والأمير سيف الدين بيدغان الركني ومن معهم على قتله وجعلوا يترصدون وقتا لانتهاز فرصتهم وامضاء عزيمتهم ولا يجدون سبيلا إلى ما هموا بفعله ولا تمكنا من الوثوب به وقتله الى أن أداهم السير الى منزلة القصير قالوا مني فاتنا من هذه المنزلة وصل إلى القلعة وأعجزنا مرامه ولم نأمن انتقامه واتفق انه انفرد عن المواكب لتصيد الأرانب وساق خلف أرنب عرض له وهم يرمقونه فلما رأوه قد بعد عن الأطلاب قالوا الآن ندرك الطلاب وساقوا في أثره ركضا وجاؤوه يتلو بعضهم بعضا فتقدم اليه انص الأصبهاني كأنه يشفع عنده في و اصلاح حال الركن البندقداري لأنه أقام في الخدمة مدة ولم تعين له عدة وخرج الى الغزاة برمحه وبