها ، لا يوجد نظيرها عشر قلاع وفتحت من قريب ، ومدينة عكا كانت حصينة جدا فلما فتحها الملك صلاح الذين بن أيوب هدم أسوراها وهى الأن مينا المملكة الصفدية ، ولما هدمها جهز قفلها بمفتاحه ، وهو حمل فرس إلى سجن قلعة الكرك ، وهو بها الأن عجيب من العجائب، ومدينة صور وهى الأن خراب ، ومدينة المعشوقة خربت إلى أن صارت قدر قرية وهى قريبة من البحر، وبالمملكة الصفدية قرى كبار نظير المدن كالمنية والناصرة وكفركنة وما أشبه ذلك وقيل: إن بالمملكة الصفدية بالشقيف ، وكابول وغيرهما سبع قلاع غالبها خراب الأن ، وبها من المزارات والأماكن المباركة بقرية حطين ، مشهد شعيب النبى ، عليه السلام ، وغير ذلك من الأماكن المباركة وأما المملكة الشامتة فإنها مملكة متسعة جدا وهى عدة إقليم ومدن وقلاع وقد تقدم أن مدينتها العظمى دمشق وهى مدينة حسنة إلى الغاية تشتمل على سور محكم وقلعة محكمة وبها طارمة مشرفة على المدينة ، بها تخت المملكة مغطى لا يكشف إلا إذا جلس السلطان عليه ، وفضائل الشأم كثيرة وبها جوامع حسنة ومدارس وأماكن مباركة وشوارع وأسواق وحمامات وبساتين وأنهر وعمائر تحير الواصف فيها ، قال بعض المفسرين : فى قوله تعالى : { إرم ذات العماد التى لم تخلق مثلها في البلاد [سورة الفجرز الأية 7-8] وهى دمشق ، وبها بيمارستان لم ير مثله فى الدنيا قط ، واتفقت نكتة أحببت ذكرها ، وهى أنى دخلت دمشق في سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة ، وكان بصحبتى شخص عجمن من أهل الفضل والذوق واللطافة وكان قاصد الحج فى تلك السنة وألف مناسك الحج على أربعة مذاهب، فلما دخل البيمارستان المذكور ونظر ما فيه من المآكل والتحف واللطائف التى لا تحصر قصد اختبار حال البيمارستان المذكور فتضاعف ، وأقام به ثلاثة أبام ، ورئيس الطب يتردد إليه ليختبر ضعفه ، فلما جسن نبضه وعلم حاله وصف له ما يناسبه من الأطعمة الحسنة ، والدجاج المسمنة والحلوا والأشربة والفواكه المتنوعة ، ثم بعد ثلاثة أيام كتب له ورقة من معناها أن الضيف لا يقيم فوق ثلاثة أيام ، وهذا فى غاية الحذاقة والظرافة وقيل: إن البيمارستان المذكور منذ عمر لم تنطفىء فيه النار ، وأما جامع بنى أمية فهو أحد العجائب الثلاث ، ولقد رأيت في بعض التواريخ أن عجائب الدنيا ثلاث ، منارة الإسكندرية وجامع بنى أمية وحمام طبرية وأما الميدان الأخضر وما به من القصور الحسنة فعجيبة من العجائب وأما مقترجات دمشق فيعجز الواصف عن حصرها ، من جملتها الجبهة والربوة والعاشق والمعشوق ، وبين النهرين ، وتخت الطارمة والتخوت والمقاسم ، والوادى الفوقاني والتحتانى ، والصالحية والسبعة ، والعناية ، وأما ما بها من الأماكن المباركة والمزارات مشهد الحسين رضى الله عنه ، ومشهد الخضر ، عليه السلام ، وقبر محمد بن عبد الله بن الحسين بن أحمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق، وزاوية الخضر ومصحف بخط عثمان، رضى الله عنه ، وبها المنارة التي أقام بها الإماء الغزالي ، ويومره الذى ملك بلاد العرب ، وقيل: إن عيسى ابن مريم ، عليهما السلام ، ينزل عليها وقبر نور الدين محمود بن زنكى ، وقبر صلاح الدين يوسف بن أيوب وقبر بلال بن حمامة وقبور ثلاث من أزواج التي ، عليه السلام ، وقبر فضة وقبر أبى الدرداء وأمه وقبر فضالة بن عبيد وقبر سهل بن الحنظلة وقبر واثلة بن الاسقع وقبر أوس الثقفى وقبر أم الحسن ابنة حمرة وقبر على بن عبد الله بن العباس ، وقبر أخيه وقبر خديجة ابنة زين العابدين ، وقبر اسكندر بن الحسن وقبر أويس القرني ، وقيل: إنه فى الرقة وقبر عبد الله بن مسعود وأبى بن كعب ، وقبر دحية الكلين ، وقيل: إن بها هابل ومغارة الجوع ، وقيل: إن بها أربعون بيتا ومائة وست وثلاثون مغارة ، وبدمشق المحروسة سبعة أنهر إذا اجتمعت صارت مثل النيل وأما ما بها من الفواكه الرطبة واليابسة والرياحين والأشياء المفردة واللطائف والأقمشة ما يطول شرحه ، وبها الثلج لا يزال على الجبال شتاء وصيفا وجميع أهلها يشربون منه ، وينقل منه إلى السلطان وأركان الدوله الشريفة ، وتقدم أن من جملة أقاليمها الرملة ، وأما مدينة بيسان فهي من معاملة دمشق وأما مدينة السلط فهى لطيفة ، وبها قلعة ولها أقاليم وهى من معاملة دمشق أيضا وأما مدينة نابلس فإنها مدينة حسنة ، وكان بها قلعة هدمت ، ولها إقليم يشتمل على ثلثمائة قرية ، وهى أيضا من معاملة دمشق وأما مدينة عجلون فلها قلعة وإقليم على عدة قرى وهى جبال وأودية وهى أيضا من معاملة دمشق ، وأما مدينة حسبان فلها قلعة خربة ، وأقليمها البلقاء تشتمل على نيف ثلثمائة قرية بأرض مستوية ، وهى أيضا من معاملة دمشق وأما مدينة صرخد فإنها مدينة عجيبة لصعوبتها، وبها قلعة حصينة من الصوان الأسود ، ولها إقليم به ما ينوف عن مائة قرية ، وهى أيضا من معاملة دمشق ، وأما مدينة الصبيبة وتعرف ببانياس بها قلعة حصينة ، وهى مدينة لطيفة يزرع بها الأرز يجلب منها إلى دمشق وغيرها ، ولها إقليم بعضه يعرف بالحوله يشتمل على مائتي قرية ، وهى أيضا من معاملة دمشق ، وأما الحوران قيل : إن به عدة أقاليم ، والمستفيض بين الناس أنه نيف عن ألف قرية ، وبها مدينة اللجاة ومذن صغار متفرقه ، وهى أيضا من معاملة دمشق ، وأما إقليم الغوطة قيل : إنه نيف عن ثلثمائة قرية وبه مذن صغار وبلدان تشابه المدن ، وهى أيضا من معاملة دمشق ، وأما إقليم نعران فهو عجيب لكثيرة أوعاره ، وأكبر بلدانه نعران، قيل : إنه نيف عن مائة وستين قرية ، وهى أيضا من معاملة دمشق ، وأما الزيدانى فهو مقارب مدنه ، وله إقليم نيف وخمسون قرية وبه أنهر كثيرة ، وهو أيضا من معاملة دمشق ، وأماكرك نوح فهى مدينة لطيفة ومن معاملتها وادى التيم ، وله إقليم مع ما يضاف إلى الوادى المذكور ثلثمائة وستون قرية ، وهى أيضا من معاملة دمشق وأما السويدية فأصلها مدينة كثيرة وهى الأن غالبها خراب ، ولها إقليم يشتمل على ما ينوف عن مائتي قرية ، وهى أيضا من معاملة دمشق ، وأما مدينة بعلبك فإنها مدينة حسنه إلى الغاية وبها قلعة حصينة بها عمد وقيل: إن سليمان عليه السلام أمر بعمارتها وببعلبك جوامع ومدارس وأماكن مباركة وأسواق وحمامات وبساتين وأنهار ما يطول شرحها، ولها إقليم حسن يشتمل على ثلثمائة وستين قرية ، وهى أيضا من معاملة دمشق ، وأما حمض فإنها مدينة حسنة وهى تشتمل على سور وقلعة ، وقيل إنها مدينة فوق مدينة ، وهى عجيبة من العجائب، وبها قبر خالد بن الوليد رضى الله عنه ، وبها جوامع ومدارس وأسواق وحمامات ، وأما يصرى فلها إقليم يشتمل على عدة قرى وهى من معاملة دمشق ، وأما البقاع العزيز فإنه إقليم به عدة قرى وأماكن متسعة ، وهى أيضا من معاملة دمشق ، وأما مدينة صيدا فهى مينا دمشق ، وهى مدينة لطيفة على شاطىء البحر المحيط ترد إليها المراكب ، ولها إقليم به ما ينوف عن مائتي قرية ، وهى أيضا من معاملة دمشق ، وأما مدينة بيروت فهى مينا أيضا وهى نظيرها ، ولها إقليم به عدة قرى وهى أيضا من معاملة دمشق . وأما المملكة الطرابلسية فانها مملكة جيدة أعظم مدنها طرابلس ، وهى مدينة حسنة بها جوامع ومدارس وأسواق وحمامات وعمائر حسنة وهى على شاطىء البحر المحبط ، يقال: إنها شأمية مصرية لحسن هيئتها ، وهى تشتمل على عدة مدن وأقاليم وقلاع وقرى على ما يأتى تفصيله ، أما مدينة صهيون فهى مدينة لطيفة وبها قلعة صهيون وهى قلعة حصينة ، ولها إقليم بمفردها به عدة قرى وهى من معاملة طرابلس وأما قلعة المرقب فهى حصينة ، ولها معاملة بها عدة قرى وهى أيضا من معاملة طرابلس ، وأما حصن الأكراد فهو حصن منيع وله معاملة به عدة قرى، وهو أيضا من معاملة طرابلس ، وأما قلعة قدموس فهى حصينة ، ولها معاملة بها بعض قرى ، وهى من معاملة طرابلس وأما اللاذقية فإنها مدينة متسعة جدا وغالبها خراب ، وهى قريبة من البحر المحيط، ولها معاملة بها قرى كثيرة ، وهى أيضا من معاملة طرابلس ، وأما جبلة فإنها مدينة لطيفة وبها قبر إبراهيم بن أدهم ولها معاملة ، وهى أيضا من معاملة طرابلس ، وأما عرقا فهى أيضا مينا، وهى من توابع طرابلس ، وأما حصن عكار فهو منيع وله معاملة بها قرىى، وهو من معاملة طرابلس ، وأما الكهف فهو منيع أيضا وهو من توابع طرابلس ، وأما الروافة فكذلك وقيل : إن المملكة الطرابلسية وتوابعها تشتمل على قريب من ثلاثة ألاف قرية ، وأما المملكة الحماوية فإنها مملكة متسعة تشتمل على مدن وقلاع وأقاليم وقرى وأعظم مدنها حماة وهى مدينة حسنة إلى الغاية تشتمل على سور محكم وأبراج عديدة ، ولها قلعة أخربها تمرلنك ، وبها النهر العاصى يحيط بها ، وبها شخاتير كثيرة وبها مفترجات كثيرة وبها جوامع ومدارس ومساجد وأماكن ومزارات مما يطول شرحه ، وأما سلمية فلها معاملة بها عدة قرى وهى من معاملة حماة وبها المحاريب السبعة ، يقال: تختها قبور التابعين وبها قبر النعمان بن بشير الصحابي رضى الله عنه ، وكان جوادا سخيا كريما ومن جملة سخائه أن شخصا من همذان كان ذا مال ، تم افتقر فغشيه وأعلمه بحاله فلما صعد المنبر قال : إن فلانا من ذوى البيوت ، وهو الأن فقير كل منكم يساعده . فقالوا : كل منا يعطيه شيئا فقال كل اثنين دينار فرضوا بذلك فقال : أنا أعجلها من بيت المال ، وأنتم تعوضوها فحسبها ، ودفع إليه من بيت المال عشرة ألاف دينار فأنشا يقول : ولم أر للحاجات عند التماسها كنعمان نعمان الندى بن بشير إذا قال أوفى بالمقال ولم يكن لكاذبة الأقوام حبل غرور فلولا أخو الأنصار كنت كنازل ثوى ما ثوى لم ينقلب بنقير متى أكفر النعمان لم أك شاكرا ، ولا خير فيمن لم يكن بشكير وأما مدينة المعزة كان اسمها ذات القصور وهى الأن لطيفة ، ولها معاملة وقرى عديدة ، وهى من معاملة حماة وبها قبر محمد بن عبد الله الصحابي وبدير مران قبر عمر بن عبد العزيز الأموى رضى الله عنه ، وأما حصن الفداوية فهو منيع وله معاملة به عدة قرى ، وهو أيضا من معاملة حماة ، وأما مدينة مصياف فإنها لطيفة ولها معاملة ، وهى من جملة معاملة حماة . وأما المملكة الحلبية فإنها مملكة متسعة إلى الغاية تشتمل على مدن وقلاع ومعاملات وقرى عديدة ، وأعظم مدنها حلب ، وهى مدينة تشتمل على سور محكم وقلعة محكمة وبها من جوامع مدارس ومساجد ومزارات وعمائر حسنة وأسواق وحمامات ما يطول وصفها ، وهى باب الملك ، وأما مدينة أنطاكية متسعة جدا بها قبر الحبيب النجار ولها إقليم به عدة قرى وهى من معاملة حلب ، وأما مدينة جعبر فهى مدينة لطيفة ولها قلعة حصينة وإقليم به عدة قرى وهى أيضا من معاملة حلب .
وأما مدينة الرحبه فهى مدينة لطيفة ، ولها قلعة وإقليم به عدة قرى ، وهى أيضا من معاملة حلب ، وأما مدينة سيجر فهى مدينة لطيفة وبها قلعة حصينة ، وإقليم به عدة قرى وهى أيضا من معاملة حلب .
وأما مدينة سرمين فإنها لطيفة ، ولها إقليم به عدة قرى وهى أيضا من معاملة حلب ، وأما إقليم الباب والبزاعة فهو إقليم متسع وبه عدة قرى، وهو أيضا من معاملة حلب ، وأما إقليم كليس وعزاز فهو متسع وبه هذه المدينتان ويسمونها الأن قرى ، وهو من معاملة حلب ، وأما العمق فليس بإقليم ، وإنما هو مكان متسع به بعض قرى وأما إقليم الجزيرة فيه قرى عديدة ، وغالب أهلها غربان، وهى أيضا من معاملة حلب ، وأما مدينة الحديدة فإنها لطيفة وبها قلعة ولها إقليم به عدة قرى وهى أيضا من معاملة حلب ، وأما مدينة إياس فإنها لطيفة ، وكان بها قلعة هدمت ، وقيل: إنها عمرت ولها إقليم به عدة قرى وهى من معاملة حلب .
وأما مدينة سيس فهى لطيفة ، وبها قلعة حصينة ، ولها إقليم به قرى عديدة غالبها نصارى ، وهى من توابع حلب ، وأما مدينة طرسوس فهى مدينة محكمة عليها سور وبها قلعة لطيفة ، وبها إقليم يشتمل على عدة فرى بالغرب من البحر المحيط، وهى أيضا من توابع حلب ، وأما مدينة مسين فهى لطيفة ولها إقليم به بعض قرى ، وهى أيضا من توابع حلب ، وأما مدينة أدنة فهى لطيفة ، ولها إقليم به بعض بلدان ، وهى أيضا من توابع حلب ، وأما إقليم الرمضانية والأوزارية فمتسع وبه بلدان ، وهو أيضا من توابع حلب ، وأما مدينة قيسارية فهى مدينة لطيفة لها سور وقلعة لطيفة ولها إقليم به قرى ، وهى أيضا من توابع حلب ، وأما مدينة عين تاب فهي مدينة حسنة عامرة ولها قلعة حصينة وهى من أحسن المدن، ولها إقليم يشتمل على قرى كثيرة وهى أيضا من توابع حلب .
وأما مدينة شيح ففيها اختلاف ، وهى من معاملة حلب ، وأما مدينة قلعة المسلمين فهى لطيفة ، وبها قلعة حصينة إلى الغاية ، ولها إقليم يشتمل على عدة قرى ، وهى على شط الفرات ، وهى أيضا من معاملة حلب ، وأما مدينة البيرة فهي مدينة حسنة ، ولها قلعة محكمة لطيفة وهى أيضا على شط الفرات ، وهناك جسر موضوع على مراكب تجوز به الركبان على ظهر الفرات ولها قرى عديدة ، وهى أيضا من توابع حلب ، وأما مدينة الرهاء فهى مدينة كبيرة تشتمل على سور وغالبها الأن خراب ، وبها قلعة حصينة وأصلها من ديار بكر ، وبها العين التى نبعث لخليل عليه السلام حين رمى بالمنجنيق ، وبها عدة قرى وهى الأن من توابع حلب .
وأما مدينة كركر فإنها مدينة لطيفة ، وبها قلعة حصينة جدا قليلة المثل ، وهى على شط الفرات ولها قرى عديدة ، وبمعاملتها قلعة خروس وقلعة أخرى لطيفة لم أحرز اسمها ، وهى أيضا من توابع حلب وأما مدينة كختا فهى لطيفة ولها قلعة حصينة ، وإقليم به عدة قرى ، وهى أيضا من توابع حلب ، وأما حصن منصور فكان حصينا منيعا وهو الأن خراب وله قرى، وهو أيضا من توابع حلب ، وأما مدينة بهسنا فهى مدينة لطيفة وعرة ولها قلعة حصينة جدا وإقليم متسع يشتمل على قرى عديدة ، وهى أيضا من توابع حلب ، وأما مدينة درندة فهى لطيفة وعرة وبها قلعة حصينة ، ولها إقليم به قرى عديدة وهى أيضا من توابع حلب .
وأما مدينة دوزكى فهي لطيفة وعرة ولها قلعة متسعة حصينة وإقليم به قرى عديدة ، وهى أيضا من توابع حلب ، وأما مدينة عربكير فهى لطيفة وعرة ولها قلعة حصينة ، ولها إقليم وبه عشر قلاع صغار وقرى عديدة ، وهى أيضا من توابع حلب ، وأما مدينة جمشكراك فهى لطيفة ولها سور وقلعة حصينة ، وبمعاملتها أربع وعشرون قلعة ولها إقليم به قرى عديدة ، وهى أيضا من توابع حلب .
وأما مدينة خرتبرت فهى لطيفة ، ولها قلعة حصينة جدا ولها إقليم به أربع قلاع وعدة قرى غالبها الأن خراب ، وهذه المدينة وعربكير وجمشكراك وقلاعهم ومعاملتهم كانت من جملة دياريكر فتحت فى أيام الأشرفية ، وأضيفت الأن إلى المملكة الحلبية .
وأما مملكة ملطية فإنها مدينة حسنة كثيرة المياه والفواكه في أرض مستوية تشتمل على سور محكم ، وسبع قلاع موشار وكومى وفرا حصار وكدربيرت وقلعة أقجة وقلعة نوحمام وقلعة الأكراد، وتشتمل على سبعة أقاليم تشتمل على قرى كثيرة وأصلها من الروم كانت تخت السلطان علاء الدين فتحت فى أيام الملك الناصر محمد بن قلاون ، وجعلها مملكة بمفردها ، وكشير من الناس يظن أنها من جملة المملكة الحلبية ، ولو أردنا وصف جميع ما يتعلق بملك مصر من المدن والقلاع والأقاليم والقرى على التفصيل والتحرير لطال المقال وحصل الملال .
الباب الثان ي في وصف السلطنة التريفة ، وها يتحلى بد السلطان من الصفات وها يفتقده لإقامة لوازمها الموظفات ووصف المواكب الشريفة والعليون لكل من ينسب إلى الملك من الخاص والعام أعلم أن السلطنة سر من أسرار الربوبية فيها ينال المراد، ويدفع الفساد ، وتحفظ بها البلاد والعباد ، ويقطع بها دابر كل من قصد العناد ، لأن من حميد مزاياها ، شرف سجاياها ، للرعايا الحراسة ، وللرياسة السياسة ، وللسلطان أيده الله حماية بلاده ، وحراسة دينه وتثبت أوتاده ، وحفظ ما افترض الله من الأحكام ، لأنه ارتضاه من بين الأنام ، لإقامة الحدود وفعل الواجب واجتناب الحرام ، وأوجب على الرعايا طاعته فيما أمر به والاستسلام ، وجعل أمورهم معفودة به في النقص والإبرام ، فهو أيده الله فم الأرض ، به تقام شعار السنة والفرض ، ومن أراد إدراك شرفها وفضلها ، وأن يكون أحق بمعرفتها وأهلها ، فلينظر إلى أثارها ، وليتحقق خطر أقدارها فيرى من ثمرائها ، للبلاد الحراسة ، وللنفوس السلامة والسياسة ، وللأموال الحفظ وللأرزاق الإدرار ، وللعلم النشر وللدين الإظهار، بردع الظلمة وقمع البغاة والمتمردين، والانتقام من جميع المعتمدين المفسدين، وإقامة مصالح الذين والدنيا وينتظم قوام أمر الأخرة والأولى ، فيكتب له أيده الله تعالى ، مثل أجور تلك الطاعات ، وفضائل جميع تلك العبادات ، فليلازم شكر الله تعالى الذى خضه بهذا الإكرام ، وأعلى قدمه على رؤوس جميع الأنام ، وإذ قد تحقق بأن السلطنة بهذا المحل الأسنى ، والشرف الذى فاق جميع الأحوال حسا ومعنى ، فسلطنة مصر والشام التى تبت فضلها على سائر الدنيا ورقى سلطانها ذروة الدرجة العليا ، وتجلى بجميل الأوصاف ، كأن سائر ملوك الأرض له تدين ومنه تخاف ، وكان النبي، مالك زمام الدنيا على التحقيق ثم انتقلت الخلافة إلى الإمام أبى بكر الصديق ، ثم توارثها الصحابة والخلفاء رض الله عنهم أجمعين ، واحد بعد واحد إلى أن صارت الأن بالمبايعة من أمير المؤمنين، باتفاق أهل الحل والعقد والعلماء ، وأركان الدوله الشريفة ورضى السادة الأمراء، والجيوش المنصورة وإخراج الأموال من بيت المال والنفقة على الجند وطاعة المدن والقلاع وما كان ناقصا عن ذلك كان نقصا فيها، والسلطان أيده الله تعالى تجب عليه أمور وتجب له أمور أما الواجب عليه فطاعة الله تعالى، والتقوى أن يأخذ نفسه برعاية أحوالها ، ويروضها فى أفعالها ، ويعلم أنه متى قدر على سياسة نفسه كان على سياسة العباد أقدر، وقد قيل قديما: لا ينبغى لذى لت أن يطمع لطاعة غيره وطاعة نفسه ممتنعة عليه ، أتطمع أن يطيعك قلب سعدى ونعلم أن قلبك قد عصاكا وقد تزين للإنسان نفسه حسن الظن بها فيبقى، وهو لا يعلم أنه في أمرها مرتهنا فيكون ممن زين له سوء عمله فرأه حسنا واجتناب أشياء منها الكبر والتجبر فهما جالبان سخط الله تعالى . قال عز وجل : {كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جباره [سور غافر الأية 35) . وقال عليه السلام : إلا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال درة من كبر ومنها العجب، وهو من المهلكات .
قال الله تعالى : { ويوم خنن إذ أعجبكم كشرتكم فلم تغن عنكم شيئا} سورة التوية: الأية 25) وقال عليه السلام : لثلاث مهلكات شخ مطاع وهوى متبع وإعجاب المرع بنفسه ا ومنها الغرور وهو مضل بصاحبه على العطب سائق له إلى ورطات هلاك ذات شعب ، وهو أن يرى الأحوال في مباديها منتظمة في سلك السداد ، فيظن هذه الحالة واجبة الأطراد، فيغتز بذلك ويهمل التأهب ويغفل عن الاستعداد، ومنها الشح وهو من الأسباب التي صرح رسول الله وقال تعالى . { ومن يوق شخ نفسه فأولئك هم المفلحون)} [سورة الحشر الأية 9] ومنها الكذب ويكفى في ذمه أنه بجانب الإيمان ، ويستلب خصيصة الإنسان ، فهذه الأشياء يتعين على كل ذى فطنة ولت ودراية أن يصون شرف نفسه وعز سلطانه، وحسن سمعته عن ذلك ، ويجب عليه أيضا أيده الله أن لا يسارع إلى اتباع الشهوات، وأن يجانب سرعة الحركات ، وخفة الإشارات ، فإن أنفاس السلطان منحوطة، وألفاظه منقوله ، ولقد قيل : تكلم أربعة من حكماء الملوك بأربع كلمات كأنها مقتبسة من جدوة نور مجموع ، أو منتخبة من قرارة ينبوع فقال ملك الروم : أفضل علم العلماء الصمت ، مقال ملك الفرس : إذا تكلمت بالكلمة ملكتني ولم أملكها ، وقال ملك الهند : أنا على رد ما لم أقل أقدر منى على رد ما قلت ، وقال ملك الصين : ندمت على الكلام ولم أندم على السكوت ، وقال بعض الحكماء: إذا دعت الحاجة إلى الكلام فليعتبر الإنسان قبل أن ينطق به ، فإن كلام الإنسان ترجمان عقله وبرهان فضله ، وقد اختار حكماء الملوك جهارة الصوت في كلامهم ليكونوا ذا هيبة لسامعهم ، ويجعل وعيده بالتأديب على قدر الذنوب : فقد زوى عن أبى بكر الصديق ، رضى الله عنه ، أنه كتب إلى عكرمة ، وهو عامله بعمان يقول : إياك أن توعد فى معصية بأكثر من عفوبتها، فإنك إن فعلت أثمت ، وإن لم تفعل كذبت وكلا الأمرين ذميم ، ويجب عليه أيضا أيده الله الاجتهاد في منع نفسه من الغضب ، فإنه شز قاهر فإن قدر عليه وغلب عليه ، فلا يمضى في تلك الحالة فعلا ولا ينقذ حكما وقيل : إن ملك الفرس كتب كتابا ودفعه إلى وزيره ، وقال له إذا رأيتنى قد غضبت فادفع إلى هذا الكتاب ولا تؤخره ، وكان فيه مكتوب ما لك وللغضب لست بإله معبود ، إنما أنت بشر مخلوق إرحم من في الأرض يرحمك من في السماء وكذلك يجب عليه الأحتراز من اللجاج، فإنه أليف الغضب وحليف العطب ، ولا يستعمل فى الناس كلهم حالة واحدة بل يعتمد من الخالات في قضية ما يليق بحال صاحبها من لين وشدة ، وإقبال وإعراض وإحسان وإساءة وعفو وعفوبة وانتقاء وإقدام وإحجام وإجابة ، ومنع وزيادة ونقصان وبشر وقطوب وظهور واحتجاب فإن استعمال كل حالة في مخلها مع مستحقها أكمل تدبيرا وأثم رأبا، فإن طباع العالم مختلفة وأخلاقهم متفاوتة ، فمنهم من يصلحه الإقبال عليه والإحسان إليه ، ومنهم من يصلحه الإعراض عنه والانتقام منه ، ويتعين على الملك أيده الله استمالة الأعداء من ذوى المقدرة ، ويجتهد في إصلاحهم ، فإن لم ينجح فيهم إصلاح واستمالة يعدل بهم إلى طريق المدارة اللائقة بهم ، إلى أن يلوح له وجه الفرصة ويمكنه المواخذة بالانتقام فينتهز لذلك بالمبادرة ، ولا يؤخره عن وقته، فإن تأخبره مضز وإهماله مفسد ، وليعلم الملك أن من أعم الأشياء نفعا وأعظمها في مصالح الملك وقعا كتمان سره وإخفاء أمره ، ولا يطلع أحدا على ما قد عزم على فعله قبل تمامه ، ولا يتحدث بما يريده من المهمات قبل إبرامه فإن ذلك أقوى أسباب الظفر ، وقد ندب رسول الله إليه فقال : استعينوا على الحاجات بالكتمان وثقل عن على كزم الله وجهه أنه قال : سرك أسيرك فإن أظهرته صرت أسيره .
وقال بعض الحكماء : لسانك فرسك إن حفظته حرسك وإن أطلقته افترسك ، وقال بعضهم في ذلك ، احفظ لسانك واحترس من لفظه فالمرة يحفظ باللسان ويعطب وإذا كسيت ثوب مذلة ولقد كسى ثو المذلة أشعب لكن من الأسرار والأمور ما لا يستغنى فيه عن اطلاع نصيخ شفيق فيستعين الملك برأيه في المهمات ، وينتفع بفكره في الحوادث، ولا يثق بكل متملق ، ومتى حدث أمر من الأمور الجليلة يكثر الاستشارة فيها من يراه أهلا لذلك ، ويسمع رأى كل وأحد منهم على انفراده ، وينظر فى جميع ما يسمعه ، ويعمل بما هو الأقرب إلى نيل المطلوب، والاصوب في وقع المرهوب ، ولا يهمل الأحتراس والحذر فى عواقب الأمور ، ويجتهد أن لا يفتح بابا يتعب في سده ، ولا يرمى حجرا يعجز عن رده ، وقد قيل في ذلك شعر.
وإياك والأمر الذى إن توسعت موارده ضاقت عليك المصادر فما حسن أن يعدر المرء نفسه وليس له من سائر الناس عاذر ولا يجعل الملك أوقاته كلها مصروفة إلى نوع واحد، فإن ذلك إن كان جدا واجتهادا في مصالح الملك ، والنظر فى تدبيره ضجرت النفس منه وستمت الفكرة فيه ، وربما يؤدى إلى خلل وروى عن عمر بن عبد العزيز، رضي الله عنه ، أنه قال: نفسى مطيتى إن أجهدتها كبت بى وإن كان لهوا أو قضاء شهوة أدى إلى تضيع الملك ، وفساد أموره بل عليه أن يقسم أوقاته، فيجعل منها قسما إلى التضرع إلى الله تعالى، والقيام بشكر نعمته وأداء عبادته بخشوع وقسما إلى النظر في مصالح ملكه ورعيته ، وقسما إلى الاختلاء بنفسه لراحته ، وقسما لركوبه على جارى عادته ، وقسما لجلوسه لكشف قضايا رعيته ، وقسما لدخول الجند عليه لأداء وظيفة خذمته ، وقسما لإحضار من يحضر من الرسل لأداء رسالته ، وقسما لاستئناسه بمن يحضر لمحادثته من أخصائه ، وقسما لسكونه ومنامه وقيلولته .
وكذلك يتعين على الملك أن يستعين في الأعمال بكفاءة العمال ، ويعتمد في المهمات الثقال بإجلال الرجال ، فقد قيل : من استعان في عمله بغير كفو ضاع ومن فوض أمره إلى من هو عاجز عنه فقد أفسد وأضاع وليحذر كل الخذر من توليته أحد أمرا من أمور المملكة الدينية أو الدنيوية بشفاعة شفيع ، أو رعاية الحرمة أو قضاء حق إذا لم يكن أهلا لذلك ، فإن أراد مكافاة أحد من هؤلاء فليكافيه بالمال والصلاة ، ويقطع طعمه عما لا يصلح له من الويلات . وكان على باب كسرى خشبة من ساج منفوش عليها بالذهب، الأعمال للكفاءة والحقوق على بيوت الأعمال ، ويتعين على الملك أيده الله أيضا عشرة أمور الأول : حفظ بيضة الإسلام من ناحيته ، لئلا تقوى عليه شوكة كافر ولا يصل إليه فاجر بإقامة الأمراء والأجناد، وإعداد الأهب والاستعداد وإقامة الحرسية والبطائقية وأرباب الإدراك والثاني تفقد الأعمال والحصون والثغور باعتبار أحوال ولاتها، والتبادر فى إصلاح عمارتها ومهماتها وذخائرها ، الثالث السياسات لدفع المفسدين وردع المعتدين ، الرابع إقامة حدود الله المانعة من ارتكاب المحارم ، فقد جعلها الله تعالى حراسة لحفظ النفوس والأموال ، وأمر بإقامتها فلا يحل إسقاطها بشفاعة ولا سؤال، الخامس : دوام تمسكه بحبل الشريعة والتزامها واعتماده في أمره على نقضها وإبرامها ، واعتباره أمور القائمين بأحكامها ، السادس : النظر إلى إقامة ما يلزمه من كسوة بيت الله الخرام ، وعمارة الجسور ليحصل بها النفع للأنام ، والنظر فى أقطاع الأمراء والأجناد والأرزاق ذوى الحقوق من العباد، والسابع : تيقظه على جهات الأموال لاجتلات أنواعها، ومواطن الغلال التى بها تقوية البلاد باعتبار مزارع ضياعها ، الثامن : استخدام الكفاة والأمناء ، واستعمال النصحاء والأقوياء .
التاسع : اجتهاده في كل وقت لكشف المظالم ، وإقامة فريضة العدل لإزالة المظالم العاشر التطلع إلى متجددات الأحوال وحوادث الأمور واستعلام ما يتجدد منها في الأطراف ، مخافة طريان مكروه ومحذور ، وكذلك كل مكان قريب وبعيد ، فتصير حركاته محمودة وهو سعيد ، وأن يجعل بمليها عيوبا بصددها ، وتقية يعتمدهم لرصدها ، ويتعين على الملك أيده الله تعالى تعظيم أهل العلم الذين هم هداة الإسلام والأخذ بخواطر الأمراء والجند ، وتفقد أحوال الرعية ، ويكون حكمه موافق الشرع الشريف على أى مذهب كان من الأربع ، وأن يكون حليما ولا يعجل بعفوبة ولا يعطل الحدود ، ويصون عقله من العجب ، وعطاؤه من السرف وإمساكه من البخل ، وذهنه من البلادة ولفظه من السفاهة ووقاره من الكبر ، ويجتهد أن لا يلفظ لسانه إلا خيرا ، وأن لا يكون متوانا في أمور المملكة ومصالح الرعية ، ولا متغفلا عما ينقل من أخبار رعاياه ، وأن يفحص عن حقيقة ما ينقل إليه فيعتمد الصدق ، ويردع الكاذب لئلا يحدث الفساد، فإن عدل ساعة من الملك بعبادة سبعين سنة ويعرض الجيوش في كل حين ويتفقد أحوالهم ليصيروا محتفظين على أسلحتهم، وأمتعتهم ، ولا يتركهم مهملين يضيعون غالب ذلك ، وإذا بدا له أمران أحدهما إظهار أبهة ، وصرف مال من غير ضرر لأحد والأخر احمال وتحصيل مال فيفعل الأول، وإذا بدا له أمران أيضا أحدهما مصلحة نفسه وتغيير خواطر جنده ، والأخر ضد ذلك فيقدم فعل الثاني إلى أن يتوصل إلى فعل الأول باستجلات خواطر الجند ويبدى لهم أمورا توطن نفسهم على الرضى بذلك ، وإذا لم يكن رضى فيكون عدم تغيرهم ، ويكون فى ظاهر الأمر موافقا لعفولهم ، وفى باطن الأمر موافقا لمصلحته ، وإذا أراد البطش بمن يتعين عليه البطش ، ويتوصل إلى ذلك بأسباب يقيم بها الحجة عليه ، ويظهر للناس أن الذى فعله الملك به معدور وأن لا يشغل فكرته بأسباب المتجر ، فيحصل من ذلك مفاسد كثيرة ، ومنها اشتغال ذاته عن مصالح المملكة .
ومنها تعطيل أحوال التجار ، وقطع رزق غالب المسترزقين من أرباب كل ألة ، فإنهم لا بذ يستعملون في المهمات الشريفة بالأجرة الناقصة ، وأن يكون سمحا رطب القلم ولا يكون سريع الانفعال ، ولا يكون كثير التخيل ، وأن يكون حدورا ولا يثق بقول من ظهرت منه خيأنه لملك غيره ، إلا أن تكون تلك الخيأنه صادرة منه لعده إنصافه .
وهو أهل للإنصاف ، أو رجع عن ذلك وتاب وحسنت سيرته ، ودام على ذلك ، ولا يقرب من آتاه هاربا من عند ملك نظيره ، ولا يفشى له سره بل يكرمه ويبعده عنه ، فإن كان هاربا ممن بينه وبين الملك عداوة فلا يشك ، إما أن يكون قليل الخير ما حفظ خير مخدومة ، أو لمكر ما ليطلع على أحوال الملك فيراسل من هو هارت منه ، وربما ينقر خواطر الجند بكلامه ، وإن كان هاربا من صاحب الملك ، فيكون عدم تقربه له امساكا لخاطر صاحبه ، فإن كان قد وجب على الهارب القتل من المهروب منه ، واستجار بالملك المهروب إليه ، فقد تقدم الكلام عن ذلك في قول أمير المؤمنين إناك وتعطيل حدود الله وإن كان قد أذنت ذنبا ، واستغفر منه فينبغى التشفع فيه ، وإعادته إلى مخدومة ، وإذا أمن أحدا فلا يبدى له سوءأ ، وإذا قدر عفى ويقبل توبة من تاب أو يجزيه في الأقوال والأفعال ، فإن صح له ذلك أعاده إلى ما كان عليه قبل وقوعه في الذنب ، وفى الحقيقة لا يصير إلى ما كان عليه أولا وقد يمكن أنه يتوصل إلى أسباب تزيده رفعة عما كان عليه ، ولا يحكم فى طائفة أقلهم إلا أن يكون أقل من طائفة غيرها ويظهر منه أشياء تقتضى السيادة ، وقد قيل : موت العلماء والعقلاء وإن كان عظيما فهو أهون من تقدم السفل على رقاب الأحرار ، وأن لا يهزل ولا يمازح ولا يقول ما لا يفعل ، إلا أن يكون أمرا يريد به التوصل إلى أغراض ، ولا يشكر نفسه إلا إذا ذكرت بعض أوصافه عند من له ذوق وعقل ، ويتحقق محبته له واطلع على بعضها ولا يكفر النعمة ، ولا يشكر زمانا مضى ويستحسنه على ما هو فيه إلا أن يكون صالحا لدينه ، ولا يظهر لأصحابه قلة قدرته على أعدائه ، ولا يأمر بما لا يستطاع لما قيل فى المعنى : إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع ولا ينقل ما لا يتحققه ، فيروى عنه فيبحث السامع عن ذلك فيجده غير صدق ، فيصير منسوبا إليه لا إلى ذلك ، ويحفظ المودة ، وإذا بدا له من صديقه زلة لا يقاصصه في الحال بها بل ينظر ما يصدر منه بعد ذلك ، فإن وجده قد رجع فلا يظهره أنه اطلع على ذلك ، وأن علم المبدى أنه اطلع عليه ، فلا يظهره الملك على أنه ناير ، ويبدى له أشياء يوطن بها نفسه ، وإن لم يحمل تلك الأمور قلت أصحابه وبقى فريدا ومن الأمثلة الجارية على ألسنة الناس نحس تعرفه خير من جيد لا تعرفه ، والظاهر أن الذى أراد بذلك أن النحس الذي تعرفه تحترز مما يصدر منه ، والجيد الذى لا تعرفه ريما تركن إليه فيصدر منه ما لا حسبته ، وإن وجده مصرا على ذلك ولم يرجع عما هو عليه فيتركه ، ويحفظ له المودة فى الباطن، ويعزره بحسب ما يليق به فيكون تعزيره فيه ردع لغيره واشتفاء منه ، لكن يكون أخف من تعزيز غيره لأنه سبقت له مودة ، ويبعده إلا أنه يحتاج إلى قوت يقرره له بحسب ما سبقت له من الخدمة .
وإذا ذكره أحد في مجلسه بسوء لا يمكنه من ذلك ، ولا يلتفت إلى قوله ، فإنه قد حصل له التعزيز وإذا ذكره أحد بخير فيفحص عن حقيقة ذلك في الباطن ، وهذا على سبيل والاختصار من مكارم الأخلاق ، وإذا تزوج أو تسري فالأولى أن تكون بكرا ويمنع العجائز من الدخول إلى آدره ولوكن صالحات ، وأن لا يسلك مسلكا يتهم فيه ولا ينكر عليه غيره، ولو كان فى الباطن على الحقيقة ، فإن للناس ما ظهر ، ولا يتقرب إلى شىء مما لا يوافقه في دينه ودنياه ، ويقول في نفسه : هذا لغرض ما وما أنا بواقع فيه ، فإنه ليس بمحمود لة فإن من حام خول الحمى يوشك أن يوقع فيه ، وأن لا يضرب مثلا يقصد به إصلاح شخص لا يفهم ذلك المثل ، فيأخذه بالعكس فيحصل منه مفسدة ، وإذا علم أن شخصا مذنب وهو خائف من ذنبه فلا يذكر حكاية فيها عفوبة ، وهو قاصد معنن ما فيظن الخائف أنه المراد بذلك ، فيحصل منه مفسدة أيضا وإذا أراد التوصل من أحد إلى شىء من أغراضه ، وكان مستحيا أن يواجهه به فيسره إليه مع أحد من جهته، وإن أراد أخفى ذلك بحيث لا يقهم أحد ضميره فيضرب له مثلا بمعفول من ذاته يدل على وصول الغرض إلى ذهن المخاطب مثاله . إنه إذا كان من صحن ، وبجانبه أخر يأكل من ذلك الصحن، ومذ يده إلى قدامه فيضرب له مثلا عند المائدة مرة أخرى فيقل: كان زيد يأكل مع عمرو وكان يسال عن كيفية الأدب فى الأكل ، فكان يوصيه أشياء من جملتها يقول : كل مما يليك ، ويستدل له على ذلك بالحديث الشريف النبوى فيفهم العاقل معنى ذلك ، وأنه إذا أراد عزل من هو موليه شيئا من أموره ، ولم يظهر عيبه للناس فيشرع في مذمة بعض أفعاله ، حتى يليق بعفول الناس عزله ، وأن يستعمل الرفق والسياسة في جميع أموره ، وأن لا يكون حليما قطعا فيهدر ، وأن لا يكون بالضد فيفر منه ويقهر بل يكون أمره وسطأ كما قال رسول الله خير الأمور أوسطها ، وقد أنشد بين يديه ، ولا خير فى حلم إذا لم يكن له بوادر تحمى صفوة إن تكدرا ولا خير فى جهل إذا لم يكن له أريب إذا ما ورد الرأي أصدرا وأن يكون مجتهدا في أمور يكتسبها نقربه إلى الله تعالى ، ويصير فى ذاته ذا أبهة وعند الناس مميزا، فأنه ليس خاف عن ذوى الألباب ما مدح الله به المتقين ، خصوصا أصحاب الأعمال الصالحات ، ولا سيما إن كان ملكا ونفعه عام فيحته الله بإكرام له ، فإنه من لا يحب لا يكرم ، ولا شك أنه يكون محبوبا لله لقوله : { إن أكرمكم عند الله اتقاكم [سورة الحجرات: الاية 13] . وروى في الحديث أن الله تعالى إذا أحب العبد أمر جبريل عليه السلام ، أن ينادى فى الشماء الدنيا ، إن الله أحث فلانا فأحبوه ، وإذا كان متقيا كان محبوبا، وإذا كان محبوبا نودى له بذلك .
وقد تقدم الدليل على ذلك فيحى في هذه الدنيا حياة طيبة ويتمتع ويحصل له مقصوده في جميع الأحوال ، فيكون محبوبا لله وللمخلوفين، وظافرا بأمور الدنيا متمتعا بها ، وفائزا بالذار الأخرة لقوله تعالى : { إن المتقين فى جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدره [سورة القمر: الآية 54، 55] ، ومدح الله تعالى المتقين في آيات كثيرة في القرآن العظيم ، ويتعين عليه أيده الله أنه إذا ورد إليه قاصد من ملك من الملوك ممن هو نظيره ، أو دونه ممن لا ولاية له عليه وما تم أحد أعلى منه فلا يخلو إما أن يكون المرسل عدوا أو صاحبا أو مذاهنا ، فإن كان عدوا فينبغى أولا إظهار الأبهة والشهامة ، وما يرهبه وقيام الناموس عليه ، وأن ينزله بمكان ، ويجعل من يحترص عليه لعدم اجتماعه بغيره، بحيث أن تكون جواسيس الملك لا ينقطع عن من أرسله ، ويطالعون الملك بحقيقة الأمور ، فإن كانت الكتب الواردة على يد القاصد يتضمن خشونة الكلام ، فينظر إلى المرسل إن كان جاهلا فلا إلى كلامه ، وتكون قراءة الكتاب بخفية ، وتكون كتابه الجواب بالإلغاء عن الفضل المشوش وإن كان ذا عقل يدعى قوة فيتعين جوابه، فإنه لا يتصور أن يحدث ممن هو ذو عقل ضعيف القوة خشونة الكلام ، فيكون ذلك حمق منه مع علمه به ، وهدا من غاية المعرفة لا من الجهل، فإن الجاهل يعتمد أن الحمق منه حسن، والعاقل يبراه على حقيقته ، لكن يكون صدوره منه على سبيل النقص بالمرسل إليه ، وغاية العظمة لنفسه فيكون ترك جوابه أبلغ وأعظم مما فعله ، وما يعتقده لنفسه وفى غاية الأهبة ، كقول أهل الفضل : جواب الأحمق ترك جوابه.
وإن كان يتضمن سؤال شىء لا يمكن ، فيتعين الاعتدار عنه بما يقبله عقل السائل مع إظهاره أن القصد إجابة سؤاله ، وإن كان مما يمكن إجابته ، فينبغى ذلك ولا يلتفت إلى عداوته ، فيكون من باب السياسة ، ويكون كما قال بعضهم : من اصطلح مع الأضداد بلغ المراد ، ويكرم القصاد وينعم عليهم ، ويرسل إليه نظير ما أرسل وزيادة .
وأما ما كان مخالا فيتعين مطالعة المرسل بأن ذلك محالا ليتحققه ولا يصير له عليه عتب ، ويخاطبه بما يقتضيه عقله وإن كان صاحبا فيتعين إكرامه وإجابة سواله ، وإن كان في ذلك مشقة إلا أن يكون أمرا يؤدى إلى خلل ، فيتعين إعلامه بذلك بعد الاعتذارات ، وإن كان الصاحب جاهلا ، فيتعين مداراته بكل ما تصل القدرة إليه ، فإنه من عدم المداراة عدم التوفيق، وليس مصاحبته محمودة لكن لأجل الضرورة ، وقد قيل فى المعنى . معاداة العاقل ولا مصاحبة الجاهل والشرح في ذلك يطول واتفقت نكتة فى المعنى أحببت ذكرها ، وهى حكى أنه كان رجل حظاب ، وكان يسرح لجمع الخطب ، قوجد هناك دية فخاف منها حين أقبلت عليه ، فصارت تتملق له ، وكان معه رغيف أطعمها إياه ، فصارت تعاونه على جمع الخطب وحمله وصارت مستمرة على ذلك مدة طويلة ، فجاء يوما ومعه بعض أصحابه ورقد تحت شجرة وصاحبه ينظر إليه ويخاف يقربه من الدية ، وهى راقدة بجنبه تحرسه ، فطارت ذبابة ونزلت على وجهه ، فجعلت تنشها فتطير تم تعود، فحصل للدية بذلك غبن ، وقصدت الشفقة على صديقها فحملت حجرا تقيلا ، وأرادت قتل الذبابة لتحصل الراحة لصاحبها فجاءت من أعلى الشقيف وسقطت الحجر على الذبابة ، وهى على وجهه فكسرت رأسه فمات من ساعته ، قهرت رفيقه وأعلم أهله .
فهذه عاقبة الجاهل وإن كان المرسل مذاهنا فينبغى للملك أن لا يلتفت إلى كلامه على أنى صفة كانت بل يعامله بمعاملته للناس ، وما يضر الضحك على لحيته والخذر منه ، ويتعين عليه أيده الله عدم المبادرة إلى الأمور إلا أن يكون أمر يحصل بتأخيره مفسدة ، ويتعين عليه أيده الله أنه يلبس أفخر القماش ، ويركب أحسن المراكب بحيث أن يكون أعلى من جيشه فأنه من كمال الأبهة وكثير من الملوك يفعل بضد ذلك ، ويقول في نفسه : أنا معروف وليس ذلك بمحمود ، ويتعين عليه أنه إذا أرسل جيشا إلى جهة من الجهات ، وأقام على الجيش مقدما يكتب له تذكرة بالمقصود ، وكذلك كل من يرسل إلى مهم من المهمات ، فيصير الاعتماد على التذكرة ، ويتعين عليه أيده الله كشف أمور نوابه ، وأرباب وظائفه ويتحقق ما هم عليه ، فمن تحقق منه سلوك الطرق الحميدة أبقاه ، وإن أريد على ذلك بمبالغة الخدمة والتقرب إلى خاطر الملك والنصح ، فيرقيه إلى ما هو أعظم مما هو فيه ، ومن تحقق منه ضد ذلك فيكون الأمور بضد ما ذكر ويتعين عليه أيده الله أنه إذا حضر جماعة لشكوى أحد من المشار إليه فلا يسمع شكواهم ، لئلا تتجاسر الرعية على الحكام وينتهكون حرمتهم فيفسد النظام ، وأن يكون جوابه للشكاة لا بذ من الكشف عن هذه القضية ، وتحقيقها ، ويأمرهم بسلوك طاعته ، وعدم الخروج عن أوامره ، ويرسل فى الباطن يعرف المشكو عليه بسلوك الطرق الحميدة وإرضاء الخصومة ومسايسة الأحوال ، فإن امتثل ذلك فلا ىكلام ، وإن تكررت الشكوى من الأخصام بعينهم فيحزر القضية ، ويعزر بحسب ما يراه ، فإن لم ينصلح بذلك وإلا عزله ، ويتعين عليه أيده الله أنه إذا عزل أحدا عن وظيفته يفكر فى أمره ، إن كان له ذنوب سالفة ، فالملك باختياره إن شاء عفى وإن شاء انتقم منه .
ويتعين عليه أيده الله أنه إذا كان له قصد فى إبقاء صاحب وظيفة على وظيفته ، ورأى الناس مجتمعون على عزله ونفوسهم نافرة منه ، فلا بذ من نقلته لغيرها ، تم يولى من هو دونه فلا بذ نفوسهم تسأمه ، ثم بعد ذلك يعزله ويولى الأول ، ويتعين عليه أيده الله أن يكون جيشه فرقا ، ولا يكون فرقة واحدة ، ويتعين عليه أيده الله تعيين جيش في كل سنة في فصل الربيع يتوجهون إلى أخر ملكه ، ويعودون ليحصل بذلك الرهبة فإن كان تم مفسدون قمعوهم ، وإن لم يكن فيخشى أحد من المفسدين أن يظهر نفسه ، وكذلك تجهيز أغربة مشحونة بالرجل والسلاح في البحر المحبط يتفقدون السواحل ، فمن وجده من قطاع الطريق قمعوه ، وإن لم يجدوا أحدا ، فيكون إرهاب من تقربهم إلى المين. والمتعين على الملك أيده الله فكثير ليس له غاية فتدرك ، ولا نهاية فيتطرق الإفهام إليها فتسلك ، فإن الله سبحانه قد افترض عليه أمورا لا بذ من القيام بوظائفها ، فيحلى نفسه الشريفة مهما استطاع بصفات عوارفها ، من عقيدة صالحة سوية ، وطريقة هادية ، مهدية ، وسريرة حميدة مرضية ، وأخلاق طاهرة رضية ، وأعمال صالحة زكية ، وهمة موفقة علية ، فإذا اتصف بهذه الصفات كان الله له عونا وعضدا ، وأقام له من ملائكته المقربين مددا وسلك به إلى بلوع كل سعادة وزيادة لا تنقطع أبدا.
وفضل الملك الذى هو بهذه المثابة لا يخفى عن ذوى الباب وبصائر ، وشأن كل أحد رعيته حسن التوسل إلى الله تعالى بتأييده ، ودوام ملكه بقلب راض ولسان شاكر ، وقد جمعت غالب هذه الأوصاف فى المقام الشريف الأعظم ، مالك رقاب الأمم ، سيد ملوك العرب والعجم ، صاحب السكة والخطبة والسيف والقلم، حاكم الأرض ، فى الطول والعرض ، القائم بما أوجب الله عليه من السنة والفرض ، سلطان الإسلام والمسلمين ، قامع الطغاة والمتمردين، خادل الكفرة والمشركين ، منصف المظلومين من الظالمين ، كهف الأرامل والمنقطعين، ملجأ الفقراء والمساكين، ولن أمير المؤمنين ، صاحب الديار المصرية ، والجزائز القبرصية ، والثغور الإسكندريه ، والأرض الحجازية، والحصون الرومية، والحكمة اليونانية ، والمملكة الثامنة والروم والأرمن، والجزائر والعدن، وتعز واليمن ، حاكم البزين والبحرين ، خادم الحرمين الشريفين ، حافظ الثغور الإسلامية وما أحاط ، وثغرتي الإسكندرية ودمياط ، المجاهد المرابط المغازى فى سبيل الله مولانا السلطان المالك الملك الظاهر ، أبو سعيد جقمق المدعو له على المنابر ، أعز الله أنصاره وأدام أيامه وأبقى آثاره وختم بالصالحات أعماله ، وأمد فى مدته ، ونصره وجميع جيوشه فقلت فيه ، يا من تصرف فى الممالك عادلا يتلطف منه وحسن تصرف سبحان من ولاك ملك بلاده بالنصر والتوفيق وسر الخفى أطفات نيران الحروب عن الورى كائوا يظنون أنها لا تنطفى وعلى ملوك الأرض أنت مفضل والحق عندك ظاهر لا يختفي يا ظاهرا بأبى سعيد قد سما لا تختشى كيد الأعادى واكتفى فكفى الأعادى والحواسد موتهم فى دلة وتحسر وتلهف فاحكم وسد فى الأرض مهما تشتهى إما بعغو منك أو بالمرهف يا من عليه جلالة ومهابة ووقاية مشهورة لا تختفى وله بتدبير الممالك خبرة بفراسة وسياسة وتلطف يا مالكى تدرى بفرط محبتى وسواك مولانا بها لم يعرف وأنا خليل بالدعاء مواظب لك بالبقا وبه لعمرك أكتف والله والله العظيم حقيقة متيقن والله أنك منصفى يا سائلى عن طاهر فى عدله خذ بعض ما فيه بنظم واقتفى وحياته وحياته وحياته قسما بغير حيائه لم أحلف إن البلاد بعدله فى نعمة ولاحلقن كذا بحق المصحف ما فى الملوك نظيره فى حكمه والناس فى أمن بغير تخوف والشرع منضور على أيامه جهرا بتدبير وحسن تصرف ويؤيد المظلوم فى حكمه من ظالم بالحق حتى يشتفى وعلى القراءة لا يزال مواظبا ومن البخاري يستفيد ويقتفى أدنى لأهل العلم قرب منازل يد يأنه منه ولين تعطف عطفت له كل القلوب محبة بالعدل والإحسان والعهد الوفى متوكل بهداية من ربه بالله من كيد الحوادث يكتفى متنزه عن بدعة وحوادث والى الظلالة في الهوى لم يحرف متكامل الأوصاف طود مهابة وشجاعة وصيانه وتعفف الله ينصره على طول المدا ويعمه بعناية فى الموقف فصل فى إقامة أدلة بعض ما شرط وما ورد فيه من الكتاب العزيز بالفاظه السنية النبوية تم صرحت به العلهاء في وقانعهم العلية ثم ما رسمته الحكماء في حكمهم المرضية وقيل في ذلك : من النكت المروية ، على وجه الاختصار بالالفاظ الجلية ، فما أوجبه من طاعة الله تعالى ، فتضمنه العقل والعدل ، لأن من لم يطع الله ليس بعاقل ومن ظلم ليس بمطيع . قال الله تعالى : { إن فى ذلك لآيات لقوم يعقلون) [سورة الرعد الأية 4] وزوى عن النبي ، أنه قال : [أول ما خلق الله العقل فقال له : أقبل فأقبل ثم قال له أدير فأدبر فقال: عز من قائل عزتى وجلالى ما خلقت خلقا أعز على منك بك ، أخذ وبك أعطى وبك أحاسب وبك أعاقب) . ويستدل على عقل الرجل بأمور ، منها ميله إلى محاسن الأخلاق ، وإعراضه عن رذائل الأعمال في إسداء صنائع المعروف ، وتجنبه عما يكسب عارا ويورث سوء سمعة خسارا قيل لبعض الحكماء : بم يعرف عقل الرجل) قال : بقلة سقطه في كلامه وكثيرة إصابته فيه ، فقيل له : فإن كان غائبا ، فقال : بأحد ثلاثة أسباب ، إما برسوله ، وإما بكتابه ، وإما بهديته ، فإن رسوله قائم مقام نفسه ، وكتابه يصف نطق لسانه ، وهديته عنوان همته وقيل: من أكبر الأشياء شهادة على عقل الرجل مداراته الناس ، ولا يستدل على عقل الرجل بحسن ملبسه ، وملاحة سمته وتسريح لحيته وكثيرة صلافته ونظافة بزه ، إذا لم تكن فيه فضيلة إذ كم من كنيف مبيض :. قال الاصمعي : رأيت بالبصرة شيخا وهو منظر حسن ، وعليه ثياب فاخرة وحوله حاشية وهرج وعنده دخل وخرج ، فأردت أن أختبر عقله فسلمت عليه ، وقلت له : ما كنية سيدنا فقال : أبو عبد الرحمن الرخيم مالك يوم الدين : قال الأصمعي : فضحكت وعلمت قلة عقله وكثرة جهله . وقيل: إن كسرى كان من عقلاء الناس ، وكان يقدم يونان الوزير على جميع وزرائه وأصحابه ويعظم أمره ، ولا يعتمد مع بقية الوزراء مثل ما يعتمد معه ، فقالوا : ما السبب في أن الملك يرجح علينا يونان ويقدمه؟ فقال لهم : ما معناه إن من خصه الله بكمال عقله وزيادة معرفته يقدم على نظرائه وأبناء جنسه ، وهذا يونان لما فوضت إليه أمر الملك تشاغلنا أياما بالصيد ، فكتب إلينا يقول : يعلم الملك أن خمسة أشياء ضائعة ، المطر فى الأرض السبخة، والسراج المشتعل في ضوء الشمس ، والمرأة الحسنة عند الرجل الأعمى ، والطعام الطيب عند المريض ، والرجل العاقل عند من لا يعرف قدره.
فعلمت أنه قصد بهذه الحكمة أن يوقظنى لتدبير المملكة فلما جثت من الصيد أحضرته ، وقلت له : صف لى ملوك الدنيا فى سيرتهم مع رعيتهم لاختار ما أعمل به منها فقال لى : الملوك ثلاثة ، واحد ينتصف لرعيته من نفسه ، ويتجاوز عنهم فلا ينتصف منهم لنفسه ، وذلك أعلامهم درجة وأكملهم سيرة ، وأقومهم عقلا وأدومهم ملكا ، وأطوعهم رعية وأعمرهم بلادا ، وأملكهم لقلوب رعاياه ، وواحد منهم ينتصف منهم لة وينتصف لهم من نفسه ، فهو أوسطهم درجة فإنه عمل بالعدل ، ولم يصل إلى درجة الفضل ، وواحد ينتصف منهم لنفسه ، ولا ينتصف لهم ، فهو أنزلهم درجة وأقبحهم سيرة وأخربهم بلادا لا تقز قلوب رعاياه عن الاضطراب ، وألسنتهم من التضرع إلى قيم العالم لإزالة ملكه وتعجيل هلكته فهذه سيرة الملوك في رعاياهم فانظر أيها الملك إلى هذه الثلاثة ، واختر لنفسك ما أردت منها وأنا أعلم أن الملك لا يختار لنفسه إلا سيرة الأول ، لأن نفس الملك شريفة وهمته عالية، فهو يرغب إلى ارتقاء أعلى الذرجات ، ويميل إلى اقتناء حميد الذكر وجميل السيرة ، ويؤثر عمارة نواحى بلاده وأقطار مملكته ، ويجب ما ينمو به مواد أمواله وجهات عماله ، ويود أن يتملك أحرار القلوب ، ويجعل بعده سيرة تضرب بحسنها الأمثال: فلما سمعت كلامه علمت أنه رزق عقلا وفضلا فعملت بقوله واهتديت بحكمه ، ولم أجد عند غيره ما وجدته عنده ، فلذلك خصصته بالتقديم وأنزلته بالمنزلة التى يستحقها ، ومن كلام بعض الحكماء من قام من الملوك بالعدل والحق ملك قلوب رعاياه ، ومن قام بالجور والقهر لم يملك منهم إلا التصنع وكانت قلوبهم تطلب من يملكها، وقال: لينظر الملك في المتنصح له ، فإن دخل من حيث العد والصلاح فليقبل نصحه وليستشره ، وإن دخل من حيث مضار الناس فليحذره وليحترز منه ، وقيل زمان: الجائر من الملك أقصر من زمان العادل ، لأن الجائر يفسد والعادل ويصلح ، والإفساد أسرع من الصلاح ومما قبل في مدح الصبر والتثبت : قال الله تعالى : { با أيها الذين أمنوا إن جاءكم فاسق بنباء فتبينوا [سورة الحجرات : الآية 6]، والصبر محمود العاقبة يثمر الحجة ويورث المقصود ، ويكبت العدو ويغيض الحسود ، ويفضي لصاحبه بالسيادة ويكسوه فضيلة الحزم ويدفع عنه نقيضة الحرمان . وقد قيل : من صبر على عدوه إلى أن تلوح له الفرضة عليه ، أمكن نفسه من الانتقام منه وقطع دابره . وقيل : من استعجل في أمر يحاوله كان جديرا إن ناله ، أن لا يدوم له ، فإن الخلل يلازم العجل وقيل: يجب على الملك أن لا يعجل بالانتقام سعى به إليه ، حتى يكشف عن أعراض السعادة ، وما حملهم على ذلك رت عدو يضع زورا ، ويلقيه إلى من يوقعه بمسامع الملك ويسلطه المكذوب عليه . وقيل: الصبر والتثبت حسن ، وهو فى الملوك حسن ، والسرعة والاستعجال فى الانتقام قبيح ، وهو فى الملوك أقبح ، لا سيئا إن كان في أمر لا يمكن تداركه . وقيل : كم من صبر أفضى بصاحبه إلى سرور ، وكم استعجال أشرف بصاحبه إلى هم وندامة ، وعنوان ذلك أن الصابر يتوقع خيرا، والمستعجل يتوقع زللا ، ومما ورد فى الشكر قوله تعالى : { ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم } [سورة النساء الأية 147) ، وقال تعالى : { وسنجزى الشاكرين } [سورة أل عمران : الأية 145] وزوى عن النين ظلل ، أنه لما تورمت قدماه من القيام في الصلاة، قيل له : قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال : لأفلا أكون عبدا شكورا ، ولقد أنصف
بعض من بنى حين زال ملكهم وأنقضت دولتهم ما كان سبت هذا الحادث الواقع بكم والبلاء النازل عليكما فقال : بقلة شكرنا لله تعالى على ما أنعم به عليا ، واشتغالنا بلذاتنا عن النظر في مصالحنا ، وتفويضنا أمرنا إلى من لا دين له ، ولا أمانة وظلم نوابنا لرعايانا لغفلتنا عنهم ، ففسدت علينا النيات واختلف علينا الجند لقلة عطايانا لهم ، فاستدعاهم أعداؤنا فأجابوهم وأعانوهم علينا الأجناد لقلة الأنصاء فأل إلينا إلى ما أل ، وجدير بمن شكر أن يشمله المزيد ، وبمن رعى الإحسان أن يبلع فوق ما يريد ، فإن رب العزة جلت قدرته ، وتعالىت عظمته مع استغنائه عن العالمين لا ينتفع بكثيرة شكرهم ، ولا يضره زيادة كفرهم قد بدل المزيد لمن شكر وأوعد بالعذاب الشديد لمن كفر ، فقال سبحانه وتعالى : { لكن شكرتم لازيدكم ولئن كفرتم إن عذابى لشديد } المحسن بالإساءة فقد استفتح باب سخط العزيز ذى الانتقام ومما ورد فى المشورة ، قال الله تعالى : { وشاورهم فى الأمر [سورة أل عمران : الأية 159]، وقال [ما خاب من استخار ولا ندم من استشارا .
وزوى عنة أنه قال : [ما شقى عبد بمشورة ولا سعد من استغناء برأيها ، وفى التوراة : من لم يستشر فى أمره يندم . وقال أبو هريرة رضي الله عنه : ما رأيت أجدا أكثر استشارة لأصحابه من رسول الله ، وسئل ما بال العاقل ذو لت مشورته على نفسه يقتصر بها عن أصحابه لصوابه ، وإدراك المطلوب ومشورة غيره له تظفيره بذلك ] فقال: إن مشورة الإنسان نفسه ممزوجة بالهوى ، ومشورة غيره سالمة من ذلك ، ولا إصابة مع الهوى . وقيل : سبعة لا ينبغى لذى لت أن يشاورهم جاهل وعدو وحسود ومراء وجبان وبخيل وذو هوى ، فإن الجاهل يضل، والعدو يريد الهلاك، والحسود يتمنن زوال النعمة والمرائى واقف مع رضاء الناس ، والجبان من رأيه الهرب والبخيل حريص على جميع المال فلا رأى له فى غيره ، وذو الهوى أسير هواه ، فهو لا يقدر على مخالفته .
ومن بركة المشورة ما حكى أن الخليفة المنصور كان قد صدر من عمه عبد الله بن على بن عبد الله بن العباس رضي الله عنه ، أمور مؤلة لا تحملها حراسة الخلافة ، ولا تجاوز عنها سياسة الملك فحبسه عنده ، ثم بلغه عن ابن عمه عيسى بن موسى وكان عاملا على الكوفة ما أفسد عقيدته فيه وأوحشه منه ، وصرف وجه ميله عنه ، فتألم المنصور من ذلك ، وساء ظنه وقل أمنه وترادف خوفه وحزنه ، فأدت المنصور إلى أمر دبره ، وكتمه عن جامع حاشيته ، وستره استحضر ابن عمه عيسى وأجراه على عادة إكرامه ، وأخرج من كان بحضرته ، ثم قال له : يا ابن عمى إنى مطلعك على أمر ولا أجد غيرك أهله ، ولا أرى سواك مساعد لى على حمل تقله ، فهل أنت في موضع ظنى بك ، وعلى ما فيه من بقاء نعمتك التى هى منوطة ببقاء ملكي] فقال عيسى : أنا عبد أمير المؤمنين ونفسى طوع أمره ونهيه فقال : إن عمى وعمك عبد الله قد فسدت بطانته ، واعتمد ما فى بعضه ما يبيح ذمه ، وفى قتله إصلاح ملكنا ، فخذه إليك واقتله سرا ، ثم سلمه إليه ، وعزم المنصور على الحج مضمرا أن ابن عمه عيسى ، إذا قتل عمه عبد الله لزمه القصاص وسلمه إلى أعمامه أخوة عبد الله ليقيدوه ويقتلوه قصاصا، فيكون قد استراح من الإثنين عبد الله وعيسى . قال عيسى فلما أخذت عمى أفكرت فى قتله ، ورأيت من الرأى أن أشاور في قضيته من له رأى يصيب الصواب، فأحضرت يونس بن أبى فروة الكاتب ، وكان لى حسن الظن فى رأيه وعقيدة صالحة فى معرفته ، فأنسته بالحديث ، وقلت له : إن أمير المؤمنين أمرنى بقتا عمى وأخفى أمره ، فما رأيك في ذلك وما تشير بها فقال لى يونس : أيها الأمير احفظ نفسك بحفظ عمك وعم أمير المؤمنين فإن أرى لك أن تدخله فى مكان داخل دارك ، وتكتم أمره عن كل من عندك، وتتولى بنفسك طعامه وشرابه ، وتجعل دونه مغالق وأبوابا وأظهر لأمير المؤمنين أنك قد أنفذت أمره ، وانتهيت إلى العمل بطاعته ، فكأنى به إذا تحقق إلك فعلت ما أمرك به وقتلت عمه أمر بإحضارك على رؤوس الأشهاد ، فإن اعترفت إلك قتلته بأمره انكر أمره لك وأخذك بقتله وقتلك به : قال عيسى : فقبلت مشورة يونس وعملت بها فلما قدم المنصور من الحج، سالتي سرا عن عبد الله ما فعلت في أمره فقلت : اراح الله أمير المؤمنين منه ، فلما استقر في نفسه أننى قتلته دير إلى أعمامه ، وحثهم أن يسالوه في عبد الله ويستوهبوه منه فأطمعهم في ذلك ، فجاءوا إليه والناس سائلون في ذلك فى الملاء فأجابهم ، وأمر بإحضار عيسى ، فقال له : كنت دفعت إليك قبل خروجى إلى الحج عبد الله عمى وعمك ليكون عندك في منزلك إلى حين رجوعى ، فقال عيسى : فعدت ذلك . فقال : أحضره فقلت : أليس أمرتنى بقتله؟
قال : كذبت ، ثم قال لأعمامه : قد أقز بقتل أخيكم مدعيا أنى أمرته بذلك وقد كذب .
قالوا يا أمير المؤمنين فادفعه إلينا لنقتله ونقتص منه فقال: شأنكم به : قال عيسى فأخذونى وأرادوا قتلى ، فقلت لهم لا تعجلوا ردونى إلى أمير المؤمنين ، فعدت إليه فقلت له : يا أمير المؤمنين إنما أردت قتلى بقتله والذى ديرته على عصمنى الله من فعله هذا عمك باق حى سوى وإن أمرتنى بدفعه إليهم دفعته ، فأطرق المنصور وعلم أن زيح فكرة صادفت إعصارا وإن انفراده بتدبيره قارن خسارة وأمر بإحضار عبد الله ، فلما رأه قال: اتركوه عندى وانصرفوا حتى أرى فيه رأيا ، ثم أنه أسكنه فى بيت أساسه ملح، تم أرسل الماء حوله ليلا، وذاب الملح وسقط البيت عليه فمات . وقيل في المعنى تمسك بأهداب المشورة واستعن بحزم نصيح أو نصاحه حازم و لا تجعل الشورى عليك غضاضة فريش الخوافى قوة للقوادم وقيل لرجل من بنى عبس : ما أكشر صوابكم فى مباشرة ما تأتونه ومجانبة ما تعرضون عنه ، فقال : نحن ألف رجل فينا رجل حازم دو رأى ومعرفة ، فنحن نشاوره في الجليل والحقير من الأمر، ونعمل برأيه فكأنما إذا صدرنا عن رأيه ومعرفته في ألف حازم ، وجدير بألف حازم أن يصيبوا ، وقيل فى المعنى أيضاء إذا ما غدا خطب ورمت وروده فشاوز فكم بحج هدته المشاوره وانفع من شاورت من كان ناصحا شقيقا فاصبر بعده من تشاوره وقيل: يظهر بالمشورة من الإنسان عدله وجوره وخيره وشره . ومما جاء في الإنصاف والعدل قال الله تعالى : { إن الله يأمر بالعدل والإحسان } [سورة النحل : الأية 90] قال قتادة: إن الله تعالى أمر عباده في هذه الأية بمكارم الأخلاق ومعاليها ، ونهاهم عن سفهاتها ومدانيها . وروى عن رسول الله، قال : عدل السلطان يوما يعدل عند الله تعالى عبادة سبعين سنة وقال لأحب الناس إلى الله وأقربهم السلطان العادل ، وأبغضهم إلى الله وأبعدهم السلطان الجائر وروى أنه قال: والذى نفس محمد بيده ليرفع عمل السلطان العادل إلى الله مثل عمل جميع الرعية ، وقال [حد يقام في الأرض خير من أن تمطر أربعين صباحا وزوى أنه قال : ما من عبد ولاه الله أمر رعيته فغشيهم ، ولم يشفق عليهم إلا حزم الله عليه الجنة، وقال: رجلان من أمتى يحرمان شفاعتى ملك ظالم ومبتدع عال يتعدى الحدودا وقيل: الملك يدوم مع العدل وإن كان صاحبه كافرا ، ولا يدوم مع الظلم وإن كان صاحبه مؤمنا وقيل : من سعادة الملك محبته للعدل ، ومن علامة محبته للعدل مخالطته لأهل العلم ذوى الذين ، ورغبته فى محادثتهم ليذكر ما يجب عليه من العدل الذى به سعادته فى الأخرة ودوام ملكه فى الدنيا ، وحسن سمعته فى العالم ، وميل القلوب إليه ، وجريان الالسن بالدعاء له . حكي أن قيصر ملك الروم سير رسولا إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، ليشاهد أحواله ، ويكشف أفعاله ويسمع أقواله ، فلما وصل الرسول المدينة قال لأهلها أين ملككما] قالوا: ليس لنا ملك ، وإثما لنا أمير قد خرج إلى ظاهر المدينة ، فخرج الرسول فى طلبه، فرأها نائما فى الشمس على الأرض ، وقد وضع درته كالمخدة تحت رأسه ، والعرق ينحدر من جبينه ، فلما رأه الرسول على هذه الحالة وقع الخشوع في قلبه ، وقال: رجل تكون جميع ملوك الأرض لا يقز لهم قرار من هيبته ، وتكون هذه حالته ولكنك يا عمر عدلت فأمنت فنمت ، وملكنا يجور فلا جرم لا يزال خائفا ساهرا، أشهد أن دينكم دين الحق ولو أنى رسول لأسلمت ولكننى ساعود وأسلم . وحكن أن يهوديا وقف لعبد الملك بن مروان، فقال : يا أمير المؤمنين إن ابن هرمز قد ظلمنى فأنصفنى منه ، وأدقن حلاوة العدل ، فلم يقض حاجته ثم عاد ثانيا، فلم يلتفت إليه ، فقال اليهودي : يا أمير المؤمنين إنا نجد فى التوراة المنزلة على موسى أن الإمام لا يكون شريكا في علم أحد ولا جوره حتى يرفع إليه ، فإذا رفع إليه ولم يغير ذلك شاركه في الظلم والجور، فلما سمع عبد الملك قوله فزع منه ، وأنقذ في الحال إلى هرمز فعزله ، وأخذ حق اليهودى منه ودفعه إليه . ورؤى أن رسول الله قال : لإن الله سبحانه وتعالى لا يقدس أمة لا يؤخذ الحق لضعيفها من قوبها وروى أن عمر بن الخطاب رضع الله عنه ، كان قائدا، فجاء رجل من أهل مصر فقال : يا أمير المؤمنين هذا مقام العائد بك . فقال عمر : لقد عدت بمجيب فما شأنك ] قال : سابقت على فرسى ابنا لعمرو بن العاص وهو يومئذ أمير على مصر، فجعا ينقعنى بسوطة، ويقول : أنا ابن الاكزمين، وبلغ ذلك عمرو أباه فخشى أن أتيك فحبسنى فى السجن ، فأنفذت منه فهذا حين أنيتك ، فكتب عمر إلى عمرو بن العاض إذا أناك كتابى، فاشهد الموسم أنت وولدك فلان، وقال للمصرى : أقم حتى يأتيك ، فقدم عمرو وولده فشهدا الحج فلما قضى عمر الحج وهو قائد مع الناس ، وعمرو بن العاص وابنه إلى جانبه قام المصرى فرمى إليه عمر رضن الله عنه ، بالدرة قال أنس : ولقد ضربه ونحن نشتهى أن يضربه ، فلم ينزع حتى أحببنا أن ينزع من كثرة ما ضربه ، وعمر يقول : اضرب أبن الأكرمين : قال: يا أمير المؤمنين قد استوفيت واستشفيت . قال : ضعها على صلعة عمرو . قال : يا أمير المؤمنين قد ضربت الذى ضربنى . قال أما والله لو فعلت ما منعك أحد حتى تكون أنت الذى تنزع ثم قال: يا عمرو متى تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ، فجعل عمرو يعتدر ويقول : لم أشعر بهذا يا أمير المؤمنين ، ومما نقل فى الآثار الإسرائيلية في زمان موسى عليه السلام ، أن رجلا من ضعقاتهم كانت له عائلة ، وكان صيادا يصيد السمك ويبيعه ، ويقوت منه عياله وزوجته فخرج يوما للصيد ووقع فى شبكته سمكة كبيرة ففرح بها، وأخذها ومضى إلى السوق ليبيعها ويصرف تمنها في مصالحه ، فلقيه بعض العوانية فرأى السمكة وأراد أخذها منه فمنعه الصياد، فرفع خشبة كانت معه فضرب بها الصياد ضربة موجعة ، وأخذ السمكة منه غضبا قدعا الصياد عليه وقال: إلهى خلقتنى ضعيفا وجعلته عنيفا فخذ لى حقي منه عاجلا ، فقد ظلمنى ولا صبر لى إلى الأخرة ثم إن ذلك الغاصب انطلق بالسمكة إلى منزله وسلمها إلى زوجته ، وأمرها أن تشوبها ، فلما شوتها ووضعتها على المائدة ليأكل منها فتحت السمكة فاها ، ونكزت إصبعه نكزة طارت منها قراره فقام وشكى إلى الطبيب يده وما نزل به .
فلما رأها قال : دواؤها أن يقطع الإصبع لئلا يسرى إلى بقية يدك فقطع إصبعه ، فانتقل الوجع الشديد إلى اليدد وازداد التألم وارتعدت فرائضه ، فقال له الطبيب: ينبغى أن تقطع اليد من المعصم لئلا يسرى إلى الساعد ، فقطعها فانتقل الألم إلى الساعد ، فما زال هكذا كلما قطع عضوا انتقل الألم إلى العضو الذى يليه ، فخرج هائما على وجهه مستغيثا إلى ربه ليكشف عنه ما نزل به ، فرأى شجرة فقصدها فأخذه النوم فنام تحتها ، فرأى فى منامه قأئلا يقول له : يا مسكين إلى كم تقطع أعضاءك امض إلى خصمك الذى ظلمته، وهو الصياد وأرضه فانتبه من النوم وفكر فى أمره ، وقال: هذا من حيث الصياد وأخذ السمكة غصبا وظلما وهى التى نكزت يدى وصاحبها خصمى ، فدخل المدينة وسال عنه فوجده ، فوقع بين يديه والتمس منه الإقالة مما جناه ، ودفع إليه شيئا من ماله وتاب من فعله ، فرضى عنه خصمه الصياد فسكن في الحال ألمه ، وبات تلك الليلة في فراشه وأقلع عن خطته ، ونام على توبة خالصة ففى اليوم الثانى تداركه الله بلطفه ورحمته فرد يده كما كانت ، فنزل الوحى على موسى عليه السلام ، يا موسى وعزتي وجلالى لولا أن الرجل أرضى خصمه لعذبته ما امتدت به حيائه.
وحكى أن سليمان بن أبى جعفر قال : كنت واقفا على رأس المنصور ليلة وعنده جماعة من بنى هاشم ، فتذكروا عبد الله بن مروان قد كانت له قضة عجيبة مع الملك النوبة ، فأبعث إليه واسأله عنها ، فقال : المنصور يا مسرور على به فأحضره وهو مقيد فقال : السلام عليك با أمير المؤمنين : فقال له المنصور: يا عبد الله ود السلام أمن ، ولم تسمح لك نفسى بذلك بعد ولكن اقعد ، فجاءوا بوسادة فوضعت فقعد عليها ، فقال له المنصور : بلغنى أنه قد كانت لك قضة عجيبة مع ملك النوبة ، فما هي؟
قال : لما قصدنا عبد الله عم أمير المؤمنين كنت أنا المطلوب، فخرجت هاربا إلى بلد النوبة فسرت فيها ثلاثة أيام ، وأرسلت غلاما يطلب الإذن من ملك النوبة فجاءنى الغلام ، وقال: سيأتيك غدا بنفسه ، فبينا أنا من الغد إذ جاءنى . وقال لترجمانه : قل له : إنى ملك وحق على كل ملك أن يكون متواضعا لعظمة الله ، إذ رفعه الله على الناس ، ثم جعل ينكت بإصبعه في الأرض ثم رفع رأسه إلي، وقال: كيف سلبتم نعمتكم وزال عنكم الملك ، وأنتم أقرب إلى نبيكم من الناس جميعا فقلت . جاءنا من هو أقرب إليه منا فغلينا وطردنا ، وجئت إليك مستجيرا بالله تعالى وبك قال : فلم كنتم تشربون الخمر ، وقد خرم عليك؟ فقلت : فعل ذلك عبيد وأعاجم فى ملكنا بغير رأينا فقال : استحللتم ما حرم الله عليكم وفعلتم ما نهاكم عنه ، فاخرج من أرضى بعد ثلاث ، فإنى أن وجدتك بعدها أخذت جميع ما معك وقتلتك .
ومما جاء في الاتفاق والائتلاف ، وذم الشقاق والخلاف ، قال الله تعالى : { هو الذى أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم }} [سورة الأنفال : الأية 62، 63) ، وقال تعالى واعتصموا بخبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا [سورة أل عمران الأية 103] ، والخبل المعتصم به هو القرآن الكريم ، وقيل: ما : من قوم وإن قل عددهم وضعف مددهم وكانوا على الائتلاف ، وطردوا عنهم والاختلاف إلا أظهرهم الله تعالى مع قلتهم وظفرهم بعدوهم وإن كانوا أكثر منهم عددا أو أشذ قوة ومددا وقيل : كم من قوم عزوا باتفاقهم فلم يطمع فيهم ، فلما اختلفوا سلبوا عزهم ووهى ركنهم ، وكلوا في حذهم وذاقوا وبال أمرهم ، وقيل: الاتفاق ناصر لا يخذل ، والاختلاف خازل لا ينصر وإن طالب الموافقة أبدا لا يعدل ، وطالب المخالفة لا يعذر . ومما جاء في مدح الوفاء وذم الغدر قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعفود سورة المالد الأية 1] ، وقال تعالى .، { وبعهد الله أوفوا} [سورة الأنعام : الأية 152] ، وقال تعالى : { وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ، ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها} [سورة النحل : الأية 91] وقال رسول الله: لما سئل عن صفات المنافق فعذ منها لإذا وعد اخلف وحكى أن يعض الخلفاء سلم لشرطيه رجلا عليه جريمة ليقتله ، فلما خلا به قال له .
لى إليك حاجة قال : وما هى قال: تطلقنى لأودع أهلى وأوصيهم بوصية بعدى وعاهده أن يعود إليه ، فأطلق الشرطى سبيله وصدقه فى عهده ، فلما ذهب أهمل الروحة إليه ، وعزم على نقض عهده مع الشرطى ، فسمع الخليفة بذلك فأمر بقتل الشرطى ، فسمع الرجل بذلك فشق عليه ، وأتى سريعا إلى بين يدى الخليفة ، وقال: يا أمير المؤمنين ها أنا قد حضرت فأطلق االشرطي ينقذ فى حكمك وإنى عاهدته أن أعود وقد وفيت بعهدى معه ، فأعجب الخليفة قوله فأطلق سبيلهما وأنعم عليه .
وحكى أن المأمون سمع أن عبد الله بن طاهر يميل إلى العلويين وكان ولاه مصر والشام ، فدعا رجلا ودسه إليه ليختر أمره فلما دخل الرجل عليه عرض بذكر العلويين فقال له ابن طاهر : أأغدر من أنعم على بهذه النعمة ، والله لو دعوتتى إلى الجنة عيانا لما غدرت المأمون ، وما نكثت بيعته وتركت الوفاء له ، فعاد الرجل وأخبر المأمون ، فسره ذلك وزاد في الإحسان إليه . ومما جاء في مدح اليقظة ، وانتهاز الفرضة وذم التواني والغفلة قال الله تعالى . { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم } [سورة أل عمران : الأية 133 ) ، وقال تعالى { وأولائك هم الغافلون لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون)} [سورة النحل .
الأية 107، 108] ، وقال أبو سعيد الخدري التواني رأس خسران الدنيا والأخرة وروى أنه لما اجتمعت الأحزاب على رسول الله يلطق ، عام الخندق ، وقصدوا المدينة تظاهروا ، وهم فى جمع كثير من قريش وقبائل العرب ، ونازلوا رسول الله، ومن معه من المسلمين ، واشتد الأمر كما وصفه الله تعالى : { إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم ، وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب } [سورة الأحزاب: الأية 10] ، فجاء نعيم بن مسعود إلى رسول الله يظللة ، وأسلم ثم قال : إن قومى لم يعلموا بإسلامى فمزنى بما ششت .
فقال رسول الله: [أنت فينا رجل واحد فخذل عنا إن استطعت فإن الحرب خدعة .
فخرج نعيم حتى أنى بني قريظة ، وكان نديما لهم في الجاهلية ، فقال : يا بني قريظة قد علمتم وذمى لكم وخاصة ما يينى وبينكم قالوا : صدقت لست عندنا بمتهم . فقال: إن قريشا وغطفان ليسوا كانتم البلد بلدكم به أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم لا تقدرون أن تنجوا منه إلى غيره، وإن قريشا وغطفان قد جاءوا لحرب محمد ، وبلدهم ونساؤهم وأموالهم وأولادهم بغيره وليسوا كأنتم ، فإن هم رأوا فرصة أصابوها ، وإن رأوا غير ذلك لحقوا ببلادهم ، وخلوا بينكم وبين الرجل ببلدكم ، ولا طاقة لكم به إن خلا بكم ، فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنا من أشرافهم يكونون بأيديكم ثقة لكم بأن يقاتلوا معكم حتى يناجزوه . قالوا: لقد أشرت بالرأى ، ثم أنى قريشا فقال لأبى سفيان بن حرب : وكان قائد المشركين ما قال لبنى قريظة وإن بنى قريظة قد ندموا على قتال محمد ومظاهرتهم لكم ، وقصدهم أن يأخذوا منكم رها فيعطوها لمحمد ويصطلحوا معه، فانهزموا ولم يتأخر منهم أحد.
ومما ورد فى العفو قال الله تعالى : { وأن تعفوا أقرب للتقوى} [سورة البقرة الأنه 237 ] ، وقال تعالى : { وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم } سورة النور الأية 22] وقال تعالى : { والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ، سورة أل عمران ،: الأية 134 ) وروى عن أنس بن مالك رضع الله عنه قال : قال رسول الله رأيت قصورا مشرفة على الجنة فقلت : يا جبريل لمن هذه؟ قال : للكاظمين الغيظ والعافين عن الناس : وروى عن أبى هريرة رض الله عنه ، قال: بينما رسول الله، جالس إذ ضحك حتى بدت ثناياه ، فقيل له : مم تضحك يا رسول الله] قال : رجلان من أمتى جثيا بين يدى ربي ، قال أحدهما يا رب خذ لى مظلمتى من أخى . فقال الله تعالى : اعط أخاك مظلمته فقال: يا رب ما بفى من حسناتى شىء فقال: يا رت فليحمل من سيأتى ففاضت عينا رسول الله يلل ، ثم قال : اإن ذلك البوم يوم يحتاج الناس إلى إن تحمل عنهم أوزارهما ، ثم قال : قال الله تعالى : للطالب بحقه ارفع بصرك إلى الجنة فرفع رأسه فرأى ما أعجبه من الخير والنعمة فقال: لمن هذا يا رب؟ فقال: لمن أعطانى تمنه . قال : من يملك ثمنه يا رب؟ قال : أنت . قال : بماذا؟
قال: تعفو عن أخيك . قال: يا رت قد عفوت عنه قال : خذ بيد أخيك وادخل به الجنة وزوى عن معاوية أنه قال : إنى لأنف أن يكون فى الأرض حبل لا يسعه حلمى وذنب لا يسعه عفوي ، ودو حاجة لا يسعه جودى ونقل عن المأمون لما بويع عمه إبراهيم وخلع المأمون ، ثم عاد إلى الخلافة بعد وقائع كثيرة واختفى عمه إبراهيم ، ثم أنه تكر وظهر مع نسوة هاربا فمسك وأحضر به إلى المأمون ، فلما وقف بين يديه قال: السلام عليك با أمير المؤمنين . فقال له المأمون : لا سلم الله عليك ولا قزب دارك ، استغواك الشيطان حتى حدثت نفسك بما تنقطع دونه الأوهام : فقال له إبراهيم : مهلا يا أمير المؤمنين فإن ولن الشأر محكم في القصاص ، والعفو أقرب للتقوى ، ولك رسول الله شرف القرابة ، وقد جعلك الله فوق كل ذى ذنب ، كما جعل كل ذى عفو دونك ، فإن أخذت فبحقك وإن عفوت فيفضلك، ثم أنشد ذنبى إليك عظيم وأنت أعظم منه فخذ بحقك أو لا فاصفح بفضلك عنه إن لم أكن فى فعالى من الكرام فكنه فلما سمع رق له قلبه ، وزد جميع أمواله عليه ، فقال فيه مخاطبا : رددت مالى ولم تبخل علن به وقبل ردك مالى فد حقنت دمى فإن جحدتك ما أوليت من كرم إنى لباللوم أولى منك بالكرم ونقل أنه أحضرت إلى معاوية امراة تسمى الزرقاء ، كانت تحرض القوم على قتاله في الوقعة المشهورة ، وتتكلم بألفاظ يطول شرحها من المذمة فى معاوية ، من جملتها أن الكوكب لا ينير مع القمر، والبغل لا يسبق الفرس والرصاص لا يقطع الحديد ومن ذلك وأمثاله ، فسال منها معاوية ما حملك على ذلك ] قالت : لقد كان ذلك منى . قال: لقد شاركت علكا في كل يوم سفكه قالت : أحسن الله بشارتك فقال لها : وقد سرك ذلك قالت: نعم وإنى صديقة له فقال معاوية : والله لوفاؤكم له بعد موته أعجب إل من حيكم له فى حياته ، فعفى عنها وأمر لها بنفقة ، وأرسلها إلى وطنها وقيل كان لعبد الله بن الزبير أرض بمكة وله فيها عبيد ولمعاوية إلى جانبها أرض وله فيها عبيد ، فدخل عبيد معاوية في أرض ابن الزبير ، فكتب إلى معاوية أما بعد فإن عبيدك قد دخلوا في أرضى ، فانههم عن ذلك وإلا كان لى ولك شأن والسلام ، فلما قراه معاوية دفعه لولده ، وقال: ما ترى ؟ قال : أرى أن تبعث إليه جيشا يكون أؤله عنده وأخره عندنا يأتوك برأسه . قال : أو خير من ذلك يا بتك ، ثم أمر كاتبه أن يكتب جواب عبد الله ، وقفت على كتاب ابن حوارى رسول الله ، وساء ما ساءنى والدنيا بأسرها عندى هينة في جنب رضاه ، وقد كتبت على نفسي صكا بالأرض والعبيد وأشهدت بذلك ، فأضف ذلك إلى أرضك وعبيدك والسلام ، فلما وقف عبد الله على كتاب معاوية كتب إليه ، وقفت على كتاب أمير المؤمنين أطال الله بقاه ولا أعدمه الرأى الذى أصله من قريش هذا المخل والسلام ، فلما وقف معاوية عليه رماه إلى ابنه يزيد ، فلما قراه أسفر وجهه فقال معاوية : يا يزيد من عفا ساد ومن حلم عظم ، ومن تجاوز استمال القلوب.
وقيل : إن الرشيد خرج عليه خارجن ، فلما ظفر به وأحضره بين يديه . قال له : ما تريد أن أصنع بك ] قال: اصنع بى ما تريد أن يصنع الله بك ، إذا وقفت بين يديه ، وهو أقدر عليك منك علين ، فأمر الرشيد بإطلاقه ، فلما خرج لامه بعض الحاضرين في إطلاقه ، فأمر الرشيد برده فلما مثل بين يديه قال : يا أمير المؤمنين لا تطع فى مشيرا يمنعك عفوا تدخر به عند الله يدا واقتد بالله ، فأنه لو قبل فيك مشيرا لما استخلفك لحظة واحدة ، وأحسنن الله إليك ، فأمر بإطلاقه وأحسن إليه .
وقيل : من أحث أن يغفر الله سياته ويتجوز عنه ، فليعفو عن هفوات المذنبين .
ويتجاوز عن سياتهم ما لم يكن فيه أسقاط حذ وقيل الانتقام من المذنب عدل ، والعفو عنه فضل ، ومحل الفضل أعلى، والتجمل به أولى ، فهذا مما ينبغى أن يتحلى به السلطان ، وما يعتمده لإصلاح الرعية والزمان ، وكما تجب عليه أشياء فكذلك تجب له ، فمنها حسن الطاعة له ، وامتثال أوامره الشريفة حسبما الطاقة والاستطاعة وصفاء النيات ، وإخلاص السرائر والطويات، والنصيحة التى قال فيها سيد المرسلين : الذين النصيحة ، ووردت فيها الأخبار الصحيحة، واجتماع الكلمة فإنه ينبغى لكل من كان بخدمة السلطان ، أن يكونوا على قلب رجل واحد في الطاعة له فى السر والإعلان ، وأن لا يتعدى أحد طوره لما ورد فى ذلك رحم الله أمرعا ، عرف قدره ، ولم يتعد طوره ، هذا ملحص الواجب على العموم ، وإما الواجب فسياتى ملخص ذلك في بابه المعلوم .
فصل في وصف المواكب وهى عديدة أما موكب السلطان عند الاستقرار ، فكان قديما بالصالحية والأن بالقصر الأبلق باجتماع أهل الحل ، والعقد بحضرة أمير المؤمنين ، واجتماع الأمراء وأركان الدولة الشريفة والجند ، وتقبيل الأرض أمامه بعد جلوسه على تخت المملكة، بعد عقد المبايعة ومصافحة أمير المؤمنين له .
وأما موكب عيد الأضحى يجلس السلطان على التخت المقلم ذكره ، وبعد خروجه من الصلاة وجميع من ذكر حاضرون، ويقبلون الأرض له هذا بعد تفرقة الأضحى على ما يأتى بيانه في ديوان الخاص الشريف .
وأما موكب ليلة عيد القطر فيظهر السلطان بعد صلاة العصر ، ويجتمع من تقدم ذكرهم أيضا على الهيئة المذكورة أيضا وأما موكب يوم عيد القطر يجلس السلطان بعد خروجه من الصلاة في القصر المقدم ذكره للموكب الكامل ، ويلبس الأمراء والأعيان التشاريف الشريفة على ما يأت بيانه في ديوان الخاص . وأما موكب يوم الجمعة فلا يكون إلا في الجامع خاصة بالأمراء الأجناد. وأما موكب السرحات ، وهو أيام الصيد في فصل الربيع سبع مرات.
وأما موكب الريدانية ، فهو عند لبس السلطان الصوف ، وهو فى السنة مرة واحدة . وأما ركوب الميادين فهو موكب عظيم ، وقد بطل الأن لخراب الميادين المعظم ، وسياتئ هيئة ذلك وكيفيته ، وأما موكب سرياقوس ، فهو من جملة الميادين . وأما موكب الإيوان فهو موكب عظيم كان في الزمان المتقدم يعمل فى الخميس والاثنين، والأن ما يكون إلا عند الحضور القصاد من الملوك الضخام . وأما موكب الإصطبل فيكون في الجمعة مرتن في أوقات معينة، يوم الخميس ويوم الاثنين بالقصر، والسبت والثلاثاء بالإصطبل فى أواخر الشتاء وأوائل الربيع ، وصفة الموكب أن السلطان يجلس بصدر المكان وتجلس الأمراء مقدمى الألوف خاصة يمينا ويسارا على مقاعد من حرير ، وناظر الجيش يقرا ما يتعلق بالإقطاعات على المسامع الشريفة فيمضى السلطان من ذلك ما يشاء ، ثم يدخل كاتب السر ويقدم العلامة فيعلم السلطان ما أمضاه ، وكذلك المباشير والمراسيم والمربعات والتواقيع الشريفة ، هذا بعد دخول الجيش طائفة بعد طائفة إلى الخدمة الأصغر يقدم الاكبر ، فعند نهاية ذلك ينهض السلطان إلى القصر الثالث المقدم ذكره ، ويجلس فى الشباك وينظر فى المحاكمات ويفصل أمرها ، ثم يجلس على مرتبة بصدر المكان ، وتقف الأمراء والجند صفين ويمد السماط ، وعند نهايته ينصرفون، وموكب الإصطبل يكون للحكم خاصة ولو أردنا تفصيل ترتيب المواكب وبيانها لطال شرح وحصل الملال . وأما مواكب لعب الكرة فهو فى أوقات معينة في الجمعة مرتين، تجتمع الأمراء مقدمى الألوف ، والطبلخاناه بالحوش المقلم ذكره ويكونون فرقتين وباشين، أحدهما السلطان ونصف الأمراء، والأخر أتابك العساكر المنصورة ونصف الأمراء ، ولعب الكرة مشهورة .
وأما موكب كسر النيل فينزل السلطان إليه والجيش بخذمته ، وجميع الأعيان ، ويكون يوما عظيما يجتمع فيه أهل الديار المصرية ويكسر السد وتجرى المياه بالخلجان ، وتروى الأقاليم المقلم ذكرها . وأما موكت دوران المحمل ، فهو يوم مشهور تجتمع فيه أهل الديار المصرية والصادر والوارد ، وتلعب فيه الرماحة وكسوة الكعبة الشريفة مشهورة على رؤوس الحمالين، والقضاة والعلماء والمشائخ والصلحاء ، وطوائف الفقراء يسيرون قدام المحمل الشريف والأطلاب مزينة ، وكل ما بالديار المصرية من التحف والغرائب يشهر في ذلك اليوم .
فصل في وصف الملبوس لكل من ينست إلى الملك من الخاص والعام وهم طوائف عديدة لكل طائفة قماش لا يوافق طائفة أخرى ، ولولا خشية الإطالة لذكرت قماش كل طائفة على عدته ، كما وضعته في مصنفى الأول، ولكن يكفى من إظهار الأبهة أعلام ذلك ، حتى أنه إذا لبس أحد من طائفة قماش أحد من طائفة غيرها خرج عن الهندام ، وصار منسوبا إلى تلك الطائفة ، وقد ضبطت الطوائف فكانت نيف عن مائة طائفة كل طائفة لها شغل بذاتها ، وهذا فى غاية العظمة ، واتفقت نكتة أحببت ذكرها قيل : أنه ورد فى أيام الملك الظاهر برقوق قاصد من تمرلنك ، فأنزل بدار الضيافة ، وبها مكان يشرف على المشرع قصار ينظر من هناك ، فرأى أقواما وخلقا كثيرا مختلفى الهيات والملبوس ، فسال من المهمندارية ما هؤلاء؟ فسموا له كل طائفة فتعجب من ذلك ، وقال : نحن في بلادنا ملبوس السلطان والأمير والخدم والفلاحين هيئة واحدة ، غير أن التغالى في حسن الثياب للمحتشمين ، وهذا ملك عجيب الذى ملبوس كل طائفة لا تشبه الأخرى ولاق ذلك بخاطره ، فاعلموا المهمندارية من له قرب من السلطان، فأحكى له ذلك فلاق أيضا بخاطر السلطان لعظمة ملكه وسداد قانونه وحسن طريقته ونظافة حاشيته وقال لمن أخبره : أن يعلم المهمندارية، أن يعرفوا القاصد إن ذلك الذى رأه مختصر وأما في أوقات يقتضى لبس القماش لكل طائفة يكون أنواع غير ذلك ، فإن تباب الخدمة لا تلبس فى غيرها وكذلك ثياب السفر وكذلك ثياب السرحات والصيد ، وكذلك ثياب التخفيف ، وكل نوع من هؤلاء يطول شرح تفصيله .
الباب الثالث في وصف أمير المؤمنين وببان أشواله وكان حقه أن يقده لكن مرادنا تضخيم الملك بت صار بالمبايعة منه إلى السلطان ووصف قضاة القضاة أهل الخل والعقد والعلماء أئمة الذين والقضاة فصل فى وصف أمير الزؤمنين وما يتعلق به وهو خليفة الله في أرضه ، وابن عم رسوله سيد المرسلين ، ووارث الخلافة عنه وقد جعله الله تعالى حاكما على جميع أرض الإسلام ، ولا يجوز أن يطلق في حق أحد لفظ سلطان من ملوك الشرق والغرب إلا إذا كان بالمبايعة منه ، وقد أفتت بعض الأئمة أنه من أقام نفسه سلطانا قهرا بالسيف من غير مبايعة منه فيكون خارجا ، ولا يجوز توليته أحد من النوات والقضاة، وإن فعل شىء من ذلك كان جميع حكمهم باطلا وعقد الانكحة باطل ، وفى ذلك أقوال كثرة ، وخلاصة القضية إن فى الحقيقة لا يطلق لفظ سلطان إلا لصاحب مصر نصره الله ، فإنه الأن أعلى الملوك وأشرفهم لرتبة سيد الأولين والآخرين ، وتشرفه من أمير المؤمنين بتفويض السلطنة له على الوجه الشرعي بعقد الأربعة أئمة ورأيت في بعض الأوقات كتب عهود بتفويض سلطنات لعدة ملوك من ديوان الخلافة ، أحدهم للملك الكامل خليل صاحب حصن كيفا، والأخر لصاحب اليمن ، وأخر لصاحب الهند، وأخر لصاحب مكة ، ولم أحرره ومن شرائط أمير المؤمنين وواجباته ما ذكرناه في حق السلطان ، ولكن يتعين اشتغاله بالعلم ويكون عنده خزائن كتب ، وإذا سافر السلطان إلى مهم يكون صحبته لأجل مصالح المسلمين ، وله جهات عديدة نقوم بكلفته ومساكن حسنة ، ويقال: إن ببلاد الغرب بعض دريه الخلفاء الفاطمتين يبايعون ملوك الغرب ، ولم أحزر ذلك وهل يجوز أم لا؟ وللعلماء في ذلك نظر فصل فى وصف قضاة القضاة أهل الخل والعقد والعلهاء أئمة الذين وقضاة القضاة أعظم الأركان وقعا وأعمها نفعا وعليهم مدار مصالح الأمة عقلا وشرعا والقصد بهم نصب ميزان المعدلة فى الأحكام ، وفصل القضاء بين الأنام عند الخصام ، وبسط بساط التناصف بين الخاص والعام في النقض والإبرام ، ولن يتم هذا القصد من مباشرة إلا إذا كان كثير من أخلاق النبوة ، من صفائه من متأنه دين تنزعه عن موارد نفس تحميه عن مواقف التهم ، وشرف همة تحمله على اكتساب مكارم الشيم ، ونزاهة تقى عرضه أن يتهم فى ما حكم ، وأن يكون متضلعا من معرفة أداب القضاء ، متحليا بتجربة قد كشفت له حقائق الأشياء ، رحيب الصدر تابت الرأى ، لا يتزعزع حصانة إذا طاشت ثوابت الأراء ، متردا بجلباب الوقار، متذرعا بشعائر النزاهة عن الأكدار ، متجنبا لفعل كل ما يحوج إلى الاعتذار ، سالك السنن القويمة عسى أن يكون أحد القضاة الثلاثة الذى فى الجنة وإلا فيكون أحد الأخرين الذين في النار ، وله شروط وأداب مذكورة محررة في كتب الفقه ليس هذا محله . والقضاة والعلماء هم العالمون بالشريعة الواضحة التى جاء بها رسول الله ، وشرعها، والحجة القاطعة التي دحض بها شبه المبطلين وقطعها ، والطريقة المثلى التى بناؤها على قاعدة الوحى والتنزيل ووضعها ، والحقيقة العليا التى أعلاها الله على جميع الشرائع والملل ورفعها ، فهى سبيل تقضى بسالكيه إلى الصراط المستقيم ، ودليل يهدى متبعيه إلى الفوز العظيم ، لها حماة وحملة فحماتها الملوك وحملتها العلماء أما الملوك الذين أقامهم الله تعالى لحراسة الذين ، وحفظ الملة وحماية الشريعة ، فقد تقدم القول في تفاصيل بعض صفاتهم ، وفيما يتعين اعتماده من صنوف تصرفاتهم وأما العلماء فهم القائمون بحملها ، المعتنون بنقلها ، الحاملون عبء تقلها ، ففي الحقيقة هم بأحكامها معتنون، يعدونها ذخرا ليوم لا ينفع مال ولا ينون، وقد رفع الله تعالى بعضهم فوق بعض درجات ، واختص من يشاء من لطفه بمزايا وصفات ، فأقدرهم معتبرة بالصفات دون الذوات ، ومراتبهم بالعلم متفاوتة بحسب ما رزقوا من الثمرات ، فلا جرم منهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات .
أما الظالم لنفسه فهو الذى لا يعمل بعلمه ، ولا يقف عند واحب الشرع وحتمه ، فهو على الحقيقة تابع هواه ، نائع هداه ، فينبغى أن لا يفوض له أمر دينن ليتولاه ، فإن من لم ينصح نفسه خليق به أن لا ينضح من سواه ، وأما الأخران فجدير بهما أداء ما تحملاه ، وحقيق لهما النهوض بأعباء ما تقلداه ، فإن الأعمال الدينية هي أبدا مبتداء الاهتداء إلى طريق الحلال والخرام ، والافتقاء بما يعرض من الوقائع والأحكام ، والقضاء بين المتنازعين لفض الخصام ، والاعتناء بأمور المستضعفين من الأيام والأيتام ، وفضائل العلماء كثيرة لا تحصى ، ومزاياهم عديدة لا يدرك أمرها ولا يستقضى ، وإثما هذه نبذة من بعض صفاتهم لا يبلغ عشر معشارها ، ولا يقدر واصف يصف جزة من ألف جزء من مقدارها، وليس وضعنا هذا المصف لهذا المعنى ، وإنما المراد تبيين بعض أحوالهم في منصبهم الأسنى ، وأجلهم قاضى القضاة الشافعي ، ثم يليه قاضي القضاة الحنفى ، ثم يليه قاضى القضاة المالكي ، ثم يليه قاضى القضاة الحنبلي ولكل منهم نواب يحكمون بالديار المصرية ، قيل : إن بها نيف عن مائتي قاضي حكم ، وبالديار المصرية علماء ومدرسون وصوفيون وصلحاء بحيث يعجز الإنسان عن ضبطهم ، ولكل منهم هيئة بذاته . وأما مشايخ الفقراء وطوابقهم وأهل الزوايا فشىء يحصر، ويحضرون إلى السلطان في أول كل شهر يهنئونه لمباركة الشهر عليه وكذلك في كل يوم من ثلاثة أشهر التى يقرا فيها البخارى ، وعند دوران المحمل وفى العيدين ، ويحضر قاضي القضاة الشافعية في كل يوم جمعة فإنه خطيب الجامع الأعظم بالقلعة المنصورة ، ولكل من القضاة جهات مخصوصة به .
الباب الرابعة في وصف الصاحب الوزير والدوله الشريفة والسادة المباشرين أركانها وما بتعلق بكل ديوان وكتابه مثل الإنشاء والجيش والمفرد والخاص وبقية الدواوين والموفقين على ما بأتى نفصيلها فصل في وصف الصاحب الوزير والدوله الشريفة وما قدمناه إلا لفضيلته ونذكر بعض ما فضل به على غيره، وقد صرح الكتاب والسنة باتخاذ الوزير والاستظهار به فى التدبير : قال الله تعالى في قضة موسى عليه السلام : { واجعل لى وزيرا من أهلى} [سورة طه: الأية 29] . وقال تعالى : { وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا [سورة الفرقان: الاية 35] . قال الواحدى في تفسيره أى ملجا ومعينا وقال رسول الله : من ول شيئا من أمور المسلمين وأراد الله به خير جعل له وزيرا صالحا إن نسع ذكره وإن ذكر أعانه، وإذا أراد به غير ذلك جعل له وزير سوء إن نس لم يذكره وإن ذكر لم يعنه . واختلف فى اشتقاق هذا الاسم علم ثلاثة أوجه ، أحدها أنه مأخذ من الوزر ، وهو الثقل ، فإن الوزير يحمل عن الملك أثقاله ، وثانيها انه مشتق من الوزر وهو الملجا ، ومنه قوله تعالى : { كلا لا وزر لسورة القيامة: الأية 11) أى لا ملجا فالملك يرجع إلى رأى الوزير ومعرفته وتدبيره ، وثالثها أنه مأخود من الأزر وهو المظهر ، ومنه قوله تعالى في قضة موسى عليه السلام ، { أشدد به أزرى} [سورة طه الأية 31] أى قوى ظهرى ، فالملك يقوى بالوزير كقوة البدن بالظهر . ومن انتصب لهذه الوظيفة لزمه النهوض بمهمات الدولة وأمور المملكة بأن يحمل أتقالها، ويزيح اختلالها ، ويصلح أحوالها ، ويحفظ رجالها ، وينقى أموالها، ويستخدم الكفاة الثقاة ويوليهم أعمالهم ويلزمهم محجة المعدلة واعتدالها ، ويحذرهم عاقبة الظلم ووبالها ، وينذرهم نكال الظلمة والخونة وما لها ، ثم يتفقد فضائل أحوالهم ، ويراعى تصرفهم فى أشغالهم ، ويتطلع سرا وجهرا إلى أقوالهم وأفعالهم ، فمن وجده منهم قد نسى ذكره ، أو غفل عن شىء بصره ، أو أخطا عن سهو عذره، ومن أحسن منهم في عمله ثمره، وقام فيه بواجب حقه ووقره، وخصه بزيادة رعايته وأعلى مكانته وشكر ، ومن خان عهد أمانته وفرط فى ولايته عاقبه وعزله وعزره، ويعتنى بجهات الأموال وحراسة أسبابها ، وفتح أبوابها وضبط حسابها ، وبث الإحسان ، فى مظان اكتسابها ، واعتماد العدل والأنصاف في استخراجها واجتلابها ، فإن كثرة الأموال وقلتها بقدر المعرفة باجتلابها ، من شعابها من جرى مقررة، ومتاجر معشرة وأخرجة محضرة وعشور محررة وقسم مقذرة وغنائم موفرة وفىء من جهات غير منحصرة هذا إلى زكاة واجبة ، وأجور لازمة وديات دماء ذاهبة ومحرر مباحات رائبة ، ومستخرج معان غير ناهبة ، وعداد نعم سائمة لا سائبة ، ووظائف على أثرة عاملة ناصبة ، إلى غير ذلك من تربيع مزارع وتوزيع قطائع وتوسيع مراتع وتفريع مواضع ، وترجيع طوالع فهذه جهات أموال جعلها الشرع بيد السلطنة زمام استخراجها ، ومكن من استيفائها بسلوك طريقها ومنهاجها ، وفوض فيها حقوقا تجب رعايتها عند صرفها وإخراجها ، فإذا أقام وزير المملكة فى جهات الأموال نوابا بين لهم تفصيل هذا الإجمال ، وحرضهم على حسن التوصل إلى استخراج الأموال ، وعرفهم الطرق المفضية إليها لئلا يشتبه عليهم الحرام بالحلال ، وأمرهم باتباع الحق واجتناب الباطل على كل حال ، ويتفقد السلطان أعمال الوزير ، وما قد أصدره عن الرأى والتدبير ، فما وجده على وفق الصواب قرره وتركه ، وما رأه على خلاف ذلك رده واستدركه ، وفى فضائل الوزير وترجيحه على غيره وما يتعين له وعليه أمور كثيرة اختصرتها خوف الإطالة . وزوى أن سبب تلقب الوزير بالصاحب أنه كان أبو القاسم أسماعيل بن أبى عباد العباس بن عباد الطالقانى ، كان نادرة الدهر وأعجوبة العصر فى فضائله ومكارمه ، وكان يصحب أبا الفضل بن العميد ، فقيل له : صاحب ابن العميد ، ثم أطلق عليه هذا اللقب لما تولى الوزارة ، وبقق عليه ، ثم سمى به كل من ول الوزارة بعده ، وكان هذا الصاحب ابن عباد وزير مؤيد الدوله ، ثم وزير أخيه فخر الدوله ، ومما قيل فيه : أبعد ابن عباد بهش إلى السرى أخو أمل أو يستماح جواد أبى الله إلا أن يموتا بموته فما لهما حتى المعاد معاد ومما رثى به رحمه الله ، ما مت وحدك بل كل امرىء ولدت حواء طرا بل الدنيا بل الذين تبكى عليك العطايا والصلاة كما بكت عليك الرعايا والسلاطين قام السعاة وكان الخوف أقعدهم واستيقظوا بعد ما مت الملاعين لا يعجب الناس إن هم فيهم انتشروا مضى سليمان وانحل الشياطين وأيضا فيه : ورث الوزارة كابرا عن كابر موصولة الإسناد بالإسناد وحكى أنه كان لبعض الخلفاء وزير ، وكان الثغ لا يحسن أن يتلفظ بالراء وكان يستعمل الالفاظ التى تغنيه عن ذلك بأحسن عبارة ، بحيث لا يظهر لأحد عيبه ، ولم يشعر به الخليفة مدة وزارته حتى اجتمعت الحساد وعرفوا الخليفة بذلك ، واجتهدوا إلى أن أمره الخليفة بكتابة كتاب من مضمونه إن الأمراء بالبصرة يحفرون نهرا يمر به الفارس برمحه فكتب ، فقال له الخليفة : اقرأه فقرا الوكلاء بالفيحاء يجدلون جدولا يخطو به الكميت بقنائه ، فاستطرف الخليفة منه ذلك وكان اسمه نجما وكان للخليفة ولد اسمه يحبى ، وكانوا أتهموا الوزير به لمحبته له ، وكان مكتوبا على فص خائم الوزير أحرف ، فاجتهدت الحساد أن الخليفة يقرا ما فى خائمه ، فوجد مكتوبا فيه تجم عشق يحيى فأمر بقتله ، فسأله التمثل بين يديه ، فلما تمثل بين يدى الخليفة ساله عن ذنبه ، فقال له : ما هذا المكتوب في خاتمك ] فأجابه اسم الله الأعظم من القرآن: فقال له : اقراه فقرا بحم عسق نجنى ، فاستحسنه وخلع عليه واعتذر إليه . ولما وليت الوزارة في الأيام الأشرفية قصدتنى الشعراء ، وتغالوا في الأقوال حتى إن جمع بعض صحابى أوراق أشعارهم وكانت جملة ونسخ منها كتابا وسماه الدرر السنية فى المحاسن الغرسية ، وقد أعجبنى منها ما نظمه الشيخ شمس الدين بن الخراط ، وهى قصيدة مطوله من جملتها : يا وزيرا اختاره الله كفوءا وهو للمنصب الجليل خليل أنت للاشرف المليك عديل ووزير وصاحت وخليل وحكى أن يعض الخلفاء عزف وزيرا له فقال: إن الوزير هو قطب الدوله ومدارها، وزند المملكة وسوارها ، يستضيء الملك في ظلمة بهامه بأنوار تدبيره ، ويتحمل عنه أعباء ما يحدث من قليل والخطب وكثيره ، وجليله وحقيره ، وفتيله وتقيره فعليه بذل المجهود ليصيب الصواب بسهام هممة ، ويصوب أنواء أرائه فينجس من التدبير عيون ديمه ، ولما كان هذا المنصب في نفسه جليلا ، كان المناهل للقيام بوظائفه قليلا، فإن المتقدمين من فضلاء العظماء ذكروا في صفات مباشرته شرحا طويلا ، وحملوا من كمال أمانة الوزارة من الأوصاف المعتبرة عبا تقيلا ، وألخصها ما كتبه المأمون في اختيار وزير ليرتاد له ، فقال: إنى التمست لأمورى رجلا جامعا لخصال الخير ذا عقة فى خلائفه ، واستقامة ف طرائقه قد هذيته الآداب ، وحنكته الوقائع واحكمته التجارب ، إن اؤتمن على الأسرار قام بها، وإن قلد بمهمات الأمور نهض فيها ، نطقه العلم ، ونسكه الحلم ، وتكفيه اللحظة ، وتغنيه اللحمة له صوله الأمراء ، وإناوة الحكماء ، وتواضع العلماء ، وفهم الفقهاء ، وإن أحسن إليه شكر ، وإن ابتلى بالإساءة صبر ، لا يبيع نصيبا من يومه بحرمان عد يسترق قلوب الرجال بحلاوة لسانه ، وحسن بيانه ، وأما الدوله الشريفة فهى ديوان جليل ، بها تجمع الأموال من كثير وقليل . ولها جهات عديدة منها قطيا المعمورة ، وموجب البضائع الواردة إلى مصر والقاهرة بزا وبحرا ما لم يكن فيها صنف خاص ، ومتحصل بيت المال المعمور من جهات المواريث الحشرية ، وجهات مصر والقاهرة المضمونة والمحلوله مما يطول شرح تفصيلها ، وجهات الطرأنه ، وجهات منفلوط وبلاد إقطاعات وحمايات ، ومستاجرات ورسوم ولايات ، ومتحصل الحفير من عدة أقاليم، ومساحة القصب والقلقاس ، ودولات السواقى يزرع عليها أصناف عديدة وغير ذلك ، وعلى الدوله الشريفة مصروف جملة مستكثرة مثل تكفية عليق الخاص الشريف، وعلوفة القصاد والمترددين واسمطة الخاص الشريف، وتكفية عمائر السلطنة ، وصرف مرتب لحم المماليك السلطانية وجرايتهم ، وكذلك كل من له مرتب وتكفية البيوتات ، وصرف الصدقات المرتبة على بيت المال المعمور ، وعلوفة الأبقار وحمل الآتبان. والدريس للإصطبلات الشريفة ، وغير ذلك كان في أيام الملك الظاهر برقوق مصروف الدوله في كل شهر عن جميع ما ذكرناه وغيره خمسين ألف دينار ، وأما الأن فأقل من ذلك بشىء يسير ، وللدوله الشريفة ناظر ومباشرون ، وقيل: إنه كان عدة مباشرى الدوله الشريفة في الزمان المقدم نيف عن ثلاثمائة مباشر وبها مقدم وتحت يده رسل وأعوان جملة مستكثرة ولها حاجب وشاد دواوين وشاد المستخرج ، ولو أردنا وصف ما يتعلق بالدوله لطال الشرح حتى أنه حكى بعض الثقاة أنه رأى في بعض التعاليق إن رفع تعاريف الدوله لبعض الوزراء عن مصر والقاهرة عند عصرية النهار ، فكانت قريب من خمسة ألاف مثقال وهذا فى غاية العجب ، وأما الأن أظن أن ما يمكن أن ترفعه تعاريف الجهات المذكورة خمسمائة دينار فصل شى وصف السادة المباشرين أركان الدوله الشريفة وما يتعلق بكل ديوان وكتابه مثل الإنشاء والجيش والمفرد والخاص وبقية الدواوين والموقعين على ها يأتى تفصيله أما ناظر الإنشاء الشريف فهو كاتب السر وكاتم السر يطلق في حقه ناظر الإنشاء الشريف، وناظر دواوين الإنشاء الشريف، لأن بكل مملكة ديوان إنشاء ، وقيل: إن أول من وضع الخط العرين وصنع حروفه وأقسمه ستة أشخاص من طسم ، كانوا عند عدنان بن أدد أسماؤهم أبجد ، وهوز ، وخطى ، وكلمن ، وسعفص وفرشت ، فلما إن وجدوا أحرفا خارجة عن أسمائهم الحقوها بها وسموها روادف ، وزوى أن أول من أتى أهل مكة بكتابة العربية سفيان بن أمية بن عبد شمس ، ثم انتشرت وقيل غير ذلك ، والكاتب عضد معين وعون مسعد ، ولا بذ للمملكة منه ولا غنى لها عنه ، ومراتب الكتابة المتعلقة بالسلطانه، كانت قديما ثلاثا كتابة الإنشاء وكتابة الجيش وكتابة الأموال ، وأما كتابة الإنشاء فهى من مقومات الملك وقواعد المملكة ، وصاحبها المباشر لها في خدمة السلطان، معدود من أكبر الأعضاد والأعوان ، قائم فى اهتمام مقاصده وأغراضه مقام الترجمان ، فأنزل منه منزلة القلب واللسان من الإنسان ، فإنه المطلع على الأسرار ، المجتمع لديه خفايا والاختبار ، المنتفع به في طريقى النفع والأضرار ، ومن شروط براعته معرفة أيات القرأن وأسباب نزولها ، وعلم الأحاديث النبوية وكنه مدلولها ، وفهم سير الملوك الأولين في أفاعيلها وأوقاويلها، والتضلع من الحكم والآمثال بتفريعها وتأصيلها، والتطلع على وقائع العرب بجملها وتفاصيلها، والتوسع في أبحر المعانى الشعرية ما بين مقاربها وطويلها ، فبذلك يملك زمام البلاغة والبراعة ، ويرفى على أهل هذه الصناعة ، فإذا أمر السلطان بكتاب تخير له أفصح الفاظه وأرجح معانيه ، وجعل مطلع دعائه مشعرا بالغراض المودع فيه ، ويختصر تارة ويطنب أخرى ، ويستعمل في كل مقام ما هو أليق به وأحرى . حكى أن المأمون أمر عمرا ابن مسعدة كاتبه أن يكتب إلى بعض عماله كتابا لرجل له به عناية لحاجة للرجل عند المكتوب إليه ، وقال: أوجز ما استطعت وبالغ في حقه فكتب كتابى إليك كتاب وأثق بمن كتب إليه معتن بمن كتب له ، ولن يضيع بين الثقة والعناية حاملة والسلام ، فلما وقف عليه وقع منه بموقع ظهرت آثاره بنشره وبزه . ورأيت من له خبرة بديوان الإنشاء وأحواله يقول : شرط كاتم السر أن لا يكون يعرف بالتركى لئلا يطلع على بعض مقاصد الملك إذا تكلم باللفظ التركى ، وهدا ينافى قولنا كاتم السر فإن من لم يكتم السر إذا اطلع عليه بالتركي ، فكيف يكتمه بالعرب إذا كان فيه إخماد فتن وإراقة دم وغير ذلك ، وما ذكرت ذلك إلا تنبيها على تغليظ قائل هذا القول ، وأما على رأتى فإنه كلما حفظ كاتم السر لسانا من الأسن كان عظمة فى حقه . ويديوان الإنشاء الشريف عدة موقعين وهم قسمان قسم يسمون موقعى الدست هم أجلهم ، ولهم مراتب شىء أعلى من شىء ، وقسم يسمون موقعى الدرج ولهم أيضا مراتب، قيل: أنه كان قديما بديوان الإنشاء نيف عن أربعين موقعا لا يبطلون من الكتابة ، ولا يضجرون منها لكثرة متحصلهم ، وهى على أنواع متعددة ، منها العهود المقررة للخلفاء والسلاطين على المنهج الواضح ، والأسلوب المبين والتقاليد لقضاة القضاة أهل الخل والعقد، بما يليق بكل منهم من براعة المطلع والختام الدالين على معظم القصد ، ولكفال الممالك الشريفة ذوى الرتب العوالي والمناصب المنيفة، وللصاحب الوزير الذى وظيفته قوام الملك في التصرف والتدبير، وللسادة المباشرين أركان الدوله الشريفة أولى الأقلام الموضحة والأيدى العفيفة ومناشير الاقطاعات للأمراء والأجناد المؤيدين لنصرة الدين وحماية البلاد، والتفاوض لمن يعتمد عليهم مما يطول وصف ذكرهم ، والتواقيع لأرباب المناصب والوظائف المنصفين كل مظلوم، والرادعين كل خائف والتواقيع الشريفة الموصلة كل ذى حق حقه، وقاطعة من كل ظالم سببه ، والمراسلات والمكاتبات المشتملة على طلب الحوائج ، وذكر الأشواق والمعاتبات والمريعات بالأرزاق، والأمثلة المبلغة كل راج سؤاله وأمله والمطلقات ، وغير ذلك مما يسلك المنشىء لها أجمل المسالك الأصل ، واختصرت هنا لكوني جعلته مختصرا ، وأما المراسلات والمكاتبات فهى على أنواع، فالمكاتبات هى المكتوبة لمن للملك عليه الولاء، والمراسلات ضد ذلك ممن قرب أو تلا ، ولا يمكن أن.
يكتب عن السلطان أنه يقبل الأرض أبدا إلا إن كان لأمير المؤمنين خاصة ورتب المراسلات عديدة أجلها المقام العالى ، وأدناها المجلس العالى وما بينهما ولكل مراسلة ألقاب تخصها وأما المكاتبات فتنقسم على أقسام عديدة ، وأجلها المقر الكريم ثم المقر العالى ، تم الجناب الكريم ، ثم الجناب العالى تم المجلس العالى ، تم المجلس السامى ، ثم المجلس الأمير الأجل أو القاضى الأجل أو الخواجة الأجل أو الشيخ الصالح ، ثم الصدر الأجل وتتفاوت هذه المكاتبات أيضا بالدعاء والتعظيم وسيف وحسام وبياء وبغير ياء وبالكافل وأدام وضاعف وأدام وصدرت ورسم وهذه وغير ذلك ، وأما الإخوانيات تنقسم أيضا على أقسام عديدة أجلها ذكر اللقب خاصة وتعريفها قضة فلان ويقبل الأرض وينهى ، ثم ذكر اللقب والكنية . التعريف مطالعة فلان الفلاني ، ثم ذكر اللقب والكنية والشهرة والدعاء والتعريف كما تقدم ، وبعد يقبل يبدا بالدعاء ، تم المخدومي والكنية والشهرة والدعاء بوسط المطالعة ، والتعريف كما تقدم ويقبل وكثرة الدعاء ويت الأشواق ، ثم الأبواب العالية بمطالعة ، ويقبل الأرض تم الأبواب بغير مطالعة ثم الباب بيقبل ، وكثرة الدعاء تم الباسط بيقبل وتمجيد بالغ تم اليد من هذا النوع أيضا ثم المقر الكريم ثم الجناب الكريم ، ثم الجناب العالى ، ثم المجلس العالى تم المجلس السامى تم الصدر الأجل تم رسم ، وفى ذلك جميعه تفاوت فى الرتب بكثرة الدعاء وقلته وصغر العلامة وكبرها وغير ذلك ، فأما ما كان صدرا من ديوان الإنشاء فلا يمكن تغيره ولا تبديله ، فإنه على الأوضاع المحكمة والقانون المستقيم ، وتبين رتب الناس ومنازلهم ، وأما ما كان من الإخوانيات فلا بأس بالحشمة فيها بحيث أن يقارب المعنى ، ولا يبالغ فى الخروج عن الحدود فيكون على نوع الاستهزاء ، وأما صفة العلائم فجميع علائم السلطان بقلم الطومار لا يعلم بغيره أجلها أخوه ثم والده تم الاسم ويكتب على المناشير الله أملى وعلى القصص يكتب ، وتسمى عند أهل الديار المصرية رجل غراب ، وأما علامة الإخوانية وغيرها المملوك فلا صغيرة جدا تحت يقبل ، ثم أكبر منها تحت يقبل ، ثم المملوك فلان بقلم الثلث تحت أعز الله ، ثم بعد خمسة أسطر ثم بأخر الكتاب ، ثم تحت البسملة فى بيت العلامة ، ثم يقلم الطومار تحت البسملة أيضا المملوك فلان ثم أخوه فلان ثم والده فلان تم الاسم خاصة ثم يعتمد فهذه نبذة من وصف الأنشاء وقد تقدم الاعتذار إن هذا الكتاب ملخص جدا فلا يمكن التطويل فيه ، ولا شرح بعض ما ذكرناه ومن له خبرة بديوان الإنشاء الشريف يفهم ذلك جميعه ، وأما المبايعة والفسخ ونسخ الخلف والخلع والأمانات والدفن والهدن فكل من هؤلاء له حكم ، وصفة بذاتها يفهمها كتاب الإنشاء الشريف، وقد وضعت ذلك أيضا في مصنفى الأصل . وأما ناظر الجيوش المنصورة فإنه من المعدودين بالممالك الإسلامية ، يقال : إن أزل من دون الدواوين في الإسلام وضبط الأمور عن الانتشار ، وأحاط الأحوال بيد الاستظهار ، ونزل أرباب الأرزاق على مراتب الأقدار، وجعل ما قرره من العطاء والقراء متصفا بمقدار أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فإنه لما اتسعت خطة الإسلام وامتدت أقطاره ، وظهرت آثاره ، وكشرت أنصاره ، وصارت ترد على أمير المؤمنين حمول الأموال ، من جهات الولاة والعمال، شاور من يعتمده لما هو الأحوط ، والانفع والأغبط ، فكل من الصحابة رضي الله عنهم ، قال : ما عنده من الشور ، وبدل فى المناصحة جهده حتى قال خالد بن الوليد يا أمير المؤمنين إنى كنت رأيت ملوك الشام قد دونوا دواوين وجندوا جنودا فدون أنت ديوانا وجند جنودا قبادر عمر رضع الله عنه ، واستدعى عقيل بن أبى طالب ومخرمة بن توفل وجبير بن مطعم ، وكانوا أنساب فريش ، وقال: اكتبوا الناس على منازلهم . فقالوا : ما نعلموه من رتب الناس . وقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه : إنى حضرت رسول الله وهو يبدا ببنى هاشم وببنى المطلب، فيدا عمر بهم ثم بمن يليهم من قبائل قريش بطنا بعد بطن حتى استوفى قريشا ثم انتهى إلى الأنصار إلى أخر ما ورد فى ذلك ، وقد اجتمع أهل الدراية بتدبير الممالك ، ومن انتصب لإصلاحها بإيضاح الطرق والمسالك ، إن من فراسة المملكة وسياقة الدوله ضبط أمور الجيش وحفظ أحوال الجند ، فإنه قطب مدارها ، وسبب استقرارها ، فيتعين الاغتناء به والنظر في مصالح كتابه فإنه شأنه أرفع وديوانه أجمع ، وعلمه أوسع ، لا سيما فى دوله فسيحة الأطراف ، واسعة الاكناف ، قد ذلت جريدة جيشها على الألاف ، فتحتاج إلى ترتيب منازلهم على قدر طبقاتهم، وضبط مقادير اقطاعاتهم وتفقاتهم ، ورعاية مبادىء مددهم وأوقاتهم ، ومعظم هذه الأمور معذوقة بناظر الجيوش المنصورة المشار إليه ، الذي مداره جميع أحوال المملكة على ما يصدر منه ويرد إليه وديوان الجيوش المنصورة ينقسم على قسمين ، قسم يعرف بديوان الجيش المصرى به جميع ما ينصب إلى الديار المصرية من أمج من الفرات وإلى الجنادل ، وقسم يعرف بديوان الجيش الثامن به جميع ما ينصب إلى أرض الشمال من الفرات من أمج وإلى ديار بكر حتى أنه لا يفرط بهذا الديوانين تمن دانق والجيوش تنقسم على أقسام أجناد خلقة وبحرية وتركمان وعرب وأكراد وغير ذلك .
حكى أنه وصل إلى الديار المصرية فى أيام بعض السلاطين قاصد من قرابالقلى أعظم ملوك الشرق ، ومعه كتاب يخبر فيه أنه عازم على أخذ الديار المصرية أو يقوم له بالجزية ، وأخبر أن عسكره جملة مستكثرة لا تحصى وبها عدة توامين، وكل تومان معه عشرة ألاف فارس ، وإن جميع عسكر بلاد السلطان ، إذا جمع ما يقابل عشرين تومانا من توامينه ، والعشرين تومانا إذا انفروا عن عسكر لا يبان النقض فيه ، فانحصر السلطان من ذلك ، وقال: ما يكون جواب هذا الباغى وجميع أرباب رأيه ، وأخصاء دولته منهم من قال: ترك جوابه، ومنهم من قال: نظهر له من الكلام القوى ما هو أعظم مما قاله ، ومنهم من قال المداراة أنسب ، ومنهم من قال: نجاوبه بكلام يؤديه عند سماعه ويشوش عليه ، ومنهم من قال: غير ذلك ، وكان في ذلك الزمان ناظر جيش ليس له نظير فى المعرفة والمعقول ، فقال : يا مولانا السلطان وحياة رأسك عسكرك أكثر منه وأنا أبتن لك ذلك ، ويكون جواب هذا الباغى أن تكتب جرائد من ديوان الجيوش المنصورة ، وترسل إليه على السكت من غير جواب . فأجابه السلطان إلى ما قاله ، فكتبت جرائد من جيش الديار المصرية بأسماء أجناد الحلقة ، وعدتها أربعة وعشرون ألفا والمماليك السلطانية عشرة ألاف، ومماليك الأمراء ثمانية ألاف، وأجناد الحلقة بدمشق المحروسة أثنا عشر ألفا، ومماليك كافلها والأمراء بها ثلاثة ألاف ، وأجناد الحلقة بحلب المحروسة ستة ألاف ، ومماليك كافلها والأمراء بها ألفان، وأجناد الحلقة بطرابلس المحروسة أربعة ألاف ومماليك كافلها والأمراء بها ألف ، وأجناد الحلقة بصفد ألف ، ومماليك كافلها والأمراء بها ألف ، وأجناد الحلقة بغزة ومماليك كافلها والأمراء بها ألف ، وحصرت عدة المدن بالبلاد الشمالية والديار المصرية مما تقدم ذكرها قريب ستين مدينة ، وضبط ما فى المدن من أجنادها وممن هو بخدمة نوابها من الختالة فكانت ستين ألفا، ثم كتبت قبائل العربان، فأول ما بدا بأل فضل وهم بنو نعير أربعة وعشرون ألفا، ثم عرب الحجاز بكماله أربعة وعشرون ألفا ثم أل على ألفان ، وغرب العراق ألفان، وغرب يلملم ألفان، وعرب الجزيرة الفان ، وغرب متروك ألف ، وغرب جرم ألف ، وغرب بني عقبة وغرب بني مهدى ألف ، وغرب أل أمرا ألف، وغرب جدام ألف ، وعرب العائد ألف ، وغرب فزارة ألف ، وغرب محارب ألف، وغرب قتيل ألف ، وغرب قطاب ألف ، وعربان متفرقه بالديار المصرية طوائف عديدة كل طائفة تشتمل على ما ينيف عن مائة خيال وتقدير جملتها ثلاثة ألاف ، وعرب هوارة جريدتها في الزمان المتقدم أربعة وعشرون ألفا ثم كتبت طوائف التركمان من غزة إلى الديار بكر مثل ابن قطلبك وابن كبك وابن سقلسيز وابن دلغادر وابن رمضان والأوزارية ويكدلو والبازاتية وبوزجالولار والمرعشكولار والأركية وأوج أخلو ، وبوز أخلو والإينالكة والخربندلية والكندولية والقنجولية ، وهؤلاء ينقسمون فرقا كثيرة وأصل جريدة الجميع مائة ألف وتمانون ألف خيال ، تم حسبت مقدمى العشران وهم خمسة وثلاثون مقدما وقرر عليهم خمسة وثلاثون ألف خيال ومنهم من يزيد ومنهم من ينقض ، ثم حسب جميع الأكراد ألفا، ثم حسب جميع البلاد بالوجه القبلي والبحرى من ديار المصرية ، ومن أمج إلى ديار بكر فكانت تزيد عن ثلاثة وثلاثين ألف قرية فكتب على كل قرية خيالين ، فكانت جملة ما كتب على القرى خاصة ستة وستين ألف خيال ، ثم رتب ذلك جميعه وكمله وقرره من أحسن شىء يكون ، وعملها نسختين ، ثم عرضها على السلطان، فأعجبه ذلك إلى الغاية وأنعم عليه بإنعمات كثيرة ، وصار عنده في غاية ما يكون من القرب ، ثم جهز إحدى النسخ صحبة القاصد ، وقال هذا جواب كلام مرسلك ولم يزيد على ذلك ، فلما وصل القاصد إلى مرسله وأوقفه على ما جهز صحبته فتعجب من ذلك غاية العجب ، وصار يسال من له خبرة بأحوال الممالك عن فصل فصل ، فيقولون له : كنا نظن أكثر من ذلك فاختصر ما كان فيه ، وأما تمرلنك عليه ما يستحقه ، لما جاء إلى بلاد الشمال كانت العساكر مختلفة والسلطان صغير ، ومع ذلك ما قدر على الوصول إلى الديار المصرية ، ولو أردنا وصف ديوان الجيوش المنصورة ووصف عساكره المخبورة ، على القانون والتمام ، لحصل الملال وطال الكلام وأما المشير كان قديما من المعدودين في المملكة إذا حصل مهم وأراد السلطان استشارة فيه ، استحضر أمير المؤمنين وقضاة القضاة والصاحب الوزير والأمراء مقدمى الألوف وأتابكهم ، ويكون السلطان قد لقن جميع مقصوده للمشير ، ثم يستشير الجماعة واحدا بعد واحد فكل منهم يتكلم ما عنده والمشير يعلل ، ويتكلم أيضا ما عنده ، وهم يعللونه أيضا والسلطان ساكت إلى أن يثبتوا على قول وينصرفوا عليه ، فيكون معنى المشير هنا إذا تكلم بلفظ مما لقنه السلطان سرا ، وردوه عليه أبهة للملك ، فإن الملك إذا تكلم بما فيه تعليل وردوه عليه يكون نقصا له ، وإن سكتوا يحصل الخلل فهذا فائدة المشير في الرأى والتدبير . وأما أستادار العالية له التصرف في جميع بلاد المفرد الشريف المرصدة لجوامك المماليك السلطانية ، وله التصرف أيضا فى غالب الأقاليم بطرائق عديدة ، وكان قديما للاستادارية أبهة عظيمة حتى أن بعض الاستادارية قبض عليه ، وحوسب على فائض الأموال واستخلص منه نقد عين خمسمائة ألف دينار خارجا عن آثاث ومتاع وأما قضية جمال الذين محمود مع الملك الظاهر برقوق مشهورة وكذلك قضية سعد الدين بن غراب وجمال الدين البجاسى في أيام الملك الناصر فرج ، وغير ذلك من الاستادارية . وأما ديوان المفرد فهو ديوان جليل وجهائه عديدة جارية بلدان كثيرة ، من جملتها فارسكور والمنزلة كل واحد منهما كان قديما خراجها ثلاثين ألف دينار ويستخرج في كل شهر قسط من صنف لا يشبه الأخر، قيل إن البلدان الجارية بديوان المفرد نيف عن مائة وستين بلدا، وبلد الحماية متعددة غير ذلك ، بلاد المستاجرات متعددة أيضا، وجهات الرسوم من الكشاف والولاة والشادين والمتدركين فجملة وحكى بعض الثقاة أنه اطلع على حساب أوراق بمتحصل ديوان المفرد عن سنة من عين ، وغلال وأصناف من جهات متعددة يطول شرح تفصيلها ، وصفتها في مصنفى الأصل واختصرتها هنا ولكن نذكرها جملة أما العين نيف عن أربعمائة ألف دينار ، وغلال ثلاثة أصناف قمح وفول وشعير ثلثمائة ألف أردب ، وأما الأن فلا أعلم من حاله شيئا ، وأما المقرر على ديوان المفرد الشريف تكفية جميع المماليك السلطانتة من الجوامك والعليق والأدر الشريفة ولوازمها ، وجماعة البيوتات وغير ذلك مما هو مرتب على المفرد الشريف وأما ناظر الخواص الشريفة فهو المتكلم على جميع الخواص الشريفة وجهاتها، وديوان الخواص من أجل الدواوين ، وأعلاها يعرض عليه أرخص الامتعة وأغلاها ، وله جهات عديدة من جملتها متحصل ثغر الإسكندرية المحروسة من واردى الفرنج، ومتحصل مقائضات البهار وبيع السمك البورى البطارخ ، وجهات الرسوم من أناسر متعددة والتراجمة ودار البياض ، وضمان الجمال بثغر الإسكندرية ورسم البهار الوارد من جدة إلى الطور ، ومتحصل جهات ثغر دمياط وهى متعددة من جملتها قياس القصب ومتحصل الخمس ، وضمان بحيرة السمناوية وغير ذلك ، ومتحصل فوه وبلاد البرلس ونستروة وثغر رشيد وفرع بالوجه القبلي ، وجهات حمايات ومستاجرات وقرى متعددة ودواليب وزراعات ، وفندق الكارم بمصر المحروسة ، ومتحصل المواريث الحشرية المنسوبة لأعيان الناس بالديار المصرية ، متحصل جهات أدر الضرب ، ومتحصل فرع ببروت ورسم البهار مما يوجب عليه ببدر وحنين ويويب العقبة وجسر الحساء ، ورسم القناصلة والتراجمة وله الولاء على كل من يعمل صنف خاص ، وأما ما يلزم ديوان الخاص الشريف عمل براق التجاريد الشريفة ، ومهم عيد الاضحى وتفرقة الضحايا للخاص والعام لمن ينسب إلى الملك بمقتضى ضرائب معينة ، ومهم عيد القطر والبائكة ، ومهم كساوى الأدر الشريفة من الأقمشة المذهبة المنوعة مما يطول شرح وصفه ، وكساوى المماليك السلطانية ، وتفرقة الملبوس لأركان الدوله والسادة القضاة، والموالى الأمراء وكقال الممالك لكل منهم ما يليق به بمقتضى ضرائب معينة اختصرتها هنا ، وعليه تكفية المطلوبات والصرر المقررة لأرباب الإدراك ، وحمل الحلاوي والفواكه للخاص الشريف، والأدر الشريفة وتكفية الهدايا برسم الملوك من أصناف متنوعة ، وتكفية التشاريف الشريفة لأرباب الوظائف في عيد الفطر وكذلك لكل من يستقر في وظيفة ، وكذلك للقصاد والمترددين وغير ذلك ، والتشاريف الشريفة عديدة وتتفاوت بحسب المقام والوظيفة على ما يأتى تفصيلها شعار الملك الشريف، والفوقانيات اليلبغاوية بالطرز الزركش العراض ، والأطلسينات المتمرة والكوامل الطرش والأقبية النخ بالقاقم والجبب والفوقانيات بالطرز العراض ، والأطلسينات الشدج والفوقانيات بالطرز ذراع ونصف ، ثم دون ذلك إلى أقلها والاقبية التبريزى والعفين بالطرز والطردوحش والمسمط ، وكل نوع له تفصيل بذاته وفيه العالى والدون .
وأما بقية الدواوين فعديدة نذكر ما يستحضرناه منها، وكتابة ديوان الإصطبلات الشريفة من الدواوين المعدودة له ناظر وعدة مباشرين ، وديوان الخزأنه الشريفة وله جهات عديدة وناظر وعدة مباشرين ، وديوان الأوقاف والأملاك الشريفة وجهاتها عديده وله ناظر ومباشرون، وديوان المستاجرات والحمايات الشريفة فعديدة وله ناظر ومباشرون ، وديوان الأحباس المبرورة به ما يحبس من الأرزاق ، وله ناظر ومباشرون ويكتب منه التواقيع الأحباسية ، وديوان الأشراف يضبط به جميع الأشراف وأنسابهم وأما يتعلق بهم من الأوقاف وله ناظر ومباشرون ، ورأيت لبعض نظاره عجيبة مع شريف له ذوق ، وكان حصل بينهما منازعة ، والقضية طويلة وخلاصتها أن الشريف كتب أبياتا من جملتها ، قلت لدنياى جرنت مسرفه على بني المرتضى أبى الحسن فقال كيف أصفو لطائفة أبوهم بالثلات طلقنى ودفعها إلى ناظر الأشراف ومضى إلى سبيله ، وديوان العمائر فكان قديما به ضبط عظيم يتعلق بالمهندسين وأرباب العمائر ، وبه من الأشياء المفردة والإحكامات ما يطول شرحه وله ناظر ومباشرون ، وديوان الأحواش فهو ما يضبط جميع تعلقات الشكارخاناه وله ناظر وعدة مباشرين ، وديوان الذخيرة فهو من أجل الدواوين بجمع به أموال الذخيرة من جهات متعددة وله ناظر ومباشرون ، وديوان المرتجع الذى يرتجع أمر المباشرين من جهة المنفصل والمتصل إليه يحاسب كل منهم على مستحقه ، ومن لم يكون له مطالب رجع أمر إلى السلطان وله ناظر مباشرون، وديوان الاستيفاء وهو الذى يستوفى به ما يتعين استيفاؤه وله ناظر ومباشرون ، وديوان الزكاة وهو الذى كان قديما يؤذ به الزكاة، وتحمل لبيت المال المعروف وتصرف منه ، وكان له ناظر ومباشرون ، وهو الأن متعلق بالدوله ، وعدة دواوين اختصرتها لكونها غير مشهورة الباب الخامس فى وصف أولاد الملوك ونظام الملك الشريف ونائب السلطنة الشريفة واتابك العساكر المنصورة والأمراء مقدمى الألوف والطلبخانات والعشرينات والعشروات والخمسوات بالديار المصرية أما أولاد الملوك من السلطان إلى من يطلق عليه لفظ أمير فولد السلطان يقال في حقه: نجل المقام الشريف، والبقية يقال لهم : الأسياد ولهم اللآلات يربونهم ، وكان قديم الزمان لا يظهرونهم للناس حتى يجاوزوا سبع سنين ، وكانت الطريقة أن يعلمونهم الآداب ، وكانت السلطنة والأمرة لا تخرج عنهم ، وحكى لى شخص من الثقاة يسمى المعلم بركة البيطار من أعيان أهل الحسينية كان سنه نحو مائة سنة أنه رأى مكانا بالحسينية به نحو أربعين أميرا من أولاد الملوك والأن غالبهم مهمل ، قيل: إن الأمير صلاح الدين بن غراب كان حاجب الحجاب بالديار المصرية ، وتولى نيابه السلطنة الشريفة بثغر الإسكندرية وأقام بها سبعا وثلاثين سنة وله آثار عمائر ، وكان من الشجعان تغمده الله برحمته ، وقيل: إن إبراهيم بن أمير جندار كان من الطبلخانات مشهورا بالفروسية وله حكاية مشهورة ثم استقر أميرا كبيرا بحلب المحروسة ، يقال: إنه ذح فى يوم أربعين أميرا، ومن العادة القديمة أنه إذا تولى سلطان وكان للمتقدم أولاد فلا بذ من سجنهم مخافة طريان أمر ورأيت بالطباق التى بالحوش المقدم ذكره قبل فصل الطاعون النازل في سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة ما يزيد عن أربعين نفرا من أولاد أولاد السلاطين السالفين ، ثم بعد ذلك رأيت الملك الأشرف أبا النصر برسباى تغمده الله برحمته أطلقهم إلى حال سبيلهم ، وكان ذلك منه سنة حسنة وقد توفى منهم جماعة في الفصل المذكور ، فإنه كان فصلا عظيما استمر بالديار المصرية نحو أربعة أشهر حتى أن يعض الأعيان ضبط ما كان يتوفى كل يوم ، فكان نحو اثنى عشر ألفا وخمسمائة من المصليات . وأما نظام الملك لا يكون إلا إذا كان السلطان غير رشيد ويكون قد عينه بعهد من السلطان بالسلطنة ، وللنظام التصرف في تعلقات الملك خلا الأموال لكن بمراجعة السلطان، وله أبهة أميز من غيره من الأمراء ، ويحكى أنه كان في زمان بعض السلاطين طواشي يسمى كافورا الاخشيدى ، وكان أسود فوثق به الملك فلما دنت وفاة الملك عهد بالسلطأنه لولده ، وجعل الطواشي كافورا نظام الملك ، وقال في نفسه ، هذا الطواشى لا يمكن أن يكون سلطانا تم توفى السلطان فأقام ولده مدة يسيرة فى السلطنة ، فاجتهد كافور فخلعه ، والقضية في ذلك تطول وخلاصتها أن كافورا استقر سلطانا بالديار المصرية . وأما نائب السلطنة الشريفة كان قديما ينوب عن السلطان، والأمور جميعها معذوقة به ، ويعلم على القصص عوضا عن السلطان، وله أبهة عظيمة وأخر من استقر بالديار المصرية الأمير الطنبغا العثماني ، ورأيته بعد ذلك بالقدس الشريف مجاورا وهى الأن شاغرة لا يستقر بها أحد إلا إذا توجه السلطان إلى مهم من المهمات ، ويسمى نائب غيبة . وأما أنابك العساكر المنصورة فهو الأمير الكبير ، ويسمى أيضا بكلربكى لا تخلوا الديار المصرية منه ، وكان قديما له شأن عظيم ، قيل : إن الأمير يلبغا الخاصكي كان أتابكا بالديار المصرية ، وكان بخذمته ثلاثة ألاف وخمسمائة مملوك، وكان الملك الظاهر برقوق صغيرا فى ذلك الوقت ، وهو من جملتهم . وأما الأمراء مقدمي الألوف فكان عدتهم قديما أربعة وعشرين أميرا كل واحد منهم بخذمته ماتة مملوك ، وأرباب وظائف على العادة ، وهو مقدم على ألف جندى حلقة فلاجل ذلك يسمى أمير مائة مقدما على ألف ، وتدق على بابه ثمانية أحمال طلبخاناه وطبلان دهل وزمران وأربعة أنفرة والدهل والزمور المستجدة والاآتابك نظير ذلك مرين وفى الأمراء مقدمى الألوف من هو صاحب وظيفة ، ومن ليس له وظيفة سياتى بيان ذلك فى بابه وأما أمراء الطبلخانات فكان عدتهم قديما أربعين أميرا كل واحد منهم بخذمته أربعون مملوكا تدق ببابه ثلاثة أحمال طبلخاناه ونفيران، وأما الأن طبلان وزمران، ومنهم أيضا من هو صاحب وظيفة ومنهم من لا وظيفة له سيأتى بيان ذلك أيضا. وأما أمراء العشرينات فكان عدتهم قديما عشرين أميرا بخذمته كل واحد منهم عشرون مملوكا . وأما أمراء العشروات فكان عدتهم قديما خمسين أميرا بخذمته كل واحد منهم عشرة مماليك .
وأما أمراء الخمسوات ، فكان عدتهم ثلاثين أميرا بخدمة كل واحد منهم خمسة مماليك ، وفى جميع من ذكرناهم من له وظيفة ومن لا وظيفة له .
الباب السادس في وصف أرباب الوظائف مجملا زمفردا يأتي تفصيلها والأجناد القرانص والخاصكية وأجناد الحلقة المنصورة ومراكزهم ومراكز البطائق والثلج والبرد أما الصاحب الوزير وناظر الإنشاء الشريف ، وناظر الجيوش المنصورة والمشير وأمير أستادار العالية ، وناظر الخواص الشريفة وناظر الدوله الشريفة والموقعون والمباشرون تقدم وصفهم وكذلك القضاة وأما الوظائف التي تقتضى أربابها أن يكونوا من جملة مقدمى الألوف المقدم ذكرهم نذكرهم على حسب منازلهم تقدم وصف الأمير الكبير ، ثم يليه أمير سلاح ، ثم أمير مجلس ، ثم أمير دوادار الكبير ، ثم أمير أخور الكبير تم أمير رأس نوبة النوب ، تم أمير حاجب الحجاب ، ثم أمير خازندار الكبير ، ثم أمير الحاج الشريف . وأما الوظائف التي تقتضى أن يكون بها أمراء طبلخانات ، فنذكرهم أيضا على منازلهم ، وهم شاد الشربخاناه والدوادار الثاني وأمير أخور الثاني ورأس نوبة الثاني والحاجب الثاني والخازندار الثاني ونائب القلعة المنصورة والزردكاش وأمير شكار وأمير جندار ، وأما الوظائف التي تقتضى أن يكون بها من العشرينات والعشروات الدوادار الثالث ، وأمير أخور الثالث ورأس نوبة الثالث والحاجب الثالث ، واستادار الصحبة وسبعة حجاب وعشرة رؤوس لوب. وأما الوظائف التي تقتضى من يستقر فيها بغير أمرة عشرون حاجبا وأمير طبر وأمير علم ، وكاشف الطير وسواق الخاص وأمير منزل وأمراء جندارية عشرة وشاد القصر وشاد الحوش وشاد الدواوين وشاد السواقي وشاد الأسواق وشاد المراكب وشاد الخاص وشاد المستخرج وشاد الشون وشاد البيمارستان وشاد العمائر وشاد الأحباس وشاد المعاصر وشاد أدر الضرب وشاد الأوقاف وشاد السلاح خاناه وشاد القنوات وأربعون أمير أخور وعشرة زردكاشية . وأما الوظائف المفردة التي تقتضى من يكون فيها بأمره مقدم البريدية ، والمهمندار ودلال المماليك ، ومنولى القاهرة ونقيب الجيش وأما والوظائف الدينية ناظر الحسبة الشريفة ، وناظر أدر الضرب ، وناظر المحمل الشريف، وناظر الأوقاف والإمام ناظر الحسبة بمصر ، وناظر البيمارستان وناظر المفرد الشريف وناظر الأشراف ، وناظر بيت المال ومفتى دار العدل ، وناظر الميقات ، والوظائف الديوانية عديدة تقلم ذكر البعض ، وهم ناظر الإصطبلات الشريفة ، وناظر المفرد الشريف وناظر الخزأنه الشريفة ، وناظر الشكارخاناه وناظر جهات وغير ذلك ، وأما الأجناد القرانيص فهم القديمون الهجرة الموصلون بالديوان الشريف أصحاب الأرزاق الثقال المتعينون إلى الإمرة يكونون فى منزلة أمراء الخمسوات ، كان عدتهم قديما مائة نفر، وأما الأن فدون ذلك ويسمون الوغالر . وأما الخاصكية فهم الذين يلازمون السلطان في خلواته ، ويسوقون المحمل الشريف ويتعينون بكوامل الكفال ، ويجهزون فى المهمات الشريفة ، والمتعينون للأمرة والمتقربون في المملكة كان عدتهم فى أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون أربعين خاصكيا ثم ازدادوا على ذلك حتى صاروا في أيام الملك الأشرف برسباى نحو ألف خاصكيا ، ومنهم من هو صاحب وظيفة ، ومنهم من ليس له وظيفة ، فأما أصحاب الوظائف منهم عشرة دوادارية وعشرة سقاة خاص وأربعة خازندارية وسبعة رؤوس نوب جامه دارية ، وأربعة سلاحدارية خاص ، وأربعة باشمقدارية غير ذلك ، وأما بقية المماليك السلطانية قيل : كان عدتهم فى أيام الملك الظاهر بيبرس البندقدارى بعمد الله برحمته قريب من ستة عشرة ألف مملوكا منهم أصحاب وظائف، والباقي بغير وظيفة ، فأصحاب الوظائف منهم جملة مثل السقاة والسلاحدارية والطبردارية والجمقدارية والجاشكيرية والمشرفين وأمراء مشوى والبريدية والجوكندارية والكمدارية ، وسوافى الطير والجمدارية والكتابية وغير ذلك ، ويقيتهم بغير وظيفة والجميع ثلاث فرق مشتراوات ، وهم المنسوبون إلى السلطان المستقز ، وسلطانية وهم المنسوبون إلى السلاطين المتقدمة وسيفية وهم المنسوبون إلى الأمراء المتقدمين وقد تقلوا بالديوان الشريف .
وأما أجناد الحلقة المنصورة ، فكان عدتهم قديما أربعة وعشرين ألف جنديا كل ألف منهم مضاف إلى أحد الأمراء مقدمى الألوف ، وكل مائة من الألف لهم باش ونقيب ومنهم من هو بحرى يركز بالقلعة المنصورة ومنهم من يركز فى غيبة السلطان بمراكز معينة بمصر والقاهرة ومنهم من يتوجه فى المهمات الشريفة وأما مراكز البطائق التى هي بالأبراج ، فأول ما نشى ذلك من بلاد الموصل ، وحافظ عليه الخلفاء الفاطميون بمصر ، وبالغوا حتى أفردوا له ديوانا وجرائد بأنساب الحمام ، وللفاضل محى الدين عبد الظاهر في ذلك كتاب سماه تمائم الحمائم ، وأول من اعتنى به ونقله نور الذين الشهيد زنكي رحمه الله في سنة خمس وستين وخمسمائة وحصل بذلك راحة للملوك ، فأما ما كان من قلعة الجبل إلى قوص فله مدة مديدة بطال لكثرة خراب فوض ، وما هو من قلعة الجبل إلى ثغر الإسكندرية مركزين منوف العليا ودمنهور الوحش ، وما هو من قلعة الجبل إلى تغر دمياط مركزين بني عبيد وأشمون الرمان ، وأما ما هو من قلعة الجبل إلى القرات فيتشعب منه فالأول بلبيس ، ثم الصالحية ثم قطيا ثم الورادة ثم غزة وإلى القدس الشريف وإلى نابلس وإلى الخليل عليه السلام ، ثم الضافية ثم الكرك ومن غزة إلى جينين ثم إلى بيسان ثم إلى صفد ومن جينين إلى طفين، ثم إلى الصنمين ، ثم إلى دمشق ثم إلى بعلبيك وإلى قارا تم إلى حمص ثم إلى حماة ثم إلى معرة ثم إلى خان تومان ، ثم إلى حلب ثم إلى البيرة وإلى قلعة الروم وإلى بهسنا ، ثم من خلب إلى قباقب ثم منها إلى تذمر تم إلى الرحبة ، ومن دمشق إلى صيدا ، وإلى بيروت وإلى تربلة تم إلى طرابلس ، فهذه عدة الأبراج ومراكز الحمام ولها براجة وخذام وأقفاص وأبغال للتدريج ومرتبات ، وأرزاق لتصير الاخبار متصلة مساعة .
وأما مراكز الثلج من دمشق إلى قلعة الجبل مما حدث تحميله في أيام السلطان الملك الظاهر برقوق تغمده الله برجمته على الهجن ، وكان ذلك لا يحمل إلا فى البحر خاصة من الثغور الشامية ، وهى بيروت وصيدا إلى تغر دمياط المحروس ، ثم ينقل من مراكب بخر الملح إلى مراكب بخر النيل ، ثم يؤتى به إلى بولاق ، ثم ينقل على البغال إلى الشربخاناه الشريفة ، وتخزن فى صهريج ، وهو الأن يحمل فى البر، وتربيب حمله من حزيران إلى أخر تشرين الثاني ، وعدة نقلاته فى البز أحد وسبعون نقلة ويجهز مع كل نقلة يريدى بيده تذكره ومعه تلاج خبير بحمله ومداراته، والمرصد لكل نقلة خمسة جمال والمرصد فى كل مركز ستة ليكون أحدهم فصله، والمراكز من دمشق إلى الصنمين ، ثم منها إلى طفس ثم إلى أربد ثم منها إلى جينين ثم منها إلى قاقون ثم منها إلى لد منها إلى غزة ثم منها إلى العريش ، وهو أخر ما قررت إقامته على مملكه الشام خلا جينين، فإنه على صفد ثم من العريش إلى الورادة ، ثم منها إلى المطيلم ثم منها إلى قطيا ثم منها إلى الصالحية ثم منها إلى بليس ، ثم منها إلى القلعة المنصورة ، والجمال من المناخات السلطانية ، وأما البريد فهو من أربع جهات جهة إلى فوض وأسوان ، وجهة إلى ثغر الإسكندرية ، وجهة إلى تغر دمياط ، وجهة إلى الفرات نهاية حذ الملك من الشرق لكنها تتشعب شعبا يقال: إن البريد فرسخان والفرسخ ثلاثة أميال، والميل ثلاثة ألاف ذراع بالهاشمى والذراع أربعة وعشرون إصبعا والإصبع ست شعيرات ظهر كل واحد إلى بطن الأخرى والشعيرة ست شعرات من ذنب بغل ، فأما جهة فوض وأسوان فمن مركز قلعة الجبل المنصورة إلى برنشت ، تم إلى منية القائد ثم إلى ونا إلى سياتم ثم إلى دهروت ثم إلى أقلوسنا تم إلى منة ابن خصيب ثم إلى الأشمونين ثم إلى ديروط الشريف ثم إلى المنهى ثم إلى منفلوط ثم إلى طما ثم إلى المراغة ثم إلى بلنسون ثم إلى جرجة ثم إلى البلينة ثم إلى هو ثم إلى الكوم الأحمر ثم إلى خان الدرنبا ثم إلى فوض ثم إلى الهجرة ثم إلى أيدوا تم إلى أسوان ، وقيل: إنه بريدان ثم إلى عيذاب، ومنها إلى أخر الإقليم ليس ببرد سلطانية ، وأما الجهة التي إلى ثغر الإسكندرية فهى على قسمين ، قسم يسمى الطريق الوسطى يشق من العامر ، يمر بالقرى من قلعة الجبل المنصورة إلى قليوب . ثم إلى منوف ثم إلى مخلة المرحوم تم إلى النحرارية ثم إلى التركمانية ثم إلى ثغر الإسكندرية ، والطريق الأخرى وهى الأخذة على البر، وتسمى طريق الحاجر ، وهى من قلعة الجبل المنصورة إلى جزيرة القط ، ثم إلى وردان ثم إلى الطرانه ثم إلى زاوية مبارك ثم إلى مدينة دمنهور ثم إلى لوقين ثم إلى ثغر الإسكندرية ، وأما طريق دمياط فتشغب من السعدية الأتى ذكرها إلى بينونة ، ثم إلى أشمون الرمان ثم إلى فارسكور تم إلى ثغر دمياط ، وأما الجهة الأخذة من قلعة الجبل المنصورة ثم إلى الغرابنى ثم إلى قطيا ثم إلى معن ثم إلى المطيلب ثم إلى السوادة ثم إلى الونادة ثم إلى بثر القاضى ثم إلى العريش ثم إلى الخروية ثم إلى الزعقة ثم إلى رفح ثم إلى السلقة ثم إلى غزة وطريق الكرك من غزة إلى بلاقس ثم إلى حبرون ثم إلى جبنا تم إلى الزوير ثم إلى الصافية ثم إلى الحفر ثم إلى الكرك ومن كرك إلى الشوبك ثلاثة مراكز ، وأما طريق دمشق من غزة إلى جينين ثم إلى بيت دراس تم إلى لذ تم إلى العوجا إلى الطيرة ثم إلى قاقون تم إلى فحمة ثم إلى جينين ثم إلى حطين ثم إلى زرعين ثم إلى عين جالوت ثم إلى بيسان ثم إلى أريد ثم إلى طفس إلى رأس الماء ثم إلى الصنمين ثم إلى غباغب ثم إلى الكسوة ثم إلى دمشق ، ثم من دمشق تتشعب المراكز فطريق البيرة منها إلى القيصر تم إلى القطيفة ثم إلى الافتراق ثم إلى القسطل ثم إلى قارا ثم إلى الغسوله ، ثم تتشعب الطريق إلى طرابلس سياتى ذكرها ، تم من الغسوله إلى سمسين ثم إلى حمض ثم تتشعب الطريق إلى جعبر سياتى ذكرها ، ثم من حمص إلى الرستن ثم إلى حماة ثم إلى لطمين ثم إلى جرابلس ثم إلى المعرة ثم إلى أبعد تم إلى أمار تم إلى قنسرين ثم إلى حلب ثم إلى الباب ثم إلى بيت برة تم إلى البيرة والطريق تتوجه إلى جعبر من حمص إلى المصنع تم إلى القرنين ثم إلى البيضاء ثم إلى تدمر تم إلى كريد ثم إلى السخنة ثم إلى قبقب ثم إلى كوامل ثم إلى الرحبة ، وأما ما كان من دمشق إلى صفد فمنها إلى البريج ثم إلى القلوس ثم إلى الأرينبة ثم إلى نعران ثم إلى جب يوسف ثم إلى صفد، ومن دمشق أيضا إلى خان ميسلون إلى حرين وهناك طريقان أحداهما إلى صيدا ، والاخرى إلى بعلبك ومن صيدا إلى بيروت ، وطريق بعلبك من دمشق إلى الزبداني ، ومن الزبداني إلى بورا ثم إلى بعلبك ، وأما طريق طرابلس فمن الغسوله إلى قدس ثم إلى أقمر ثم إلى العشراء ثم إلى العرقاء ثم إلى طرابلس ، وأما طريق الكرك من دمشق فمنها إلى القتيبة ثم إلى البردية ثم إلى البرج الأبض ثم إلى حسبان ثم إلى قنبس ثم إلى ديبان ثم إلى قاطع الموجب ثم إلى الصفرة ثم إلى الكرك ، وأما ما كان من حلب إلى أخر المعاملة فمنها إلى السموقه ثم إلى استدرا تم إلى بيت الفار تم إلى عين تاب ، ومنها إلى قلعة المسلمين ثلاثة برد ليس بسلطانية، ثم من عين تاب إلى دير كون ثم إلى قونا ثم إلى غربان، ثم إلى بهسنا ومن بهسنا إلى القيسارية سبعة برد ليس بسلطانية ، وكانت الخيول بالبرد متعددة إلى أيام الملك المؤيد أبى النصر شيخ المحمودى تغمده الله يرحمته الباب السابع في وصف الأدر الشريفة وزمامها والطواشية وخدام الستارة ووصف الخزانه والسلاح شاناه والحواصل الشريفة والتون والأهراء وجهات ذلك ومتحصلة ومصروفة أما الأدر الشريفة تقدم وصف القياع التى تختص بسكناهم ، والعادة القديمة أن الخوانذات تكون أربع لا يطلق في حق أحد من النسوة لفظ خوند إلا إذا كانت زوجة السلطان ، ولهن أبهة عظيمة في ذاتهن ولو أردنا وصف ملبوس كل منهن وتجمل بيوتهن لاحتاجنا إلى عدة مجلدات ، وخلاصة القضية أن إحدى الخوندات توقت في أيام بعض السلاطين فضبط موجودها ، فكان نيفا وستمائة ألف دينار ، واتفق في أيام الملك الأشرف أنه قصد ضبط عائلة خوند جلبان ، فكانوا نيفا عن سبعمائة نفر، وحكم إن بعض الخوندات نصبت القاعة الكبرى المعروفة بالعواميد ، فكان من جملتها مواعين من ذهب وفضة ، وبشاخين مزركشة مرضعة ، وتخوت مفضضة وتخت مرضع مذهب، وغير ذلك من الآلات العجيبة ، ومنارة من ذهب عليها جوهرة تضىء بالليل ، وأما السرارى فكان عدتهم قديما أربعين سرية كل واحدة منهن لها حشم وخدم وجوار وطواشية ، وأما بقية الجوارى بالأدر الشريفة فهن جملة مستكثرة من جميع الأجناس وفيهن أيضا من هي صاحبة وظيفة وللآدر الشريفة بلأنات ومراضع ودادات معينة، وأما زمام الأدر الشريفة فهو طواشى أدؤب عارف ، وسمى زماما لأن تعلق جميع الأدر الشريفة بيده وهو من أعيان أمراء الطبلخانات ، وعنده الكنانية بالقلعة المنصورة يتصرفون فى الأشغال وله شأن وأبهة ، وأما الطواشية فهم جملة وينقسمون إلى أقسام أجلهم مقدم المماليك السلطانية ، قسم سواقون بالطباق وقسم على الأبواب ، وقسم كنانية ، وقسم على باب الستارة . قيل : كان عدتهم قديما ستمائة طواشى ، وأما خذام الستارة فعديدة كالبوابين والحوائجح كاشية ، ومن هو مرصد لتقاضى الأشغال ، وسقائين وغير ذلك . وأما وصف الخزانه الشريفة فهى من الغرائب، وبها عدة خزائن وبها عدة صناديق مملؤة بالفصوص والجواهر وأصناف ذلك ، وأوان من ذهب وفضة وسروج ذهب ، وكنابيش زركش وطرز زركش ، وحوائص ذهب وأمتعة حسنة من كل نوع ، وأكياس مكيسة ذهب ، وفضة ومن كل صنف يطلب حاصل بها وأما السلاح خاناه فهى عجيبة من العجائب بها من جميع آلات السلاح من كل نوع يطلب ، وبها صناع كل صف يعلمون لا يبطل منهم أحد، وأوصافها كثيرة اختصرتها خوف الإطالة .
وأما الحواصل الشريفة فهى التى يساق بها خاصل كل صنف كالبهار ، وأنواع متنوعة من كل صنف ، والأخشاب والأقصاب والحديد والكودة وما أشبه ذلك مما يطول وصفه ، وأما الشون والأهراء فهى عجيبة من عجائب الدنيا لأن الشون يوضع بها ما يستعمل من الغلال والأحطاب والاتبان وما أشبه ذلك ، والأهراء يوضع بها ما يخزن من الغلال المتنوعة لا تفتح إلا عند الضرورة ، كان الملك الأشرف حجر على بيع الغلال ، حتى إن كل من قصد بيع غلة حملها إلى الأهراء وقبض تمنها ، ثم أنه حصل غلاء فأبيع من الأهراء جملة فحسبت فائدة ذلك فكانت ثلاثمائة ألف دينار ، ولها مركب تعرف بالدرمونة ، قيل : أنها تحمل خمسة ألاف أردت ، ولم أحزر ذلك تحول الغلال إليها وهى كبيرة جدا وكذلك مراكب كثيرة تحول الغلال ، وتفتح الأهراء فى كل حين ويصرف منها ما يقتضي صرفه .
الباب الثامن في وصف البيوتات والمطبع والإصطبلات الشريفة وما بها من الآلات على حسب الاختصار ووصف الشكارخاناه والسرحات والصيد والأحواش على ما يأتي تفصيل ذلك أما البيوتات فهى الشربخاناه التى توضع بها الأشربة والسكر والحلوا والعقاقير والفواكه وما أشبه ذلك ، ولها مهتار وعدة شرابدارية ، وأما الطشتخاناه فهى التى به الملبوس الشريفة والأقمشة ، وتغسل فيها الثياب ، وبها آلات كثيرة يطول شرح وصفها ، ولها مهتار وعدة طشتدارية ورختوانية وأما الركبخاناه فهى التى توضع بها آلات الخيط مما تدعو الضرورة إليه : قيل: إن عدة ما بالركبخاناه مما تحتاج الضرورة إليه ثلاثة ألافي قطعة مختلفة الأسماء والألوان ، ولها مهتار وركابدارية وسنجقدارية ومهمزدارية وقراغلامية، وغلمان مماليك ونقباء غلمان، والجميع من تعلقات الإصطبل الأنى ذكره ، وأما الفراش خاناه فهى التى بها الخيم والبسط والاسمطة والقناديل ، وما أشبه ذلك ، ولها مهتار وعدة فراشين، وعموله عليهم الكنس والبسط والخدمة ومذ الاسمطة ، وأما الطبلخاناه بها من الكوسات التى تدق على باب السلطان أربعون حملا وأربعة طبل دهول وأربعة زمور وعشرون نفيرا، ولها مهتار وبها عدة خذام ، وأما المطبخ فهو معروف لا تنتفى النار منه أبدا تطبخ فيه الاسمطة المتنوعة ، ونذكر بعض أسماء الأطعمة ، مأمونية ، خيطية، سفرجلية ، رمانية، زيرباج ، مسكية ، أرز مفلفل ، دنارشتة ، فلقاس ثلاثة ألوان ، حب رمان لونين ، شيشن بورك لونين ، أقسماوية رومية ، نرجسية ، محمصة ، سادجة ، مسكوبة، بورانية، معرفة فقاعية، قرطمية ، حرمزة توفرية ، مكمور ، مرقدة حصرمية ، كبرينية ، كمونية ، سنبوسك لونين ، هليونية ، فولية ، هريسية لونين ، بستانية ، لبنية ، سماقية، ملوخية ، قرعية لونين يامية لونين ، كرنب سبعة ألوان ، كشك مسبع قلوبية ، ممزجة قرنفلية ، مشمشة ، ريباسية ، صلما مصلوقة ، هندية ، زركوشتى ، مطجن ، مشوى ، بصما مقلى ، رشتا وغير ذلك ، ويه من الآلات العجيبة وله طباخ ومرقدارية وصبيان ، وأما الإصطبلات الشريفة فهى متعددة إصطبل الخاص الشريف الذى به المراكيب الشريفة ، وإصطبل الحجورة التى ينتخب منها للعب الكرة ، وإصطبل البيمارستان الذى يوضع به الخيول الضعاف ، وإصطبل الجوق الذى به خيول الخرج للمماليك الكتابية ، وإصطبل البغال ، وإصطبل البريد ، والمناخ الذى به الجمال البخاتي والذى به الجمال النفر فهو مضاف إلى الإصطبلات الشريفة وكذلك إصطبلى الهجن والنياق ، وإصطبل الفيل فهو من جملة الإصطبلات الشريفة ، وكذلك إصطبل السباع وإصطبل الدشار ، وقد تقدم وصف الركبخاناه وما بها ، وأما بقية ما يتعلق بالإصطبل من الوظائف فالأوجاقية ، كانوا قديما جملة مستكثرة ، قيل : كانوا ثمانمائة نفر ولهم رؤوس باشات ، ومنهم أوجاقية الخاص ستة عشر نفرا، والسلاخورية وسواقى البريد ، والشحن الذى على المناخات والسروانية والجمالة والنفرية ، والعرب الذين يركبون المسايرات كان عدتهم ثلاثمائة نفر الخاص منهم ثلاثون نفرا، والسواس وسواس الخاص ، والهجانه الذى يتعلق بهم الهجن كان عدتهم أيضا قديما ثلاثمائة نفر، ومكارية البغال والدشارية والبياطرة والسقاءون والحول ، وغير ذلك مما يطول شرحه والمتكلم على ذلك جميعه أمير أخور كبير وأما وصف الشكارخاناه فهى التى تتعلق بالطيور والمتكلم عليها أمير شكار ، وبها من الآلات ما يطول شرحه ، ونبتن أسماء الطيور الجوارح ، فالشائع عند الناس أن سلطان الطيور إنما هو العقاب ، وفى الحقيقة إنما هو السنقر لأنه أمير الطيور حتى أنه إذا كان شبعانا ورأى طيرا وثب عليه بخلاف بقية الجوارح ، والكوهية دونه والباز دون الكوهية ، والشاهن على هيئة الكوهية لكن بينهما فرق، والضيفية دون ذلك ، والصقر على نوعين أحسنهما الكبيد والسقارة دون ذلك ، والباشق والقطامي فهم أدق الجوارح ، وكل من هؤلاء ذكر وأنثى ، وأما طيور الواجب فهي أربعة عشر صنفا منها ثمانية تحمل بأعناقها عند الصيد ، وستة تحمل بأسباقها ، فالثمانية الأولى هى الثم والكى والأوز الخبن والأنيسة والأوز اللغلغ والحبرج والنسر والعقاب، وأما السنة التي تشال بسيوقها فهي الكركى والغرنوق والصوغ والمرزم والشيطر والعناز ، وبقية الطيور فأصناف متعددة جدا يطول شرحها، ولها جرائد بديوان الشكارخاناه ، ولها جماعة خواتدارية ومعلمين وطعمدارية وبازدارية وأما السرحات والصيد فهى في أيام الربيع يسرح السلطان عدة مرار، وجميع الأعيان بخدمتة بالموكب الكامل إلى مواضع مخصوصة فيرمى الطيور على الكركي والجيش خلقة ويكون الصيد على قدر الفتح ، مما اتفق في أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون أرمى رماية البركة ، وكان بالشكارخاناه صقر يسمى لعياط ما رمى قط إلا وصاد، فأخذه على يده على العادة في يوم الخميس سابع ذى القعدة أحد شهور سنة أربعين وسبعمائة ، وأرماه في جملة الرماية فلم يصد ذلك الطير ولا غيره في تلك الرماية ، فسال السلطان عن الصقر المذكور فلم يجدوه فتوهم في نفسه أنه هرب ، وعاد وهو منقبض الخاطر أولا لعدم الصيد ، وثانيا لهرب الصقر فلما كان خامس عشر ذى القعدة ورد هجان من دمشق المحروسة ، وتمثل بالمواقف الشريفة ، ومعه كركن مقدد وطير على يده ، وقدم ما معه من المطالعة ، فقرأها كاتب السر ناشئة من كافل الشأم يقبل الأرض ، وينهى أنه يوم الخميس المبارك سابع ذى القعدة بعد صلاة الظهر ، حضر جماعة من أهل دمشق وأخبروا أنهم وجدوا طيرا منقضا على كركن بجامع بنى أمية، فمسكوهما وأحضروهما فديح المملوك الكركى وغث الطير منه ، وجوف الكركي وملحه وجهزهما لخدمة الشكارخاناه الشريفة فأنعم السلطان على كافل الشأم المحروسة بفرس مشدود ملجوم بسرج ذهب وكنبوش زركش وريش وخلعة وعلى الهجان المذكور بمائة أفلورى وعلى من أحضر الطير لكافل الشام بمائة أفلورى وكان كافل الشأم عرف أنه من طيور الشكارخاناه الشريفة لما رأه برجله من اللوح الذهب المنقوش عليه اسم السلطان، والسرحات متعددة بأماكن معينة ، وصفة الصيد والات الشكارخاناه وما ينسب إليها يطول شرحها ، وأما الأحواش فهي عديدة بكل إقليم من أقاليم الديار المصرية حوش يشتمل على عدة شباك ، وصيادون يصطادون من جميع أصناف الطيور ، حكى جماعة صيادى العياش أنهم جدبوا في ضربة واحدة ثمانمائة بطة والشبكة الكاملة طولها مائة وعشرون ذراعا بالمصرى ، يجذبها ستة عشر نفرا، ومن جملة الأحواش حوشان جاريان بديوان الشكارخاناه الشريفة وبقية الأحواش كل حوش منها جار بديوان أمير من مقدمى الألوف أصحاب الوظائف يحملون ما عليهم من الخراج والصيد ، ووصف الأحواش كثير اختصرتها خوف الإطالة
الباب التاسع في وصف كشاف التراب وعمارة الجسور والحفير والجرافة وما تحتاج إليه البلاد عند فيض النيل وهبوطه ووصف الكشاف والولاة وأرباب الوظائف بأقاليم الديار المصرية.
أما كشاف التراب فيتعينون في كل سنة مرة من الأمراء مقدمى الألوف إلى كل إقليم أمير فى زمان الربيع لاستخراج ما يتعين على البلاد من الحفير والجرافة أما الخفير فإنه تقدم أنه يتعلق بالدوله يصرف بأماكن معلومة يحفرها لجريان المياه والجراريف ، هى التى يجرف بها التراب لإقامة الجسور السلطانية تستخرج من جميع البلاد مبلع ورجالة بسبب ذلك . وأما ما تحتاج إليه البلاد عند فيض النيل حفظ الجسور لثلا تقطعها المياه فتصير البلاد بائرة ، وتنبتها باللبش ، وعدم الغفلة عنها إلى أن تستوفى البلاد خذها ، متى هبظ النيل تحتاج البلاد إلى تصرف ما عليها من المياه لأجل الزرع وأما الجسور البلدية فهى لازمة لأصحاب العرش ، ليس لكشاف التراب عليها حجر وأوصافها كثيرة اختصرتها خوف الإطالة وأما الكشاف كانوا قديما ثلاثة كاشف الوجه القبلي ، وله الولاء من الجيزة إلى الجنادل ، ويولى من تحت أمره سبع ولاءة بأقاليم الوجه القبل ، وكاشف بالوجه البحرى يولى من تحت أمره سبع ولاءة بأقاليم الوجه البحرى ، وهما من مقدمي الألوف بالديار المصرية ، وكاشف بالجيزة تارة يكون من المقدمين وتارة يكون من الطبلخانات ، والأن ربما يكون بالوجه القبلي ثلاثة كشاف أحدهم بالقيوم، والأخر بالصعيد الأدنى والأخر بالصعيد الأعلى ، وربما يكون أيضا بالوجه البحرى كاشفان أحدهما بالشرقية والأخر بالغربية ، وكاشف البحيرة على عادته ، وليس ذلك من الطرائق فإنه يصير عدم نفاذ كلمة الكشاف بالأقاليم ، وتضيع حقوق الرعية والأصوب ما كانوا عليه أولا، فإنهم كانوا في غاية الأبهة وربما كان يفرق كل واحد من كشاف الوجه القبلى والبحرى في كل ليلة ألف عليقة .
وأما الولاءة الأن صار البعض مضافأ لأحد الكشاف ، والبقية يتولون من الأستادار ، وأما أرباب الوظائف بأقليم الديار المصرية بكل إقليم مما تقدم ذكره بمدنه وقراه الكبار قضاة، وأستادارية الحمايات والمستاجرات ، وشدون وخوله ومتدرك وخفراء ، وأرباب الإدراك وغير ذلك ، وكان قديم الزمان البلاد جميعها يؤخذ خراجها من كل صنف والأن صار مفصولا تقدم إن المنزلة وفارسكور جاريان بالديوان الشريف، وإن كل واحدة منهما مفصولة على متدركها في كل سنة بستة وثلاثين ألف دينار ، وأما القرى المتعينة فمفصوله أيضا على متدركها بنحو عشرين ألف دينار ، ودون ذلك قرى مفصوله في السنة باثنى عشر ألف دينار، وثم من بلاد الجند ما يعمل كل قيراط ألف دينار بخذمته كشيين القصر وغير ذلك ، وكل متدرك بهذه القرى يعيش أعظم من ملك من ملوك الشرق .
الباب العاشر في وصف الممالك الشريفة الإسلامية وهى تفان على ما يتى تفصيلها على الترتيب ووصف ما بالمدن بالبلاد الشمالية ومن بذلك من الكفال والنواب والسيادة القضاة والأمراء والمباشرين وأرباب الوظائف والجند الأولى المملكة الشامية كافلها له أبهة عظيمة حتى أنه يحاكي السلطان فى الأبهة إذ شرفه مستفاد من شرف السلطان ، وله الحكم والولاء على ما تقدم من المدن المنسوبة إلى دمشق ، ويها أمير كبير وحاجب الحجاب وكان قديما بها اثنى عشر أمير مقدمى الألوف ، وعشرين أميرا من الطبلخانات ، وستين أميرا من العشروات والخمسوات ، وأما السادة القضاة بها أربعة من المذاهب الأربعة لكل منهم نواب بدمشق ومعاملاتها، وأما المباشرون ففيها كاتب سر وناظر جيش ، واستادار العالية وناظر خاص ، ووزير وناظر دوله وغير ذلك ، وأما أرباب الوظائف ففيها كاشفان وعدة ولاة بكل إقليم وولاة المدينة ونقيب جيش ومهمندار، وأرباب الوظائف الدينية ، والديوانية قريبة مما وصفنا من أرباب الوظائف بالديار المصرية ، وبها نائب القلعة المنصورة ، وسبعة حجاب وغير ذلك مما يطول شرحه ، وأما الجند فكانوا قديما اثن عشر ألف جندى من الحلقة وبخدمة كافلها ألفان، وبخدمة الأمراء نصف ما بخدمة الأمراء بالديار المصرية ، والثانية المملكة الكركية هذا على القاعدة القديمة لأنه لا يكتب فى الورق الأحمر إلا كافل الشام وكافل الكرك ، والسبب في ذلك أنه كان سلطان بالديار المصرية حكمه من الجنادل إلى ديار بكر ، وكان له ثلاثة أولاد فلما دنت وفاته عهد إلى أولاده وقرر الملك الكامل وهو ولده الكبير سلطانا بالديار المصرية ، وأطلق حكمه من الجنادل إلى العريش ، وقرر ولده الثاني وهو الملك الأشرف سلطانا بالشام ، وأطلق حكمه من بيسان إلى ديار بكر ، وقرر ولده الثالث وهو الملك الناصر سلطانا بالكرك وأطلق حكمه من العريش إلى بيسان ، وصار كل منهم يكاتب الأخر فى الورق الأحمر ، فلما صارت الشام والكرك نيابات مصر المحروسة سلطنة استمر النائبان يكاتبا فى الورق الأحمر ، وكان بها قديما أمراء وأجناد خلقة والأن فيها حاجبان وقاضيان وكاتب سر وناظر جيش ونقيب جيش ، ومحتسب ومتولى ونائب قلعة ، وأمير عشرينات وبعض أجناد الحلقة وبحرية ، وغلمان سلطانية أصحاب نوب وأمير غربان له أمرة بالكرك ، وكانت نيابة الكرك لا يتولاها إلا أتابك العساكر المنصورة أو من هو نظيره ، ومن جملة من تولى نيابة الكرك الأمير بشتك قديد والأمير بلاط والأمير الطنبغا الجوباني وغير ذلك من أعيان ملوك الديار المصرية ، وحتى أنه كانت نيابة الكرك متحضلها في كل شهر قريب من عشرة ألاف مثقال ذهب، والثالث المملكة الحلبية وهى الأن تلى المملكة الشامية ، وكافلها من أعظم الكفال ، وله الولاء على ما ذكرنا من المدن والقلاع المتقدم ذكرها ، وكان قديما بها نواب ضخام حكى أن الأمير جكم كان بخذمته ألف وخمسمائة مملوكا، وأما السادة القضاة فيها أربعة المذاهب لكل منهم نوات بالمملكة وبمعاملاتها ، وبها أمير كبير وحاجب الحجاب ونائب القلعة المنصورة وثلاثة أمراء مقدمى الألوف وكان بها قديما ستة أمير مقدمى الألوف وبها أمراء طبلخانات عشرة وعشرينات وعشروات وخمسوات عشرون أميرا، وبها كاتب سر وناظر جيش وناظر خاص ووزير وأستادار وناظر دوله ومحتسب ومتولى وكاشف بر، وولاة بالأقاليم وخمسة حجاب وأرباب وظائف دينية ودنياوية ونقيت جيش ومهمندار ومتولى حجر ومقدم بريدية وغير ذلك ، وبخدمة الأمراء بحق الثلثين من أمراء الشام المحروسة ، وأجناد الحلقة كانوا قديما ستة ألاف جندى ، وغير ذلك مما يطول شرحه .
والرابعة المملكة الطرابلسية وكافلها من أعيان الكفال له الولاء على ما يتعلق بها من المدن والقلاع والمعاملات ، وضريبته قديما أن يكون بخذمته ستمائة مملوك ، وله من الطرائق والأبهة ما يطول شرحه ، وأما السادة القضاة فيها أربعة على أربعة المذاهب ، ولكل منهم نواب، وأما الأمراء ففيها حاجب الحجاب من مقدمى الألوف ، وأمير كبير مقدم أيضا وأميران مقدما الألوف ، وعشرة أمراء طبلخانات ، وقريب من ثلاثين أميرأ عشرينات وعشروات ، وخمسوات قريب من الترتيب من أمراء حلب ، وأما المباشرون فيها كاتب سر وناظر جيش ووزير، وأما أرباب الوظائف ففيها أربعة حجاب ، ومحتسب ونقيت جيش ومتولى وشاد البحر ومهمندار وولاة وكشاف ، وأما الجند كان ضريبته قديما ما بين ثلاثة ألاف إلى أربعة ألاف، والخامسة المملكة الحماوية ، وكان كافلها قديما فى النظام قريبا من كافل طرابلس ، وأما الأن فدون ذلك بشىء لا يقاس ، وأما السادة القضاة ففيها أربعة على أربعة المذاهب ولكل منهم نواب، وأما الأمراء ففيها أمير كبير وحاجب الحجاب وأميران، والجميع طبلخانات وبها نيف عن عشرين أميرا عشرينات وعشروات وخمسوات ، وأما المباشرون ففيها كاتب سر وناظر جيش ، وأما أرباب الوظائف فقريب مما ذكر فى طرابلس وكذلك الجند ، والسادسة المملكة السكندرية وكافلها يركب بالشبابة بخلاف جميع الكفال ، وهو من أعيان مقدمى الألوف بالديار المصرية ، وله تراتيب عجيبة فى المواكب وغيرها ، وأما السادة القضاة فيها أربعة ثلاثة على مذهب الإمام مالك ، والأخر حنفى ولكل منهم نواب، وأما المباشرون ففيها ناظر خاص ، وهو أجلهم متكلم على جميع الأموال السلطانية ، وتقدم أنه يقال : كان في الزمان المتقدم ضريبتها كل يوم ألف دينار ، وبها كاتب سر وناظر جيش وعدة مباشرين متكلمين على الجهات ، وبها حاجب الحجاب كان قديما من الطبلخانات وثلاثة حجاب وشاد السلاح وشاد الحمس ومحتسب ومتولى وشاد البحر وحام ، وغير ذلك مما يطول شرح ذكرهم ، وبها أجناد المائتين وعدتهم ثلاثمائة وستون جنديا ، ولهم اثنا عشر مقدما كل ثلاثين جنديا لهم مقذدم ، وأوصافها كثيرة اختصرتها خوف الإطالة والسابعة المملكة الصفدية وكافلها من المعدودين ، وهو فى البرق قريب من كافل حماة وأما السادة القضاة ففيها أربعة على أربعة المذاهب ولكل منهم نواب، وأما الأمراء ففيها أمير كبير وحاجب الحجاب ونائب القلعة وثلاثة طبلخانات ، وقريب من عشرين أميرا عشرينات وعشروات وخمسوات ومباشروها ، وأرباب وظائفها وجندها كانوا قديما قريبا من ضريبة حماة وهو الأن دون ذلك وبها كاشف في غاية الضخامة ، والثامنة المملكة الغزاوية وكافلها يطلق في حقه مقدم العسكر ، وكان بها الأمير الطنبغا العثمانى من الملوك المشهورة وأما السادة القضاة ففيها أربعة على أربعة المذاهب ولكل منهم نواب، وأما الأمراء ففيها أمير كبير وحاجب الحجاب وهما طبلخانات ، بها عشرينات وعشروات وخمسوات ، وطرائقهم فى الإمرة مثل أمراء صفد ، وأما أرباب الوظائف فمملكة على العادة ، وأما أجناد الحلقة فعدتهم ألف جندى وأما بقتة المدن والقلاع المقدم ذكرها في الباب الأول فلكل واحدة منها نائب، وتقدم الكلام على مملكة ملطية وأن فيها اختلافا هل هى مملكة بمفردها أو مدينة بأقليم؟ فلاجل ذلك ذكرنا نائبها مع جملة النواب، ولم نذكره مع جملة الكفال مع أنه كان قديما يتولى نيابة ملطية الملوك الأعيان ، مثل منطاش صاحب الوقعة المشهورة ، ودقماق الذى كان كافل حلب ، وكان بخذمته وهو نائب ملطية جملة مستكثرة ومشتريات ، من جملتهم الملك الأشرف برسباى تغمذه الله برحمته ، وأرسله في جملة تقدمة إلى الملك الظاهر برقوق وليس فى النواب خلا ما ذكرناهم من الكفلاء من هو من جملة مقدمى الألوف إلا نائب ملطية ، وبها ثمانية أمراء طبلخانات ، وبها نيف عن ثلاثين أميرأ عشرينات وعشروات وخمسوات ، وبها أربعة قضاة ثلاثة منهم على مذهب أبى حنيفة ، وواحد على مذهب الشفعي ، وبها حاجب كبير ، وكان قديما يخرج منها ألف جندى ، وبها كاتب سر وناظر جيش وأرباب وظائف على العادة ، وأما بقية نواب المدن والقلاع المقدم ذكرهم فمنهم من هو أمير طبلخاناه ، ومنهم من هم أمير عشرة وثم مدن بها أجناد خلقة وحاجب ، ومدن ليس بها شىء ، ومذن بها قضاة، ومدن بها قاض واحد ، وجميع القلاع بها البحرية ، ومتولى الحجر ونقيب وغلمان وبوابون وحرسية ، وغير ذلك ولو أردنا وصف ما بذلك وجميعه ماكنا اختصرنا الأول الباب الحادي عشر في وصف أمراء العربان ومشايخهم وأمراء التركمان والأكران، ووصف التجاريد والمهمات الشريفة، ونوادر اتفقت في ذلك بالمملكة اليمنية والديرا البكرية والجزائر القبرصية التي فتحت في الأيام الأشرفية أما أمراء العربان وقبائلهم فهى متعددة ، وتتشعب إلى جملة مستكثرة كل طائفة لهم أمير ، ومن تحت أمره جماعة من الأمراء تقدم الكلام على ذلك فى الباب الرابع في ذكر ناظر الجيوش المصورة وكذلك أمراء التركمان وجماعتهم ، والأكراد وجماعتهم فى حكاية أوحببت ذكر ذلك بما يغنى إعادتها بهذا الكتاب ، وأما التجاريد والمهمات الشريفة فالتجاريد تنقسم على نوعين نوع إلى الغزوات ، ونوع إلى المحاربين البغاة سواء كان في ذلك السلطان بنفسه ، أو يعين من يختاره من جيشه فيكونون على يرق واستعداد من الخيالة والرجالة الرماة بحيث أنهم إذا ضاروا إلى العدو المخذول هزموه مع الفروع والاصول ، واتفق في ذلك حكايات يطول شرحها وأما المهمات الشريفة فهى كلما طرت ضرورة لحراسة ثغر من الثغور أو لشىء من الأطراف ، أو حفظ ما يقتضى حفظه ، أو ما يناسب ذلك فتعين جماعة من الأمراء ، والجيش المنصور على أكمل أهبة واستعداد ويكون الطريقة في ذلك دون طريقة التجاريد لأن التجاريد باليرق الكامل والخامل والمدورات ، ويكون أكبرهم مقاما متأخرا عمن هو دونه فى المنزلة، حتى أن مدورة السلطان تنصب أخر الوطاقات ، قيل : إنها تحمل على مائة وعشرين جملا .
وأما النوادر التي اتفقت، فإن الملك الأشرف أرسل الأمير بكتمر السعدى ، وصحبته جيش إلى المملكة اليمنية في أوائل سلطنته ففتحوها ، وصارت تحت الطاعة الشريفة ، وهى مملكة متسعة جدا بعيدة عن الديار المصرية بمسافة شهرين، وأما الديار البكرية فإن الأمير عثمان قرايولوك لما تعذى طوره أرسل إليه أمراء مقدمى الألوف اقتلعوا مدينة الرهاء منه ، ومسكوا ولده هابيل من قلعتها بعد أن أداقوه النكر ، وأحضروه إلى الأبواب الشريفة ، واستمر مسجونا بقلعة الجبل إلى أن توفى ، ثم إن المقام الشريف الملك الأشرف جرد فى سنة ستة وثلاثين وثمانمائة إلى مدينة أمد ، وخاصرها أربعين يوما ولم يرتحل عنها حتى قتل أميرها وهو مراد بن عشمان قرايولوك ، وسال أهلها الأمان ، وأرسل قرايولوك إليه تقدمة وسأله العفو وهو بعيد عن أمد فقبل ذلك وارتحل واستقلع أيضا مدينة خرتبرت ، وهى قلعة منيعة واتفقت نكتة عجيبة ، وهو أن شخصا مبك وأوثى به إلى المخيم الشريف على حصار أمد فانفلت من بين العسكر بكماله وهرب ، ورمى نفسه فى الخندق ، وجلت إلى المدينة ثم بعد مدة يسيرة اتفق لقرايولوك وقعة مع اسكندر بن فرا يوسف ، ملخصها إن اسكندر المذكور قطع رأس قرايولوك وأرسلها إلى الملك الأشرف بالديار المصرية ، وعلقت على باب زويله ، واستقر ولده على بك مكانه ، وأرسل يترامى على مراحم السلطان ، ويسأله حسن النظر فى حاله ، وقرر عليه تقدمة في كل سنة وسال من الصدقات الشريفة بأنه يكون نائبا بديار بكر من جهة السلطان، فأجابه إلى ذلك وقرره بمدينة أمد ، وأرسل إليه تشريفا وتقليدا والكلام في ذلك طويل .
وأما الجزائر القبرصية فإنها من أعجب الجزائر وأعظم مدنها الافقسيه بها تخت الملك كان يتعدى على المسلمين وبغى فأرسل السلطان نهاه عن ذلك ، فتكلم بصفته فأرسل السلطان أربعة أغربة بها جيش ليكشفوا حقيقة الأمر، وما يعتمده ملك قبرص مع المسلمين وكان السلطان أرسل غرابا موسوقا هدايا إلى ابن عشمان ، فأرسل صاحب فبرص غرابين فأخذوه ، فلما توجهت الأغربة الأربعة قال بعضهم ، سيروا إلى الأعداء وأتوا بالخبز جملا بلا شك يكون ولا ضرر لنبيدهم بسيوفنا وجنودنا وتصير المقتول منهم فى سقر فسارت الأغربة الأربعة إلى أن وصلوا إلى رأس اليباق من جزيرة قبرص فوجدوا مركبا موسوقا فهرت من به ، فأخذوا ما فيه وأحرقوه ، ثم وصلوا إلى اللمسون فوجدوا ثلاثة أغربة مجهزة لتسير إلى السواحل وتؤدين، فأخذوا ما فيها وأحرقوها أيضا فظهر أمير اللمسون فكسروه وقتلوه وأخذوا المدينة ونهبوا وأحرقوا فقال في ذلك بعضهم ، دخلنا ديار الكافرين وأرضهم فولوا فرارا من اليم نصالنا وصلنا عليهم صوله الأسد فى الفلا فولت خيول الكل خوف رجالنا ضرينا ديارهم ومات أميرهم وسوف ترى سلطانهم ما نوى لنا تم إنهم وجدوا حصن اللمسون معينا تطول محاصرته ، فعادوا إلى السلطان وصحبتهم الغنائم ، وأعلموه حقيقة الأمر، ثم إن السلطان أمر بعمارة أغربة ، وهى الغزوة الثانية، وشرع فى تحصين البلاد والسواحل ، فقيل في ذلك ، نحن الذى من حزمنا مع عزمنا خصنا البلاد بكل ليت كاسر لا خير فى ذلك يكون مفرطا فى ملكه فلبئس فعل الخاسر نعم المليك الشهم من هو حازم بسداد رأى ذو على وتجاسر وأما ما كان من جانوس صاحب قبرص ، لما بلغه ما حصل على اللمسون أرسل غرابين مشحونين بالرجال، والعدة إلى سواحل مصر والشام ليأخذوا من وجدوه من المسلمين ، فضاروا كلما وصلوا إلى ساحل وجدوا عليه حرسية ، فجاءوا إلى مكان يقال: نهر الكلب لأخذوا منه ماء فأطلقوا مدفعا لينظروا إن كان به أحد فأكمن المسلمون إلى أن طلعت الفرنج البر، ودقوا عليهم ، فمسكوا منهم جماعة وأحضروهم إلى السلطان بعد أن هربت الأغربة ومن بها مجرحين، فقيل في ذلك ، أثونا لشرب الماء لم يجدوا سوى رجال سقوهم سم موت الماقع ولم يقدروا أن يطلعوا لبرورنا وولوا إلى بلدانهم بالفجائع بسلورة قد أفجعوا برجالها أباءهم أهل المتقى والطلائع وقيل أيضا فى المعنى ما بالكم لا تحرشوا يوما بنا نحن الصناديد الذى لا تخدع لا يقدر الخداع يدخل أرضنا منكم ولا يوما إلينا يطلع إن الخديعة شأننا فى حربنا لكن نتركها ولا نتضرع بل بالقوى نأخذكم ونبيذكم وترون منا كل موث يصرع روحوا إلى سلطانكم قولوا له يعطى لمصر الغرم لا يتمنع من قبل أن يأتى أسيرا عندنا ويصير عبدا قوله لا يسمع ثم أن العمارة تكملت ، وهى خمس قراقير وتسع عشرة غرابا وست حمالات برسم الخيول وثلاث عشرة خيطيا ، ونزل من عين من العساكر المنصورة فيها، وكان السير من طرابلس ، وقيل في ذلك ، سيروا على اسم الله ذى الجلال تم ابتغوا طريفة الحلال واجتنبوا جلال كل سوء فإنها قبيحة الخلال وكان بها من الأمراء الأمير جرباش قاشق، والأمير يشبك المشد والأمير مراد خواخة الشعبانن ، وكثير من الخاصكية المطوعين وغير ذلك ، وكان ذلك في رجب سنة ثمان وعشرين وثمانمائة ، واستمروا سائرين إلى أن وصلوا إلى الماغوصة فطلعت الخيالة وقدامهم بعض المشاة وقيل في ذلك ، قصدنا أرض قبرص راكبين جميعا كالملوك متوجين على أعلى الاسرة مثل ما جا عن المختار خير المرسلين .
ويشرنا بنصر الله أبدا لأنا من غزاة الأخرين قصدناهم بجمع ثم عزم على قتل الجميع مصمصمين فأرسل أمير الماغوصه قصاده يقال: إنا مملوك السلطان والمدينة مدينته والرعية رعيته ، ونسال في الأمان ، وعلقوا الراية السلطانية على القلعة وأرسل تقادم لها صورة تم إن العسكر سار وكذلك المراكب ، وإذا بجيش الفرنج أقبل وابن أخى الملك معهم، وصحبته ألف ختال وثلاثة ألاف ماش ، وقد صعد مكانا عاليا ، فلما رأى المسلمين وقع في قلبه الرعب وولى مديرا فلما وصلوا إلى رأس العجوز وجدوا أميرا من الفرنج، ومعه جماعة جاءوا للكشف فمسكوه ، ولما وصلوا إلى الملاحة أقبل إليهم تسعة أغربة وقرقورة بها نيف عن ألفى مقاتل من الفرنج ، وابن أخى الملك الذى هرب منتظر مجىء المراكب المذكورة فلما رأى القلوع وقد حطمت مراكب المسلمين على مراكب الفرنج، فانكسر وهرب ، وأخذوا مركبا من مراكب الفرنج ، فقيل في ذلك ، إن تهربوا منا فشأنكم الهرب إف عليكم يا كلابا للعرب هل لا ثبتم للقتال وضرينا انتم معاذير توفون العطب فاخسوا جميعا أنتم ولعينكم خشى الكلات العاديات من الجرب ثم أن يعض العسكر وجد عين الغزالي ، وكان من خواص صاحب قبرص ومعه زردخاناه وهو قاصد اللمسون فمسكوه ، تم حاصروا اللمسون مخاصرة شديدة إلى أن ملكوه ، وهو أعظم حصون جزيرة قبرص وأسروا من به وقتلوا خلقا لا يحصى وقيل في ذلك ، بغوا وتعذوا ثم ظنوا بحصنهم سيمنعهم من جيشنا المتشرف قباتوا وجاهم جيشنا عند صبحهم فأفناهم قتلا بما هو ليس فى وقيل أيضا فى المعنى سلوا عنا المدائن والحصون ومن يحمى حماة الكافرين يجيبك بأننا أسد ضوارى ليوث فى الحروب مقدمون تبيد حمائهم السيف قهرا ونخرب مدنها ثم الحصون وأخربوا البلدان وأسروا أهلها، وملكوا غنائم كثيرة ثم عادوا ، فقيل في ذلك ، طلينا أرضنا من بعد قتل وأسر فى النصارى الكافرين وتخريب البلاد بكل حرق وهدم دائم للابدين طلعنا أرضهم أسدا ضوارى وجدناهم كلابا ضاعرين قدمناهم بعسكرنا وعدنا إلى مصر بخير أمنين فلما طلعوا إلى قلعة الجبل المنصورة وصحبتهم الغنائم والآسارى كان يوما مشهورا، ثم بلغ السلطان أن ملك قبرص راسل ملوك الفرنج واستنجدهم على المسير إلى ثغر الإسكندرية ودمياط وبيروت وطرابلس وغير ذلك ، فأمر السلطان بعمارة أغربة وحمالات بجميع السواحل ، وابتاع قراقير حتى أنها تجمعت القراقير والحمالات والأغربة والبرصانيات والخياطي والقوارب قريبا من مائة وثمانين قطعة ، وعين من الأمراء الأعيان باشين أحدهما بالبز وهو تغرى بردى المحمودى ، والأخر بالبحر وهو أينال الجمكي ، وعين أمراء وجيشا ضخما فقيل في ذلك ، مماليك كأشد فى الوقائع ملوكهم ليوث فى المعامع بنو ترك فكم تركوا قتيلا شجاعا كان يخشى فى الطلائع شراكسة ليوث الحرب فازوا بنصر الله والظفر والمتابع تجمع فيهم أصلان أثرم بذى الأصلين في الحرب الممانع وكان عسكرا عظيما لا يكاد يقابل لقوته ، ثم ساروا على بركة الله إلى أن وصلوا جزيرة قبرص ، وأتوا إلى الحصن المقدم ذكره ، وحاصروه إلى أن أخذوه ، وأرسلوا بريديا إلى صاحب قبرص يأمروه بالدخول تحت الطاعة الشريفة ، فأبى وأحرق البريد وأخذ فى عرض عساكره ، وهو ثلاثة وعشرون ألف خيال ، وجهز سبعة قراقير وسبعة أغربة ، حتى إذا ظهر عسكر الإسلام للقائه يحطمون على المراكب ويأخذونها ، وقطع وجزم أنه هو الغالب فلما أقبلوا إلى المسلمين لاقاهم المسلمون على الملك استعدادا، فحملوا على المسلمين حملة واحدة ، وكانوا بين غابة وشجر ففى الحال أانكسروا وأنهزموا وولوا مذبرين ، ووقع ملكهم جانوس في القبضة قتل منهم ما لا يحصى عددهم إلا الله ، قيل في ذلك ، نحن الذى تلفى العدى بصدورنا لا ندبر يوما ولا عنا سمع وإذا تكاثرت العدى نسقيهم برماحنا سما بموت منتفع وندعهم طعم الوحوش لذى الفلا والطير والكلب العقور المفتجع فلاجل ذا ألف الوحوش جيوشنا فلحيث ما سرنا تسير وتتبع وقيل في هذا المعنى أيضا قل جاءنا قبرص جانبا منا التقى لما التقينا ما جنا فتفرقت فجموعهم بسيوفنا جمعت نعم أموالهم لجميعنا لا غير فينا غير أن جنودنا أفنوا عساكرهم بإنذار القنا غيره أتانا طاغي الكفار يبغى يصيد حماتنا منه برغم قصدناه بحد السيف قهرا وصيرناه فى ذل وهم وقيدنا بقيد من حديد وعل قد كساه كل عم وكانت هذه الوقعة في يوم الأحد مستهل شهر رمضان سنة تسع وعشرين وثمانمائة وقت الظهر ، وضبط من قتل تلك الوقعة من أهل الجزيرة ما يزيد عن سنة ألاف نفر، ثم أنهم أودعوا جانوس بمراكب المسلمين ، وطلع بعض العسكر على جبل الصليب وأخرجوا الكنيسة ، وأتوا بما بها من الغنائم ، وكذلك بالصليب وهو من ذهب عجيب من العجائب كان يتحرك من غير محرك لما فيه من الصنائع وأنوا بالكيتلاني الذى أتا نجدة لصاحب قبرص ، ثم أن الأمير تغرى بردى المحمودى سار إلى الافقسية ، وهى أعظم مدن جزيرة قبرص وبها تخت الملك فلما أقبل إليها وصحبه فرقة من العسكر ، وإذا بأكابرها وأساقفتها وقسيسها ورهبانها معهم الإنجيل وهم داعون للمسلمين ، وطلبوا الأمان فأمنهم الأمير ، ثم فتحوا المدينة فدخل الأمير والعسكر يوم الجمعة خامس رمضان وصعد الأمير إلى قصر الملك ووجد فيه فرشا ومواعين لا تكاد تحصى وتصاوير عجيبة وصلبان كثيرة ، ووجد يرغل إذا تحرك يخرج منه سائر الانغام المطربة ثم أعلن المسلمون بالتكبير والتهليل والأذان ، ثم عاد الأمير إلى العسكر بعد ما كسبوا غنائم كثيرة ثم إنهم أقلعوا من بلاد الفرنج ووصلوا إلى الديار المصرية وطلعت الغنائم على رؤوس ثلاثة ألاف حمال ، وأحمال محزومة على جمال ، وثلاثة ألاف وستمائة يسير ، وملك قبرص راكب على بغل وأمراؤه ووزراؤه مقلولون قدامه ، وأعلامه منكسة وأهل الديار المصرية يتفرجون عليهم إلى أن وصل ملك قبرص إلى حضرة السلطان الملك الأشرف ، فأنشد يا مالكا ملك الدنا بحسامه انظر إلي برحمة وتعظف وارحم عزيزا دل وأمنن بالذى أعطاك هذا الملك والنصر الوفى إن لم تؤمنى وترحم غربتى فبمن ألود ومن سواكم لي في فالله ينصركم ويخلد ملككم ويديم نصركم ليوم الموقف فأنشد لسان حال السلطان: وإنا إن أردنا ملك ملك عنت منه الكتائب والجنود فيعطي الجزية أو لا فيأتي في السلاسل والقيود ويسالني الكلام فلا يساوى وأودعه المحابس والحديد ثم توجهوا به إلى برج بالقلعة ثم إن السلطان شكر الأمير تغرى بردى على فعاله ، وأنعم عليه غاية الإنعام ، فهناك قيل فيه أبيات كثيرة : من ملخصها، شكر الإله فعال ذى الرأى الوفى تغرى بردى المقر الاشرفى ليث الحروب وغوثها وهمامه وإمامها ومشيرها بالمرهف لما طغا جانوس صاحب قبرص وأتى بجيشه لا يعد بكل فى لاقاهم تغرى بردى نعم ما وسفى الأعادى سم موت متلف لم تصبر الأعداء غير سويعة إلا وأعطوا الظهر منهم والقفي وغدوا هرابا عن جنيس كلبهم ورموه رمية كلب مجفور نفى في الحال جىء به أسيرا موهنا فى عنقه سيرا من اللجم العفى متعوس حافى الرجل مهروق الدما فى ذلة وخسارة وترجف ملك البلاد إمامنا بسيوفه من عير عدر لا ولا يتلطف وسبى الذرارى والنساء ورجلهم وعلا على كرسى اللعين الأغلف الله أكبر يا لدين محمد يا قار تغر اسكندر ثم إن جانوس قرر عليه جزية ، وسأل السلطان فى العفو عنه ، وإنه يقدم ضمان بذلك ، فأجابه السلطان إلى سؤاله ، وأنشد فى المعنى : عفونا ومن شأن الملوك أولى النهي بأن يتركوا الذنب العظيم عن الجانى فلا خير فى شخص يرى العفو بدعة عن المخطىء الجانى وإن كان نصرانى ثم أنه اقترض من الفرنج بالممالك الإسلامية جملة وأقام بها وألبس تشريفا شريفا ، واستقر نائبا عن السلطان بالجزائر القبرصية ، وتوجه إلى ملكه . وهذا الاتفاقية من غرائب الدهر الباب الثانى عشر فى حوادث الدهر التى من أهملها وقع فى الضنك والقهر وما ورد فى ذلك من الحكايات والنوادر ليكون كل ذى لب عليه محافظا وإليه مبادرا وهذا كثير ما يحتاج إليه الخاص والعامة ، وما يفهمه الأنسان سواء كان في يقظة أو منام ليس يخفى عن العلماء وأرباب التواريخ قضة شداد بن عاد صاحب إرم ذات العماد ، وما كان فيه من الملك وما فعله ، وما حصل عليه ، وهذا أمر مشهور لكن نبذة منه ليقف عليها من لا يعرف أمره ، وهو أنه كان ملكا شديد البأس ذا قوة عظيمة ، وجمع كثر وقلاع متعددة ، وملك متسع وأموال عزيزة وذات جميلة ، فبينما هو ذات يوم على سرير ملكه سال بعض جلسائه أتم نعمة أعظم من هذه فقال : أما فى الدنيا فلا ، وأما فى الأخرة فريما فقال : فما وصف الأخرة فقال : الجنة التى يصفها المدعون بالنبوة .
قال : أنا أصنع أحسن منها، فيقال: إن نبن ذلك الزمان دعاه إلى الإسلام ووصف له الجنة ، ويقال: غير ذلك والكلام في هذا المعنى كثر ، والمقصود منه ما فعله وما حدث له ، فأمر بجمع جميع المهندسين وأرباب آلات العمائر بجميع الأقطار، وأمرهم بعمارة جنة يكون وصفها وصف جميع ما فى الجنة ، وجمع جميع ما يحتاج إليه وأقام لها سورا لبنة من ذهب ولبنة من فضة وعمر بها قصورا من الزبرجد والبلور واليشم والعقيق والزمرد ، ورضع القصور بالدرر والجواهر ، وعمل أخشابها الصندل والعود ، وفرش أرضها بالزعفران وجعل طينها مسكا وغرس أشجارا وجعل بها أنهارا من خمر وعسل وماء صاف ولبن، واستعمل لها بسطا عجيبة من عجائب الدنيا من الحرير الإبريسم منقوش عليها تصاوير عجيبة وجعل بها أسرة من قضبان الزبرجد وعملها بصفائح الذهب المكللة بالجواهر ، وفرش الفرش الملون محشوة ريش النعام ، وبسط الملاوات الخز والديباج المزركشة والمقاعد المذهب بالسمور والفاقم والبوشق وما أشبه ذلك ، وجعل الأوانى من الذهب والفضة والعالى منه من الجوهر المجوف ، وأطبق بها من سائر الطيور المفتخرة أصحاب الأصوات الشجية ، وجعل سبعة ألاف بنت بكر كل واحدة أحسن من الاخرى ليس لهن نظير لابسات الأقمشة الفاخرة التي تحير الواصف في وصف بعضها ، لكل واحدة منهن ألف جارية حسناء ، وجعل لهذه أشياء مفردة يتعجب منها السامع وكلما وضع بها شيئا يقول له أرباب دولته : ما يدخل مولانا الملك فينظر هذه الأوصاف العجيبة ، فيقول ما أدخلها حتى تكمل ولا يبقى لها عاقة وتصير كالجنة فإنى إن دخلتها الأن تصغر عندى ، فلم يزل كذلك إلى أن كمل جميع أحوالها ، وصارت كما قال بعضهم : توفغ زوالا إذا قيل: تم، فحيئذ ركب جواده وجميع عساكره يتهارعون قدامه إلى أن وصل إلى بابها ، وأراد الدخول فجاءه ملك الموت فقبض روحه تلك الساعة ولم ينظر إليها جملة كافية ، ثم إن الله سبحانه وتعالى أرسل عليها ريحا فاقتلعها فصارت سائرة بين السماء والأرض ، هذا على وجه ووجه أخر إن السافى ذربها وهى بلاد الهند، وللعلماء في ذلك وجوه ، وملحص الحكاية أن حوادث الدهر من هذا النوع أكثر من أن يوصف ، وأما ما اتفق لفرعون مع موسى الكليم عليه السلام فمن عجائب الدنيا وقتل فرعون الصغار تم إن موسى عليه السلام تربى عنده ، وكان السبب في قتله ولا فائدة في التطويل فإن القصة مشهورة ، وأما قضة يوسف عليه السلام وما فعله به أخوته وما قصدوه وما حصل له ، وعليهم فمن أعجب العجائب والقضة أيضا مشهورة ، وما اتفق لأحد الخلفاء الفاطمتين أنه قصد الفرار من الدنيا والتقلع عن الملك وما حصل له وخلاصة القصة أنه لما ساح وقع فى أسر الفرنج ، وصاروا يستعملونه في رعى الخنازير ، ثم من الله عليه بعوده لملكه بعد وقائع يطول شرحها وأما ما اتفق لبعض الملوك أنه كان له ابنة عم وكان يحبها محبة بالغة وكان حسن المنظر لطيف الذات ، وكان إذا أراد أن يقبل المذكورة تمتنع منه ، وتبالغه بالكلام المكنى والحكاية طويلة ، وملخصها أنه وجدها تعشق عبدا زبالا ، فمسكهما وحز رؤوسهما بعد أمور كثيرة .
وأما اتفق للإمام على كزم الله وجهه من تربيته لعبد الرحمن ، ثم إنه قتله وهو واقف في الصلاة، والحكاية مشهورة وأما ما انفق للأمير يلبغا الخاصكي أنه ظفر بالسلطان وقتله وجعله بمصطبة بداره ، كلما نزل عليها ويدك برجله ، وإنه اشترى ثلاثة ألاف وخمسمائة مملوكا ليكونوا له عونا فركبوا عليه وقتلوه وجعلوا رأسه بمشعل وداروا به المدينة ، وأما ما اتفق للملك الأشرف شعبان بن حسين أنه زوج والدته للأمير ألجاى اليوسفي أتابك العساكر المنصورة ليكون له ظهرا ومعينا، وتخشاه أهل المملكة كونه هو وإناه شىء واحد فركب عليه وأراد قلع المملكة منه ، فثاروا عليه العوام إلى أن ألقى نفسه بجواده ببخر النيل المبارك وأما ما اتفق للملك الظاهر برقوق فإنه اشترى مملوكا يسمى عليا باى ، ورباه إلى أن ضخم ورقاه المناصب العلية وأراد بذلك أنه يكون له عونا ، فركب عليه وأراد اقتلاع الملك منه فمسك وقتل والحكاية طويلة، وأما قضة الملك الناصر فرج ووقائعه ، وما اتفق له من قتله بالشام وإلقائه على المزبلة وكل من كان رأى منه شنآن يأتى إليه ويضربه بما فى رجله والقصة مشهورة يطول شرحها . وما اتفق للملك المؤيد من قتل ولده خوفا أن يأخذ الملك منه ، وما ابتلى به من الزمان ووقائعه ، وأخذ الملك الغريب الأجنبى والحكاية مشهورة، وقد وجدت فى ديوان الملك الكامل صاحب حصن كيفا أشعارا مكتوبة فى المعنى .
الدهر جار فاه من غدرائه ما كان أحلى الوصل فى ليلاته فجا وكذر صافيا من وردة قبحت حصائله على حركاته فاصبر له صبر أمرىء ذى همة فالدهر لا يبقى على حالاته كم مرة عسر ويسر بعدها واليسر بعد العسر فى ساعاته وإذا أنتك قضية فاصبر لها من يصبرن أضاق صدر عداته وادعوا الإله تضرعا مع ذلة إن الذليل يجاب فى دعواته فالدهر عادته يذل عزيره ويرى الإساءة فى يدى حسنائه إن قابل الدهر المشت بحادث فاثبت إذا أذى على وتباته إن عائد الدهر الخؤون فلا أرى عجبا لقد عادى على عاداته واصبر على الأحداث فيه فريما لم يحرم الفطن اللبيب هباته وينال منه الجاهلون جناءهم وأرى اللبيب على شفا غدراته وإذا يساعدك الزمان فكن على حذر ولا تركن إلى عثراته فالدهر مثل الظل ليس له بقا كم من أناس هذ فى سطواته فالدهر إقبال وإدبار به كم من سعى ويخيب فى مسعاته سلم لرت العرش أمرك كله فلعل تأمن يا فتى غدراته وله أيضاء الدهر يومان صفو تم تكدير وشره بعدها لا شك تيسير كم شدة بعدها وعظم هنا وكم هنا بعده هم وتعسير جار الزمان علينا فى تصرفه حتى استوى فيه شاهين وعصفور كم ساعة أحزن الإنسان أولها وفى أواخرها الإنسان مسرور لا بارك الله فى دهر يكون به أردى البيوت عليا مشرف الدور فاصبر لدهرك إن الدهر ليس له بقا ولا ينفع المحتوم تدبير وروح النفس وأعلم حق معرفة فوق المدبر للرحمن تقدير ولا تكن قانطا إن الزمان به صفو إذا ما أتاك اليوم تكدير وسلم الأمر لله الكريم ولا تكن كمن هو بالأيام مغرور ذواك صبرك فاستعمله ما بقيت لك الحياة إلى أن ينفخ الصور وله أيضا الدهر ما يعطى يقينا يسلب هذا عوائده فلا تتعجبوا وأنا أمرء قد كان شربى فى الهوى صافى تكدر من صديق المشرب هذا جزا من يطمئن إلى العدى ويرى البشاشة حين يأتى العقرب كل أمرع يبذى العدواة معلنا فتوك عنه وبابه لا تقرب واتركه لو أبدى الصداقة والوفا واصبر له فالصبر فيه المطلب والصبر مر كاسمه يسفى به لكن بأخره يقينا يعذب والدهر لا يبقى على حالاته لكنه من طبعه يتقلب لا تجزعن إذا أنتك كريهة واصبر لها أمرء لا يرهب فالصبر فيه الأمن من كيد العدى والله يبقى والخلائق تذهب وله أيضا الدهر يورى للأنام عجائبا يلقى الشريف به عذابا واصبا شبهت هذا الدهر سفنا قد جرت كم ناجيا منها وأخر راسبا قل للذى فد لامنى من جهله الدهر أطوار فلا تك كاذبا فالخير يعطى للدنى وكم أرى للخير من أشراف قوم حاجبا فالبدر ينقص فى السماء كماله ويلازم الرتب الكمال كواكبا فالدهر لا يبقى على حالاته كم يلتقى الإنسان فيه عجائبا يا لائمى فى الدهر كن لى عاذرا إياك يوما أن تكن لى عاتبا فالدهر يجعل للسباسب أبحرا والبحر يجعله الزمان سباسبا لا تطمئن لذا الزمان وأهله فالدهر إشراك المهالك ناصبا كم من شريف خاضع متدلل أضحى لفضل لتيم قوم طالبا كم من صديق صدقه لك قد غدا كذبا ومنه الشر أضحى جالبا وإذا صفوت له غدا متكدرا وإذا دنوت له تنخى جانبا دعه ولا تركن إليه فإنه مثل الأفاعى حيث كن ضواريا وله أيضاء واحسرتاه لم يبق خل منصف كلا ولا معرف لا متعظف بل كل من أرجو لكشف ملمتى إما يخون العهد إما يسرف ولقد بذلت الجهد فى طلب الوفا لم ألقى فى الدنيا صديقا ينصف إلا صديقا خلته لى ناصرا واخترته عونا ولا اتكلف وجعلته لى عزة القا العدى ورجوت عهدا بيننا لا يخلف وظننته ينقى على ولو جفى أهل الوفا فهو الوفي المنصف ترك المواثيق القديمة بيننا ورمى يمينه كافة لا يحلف إياك إياك الصديق فإنه بعد الصداقة بالعداوة أعرف فأنا الذى قد ساءه أصحابه الله يحفظ كل من لا يعرف ومما سمعته لبعض الفضلاء في المعنى : تالله لو عاش الفتى من دهره ألفا من الأعوام مالك أمره متنغما فيها بكل غريبة ومبلغا فيها نهاية أم ره لا يعرف الاسقام فيها دائما تلا ولا تجرى الهموم بفكره ما كان ذلك كله مما يفي بمبيت أول ليلة فتى قبره تم وكمل بحمد الله وعونه وحسن توفيقه ، صلى الله على سيدنا محمد وأله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .
صفحة غير معروفة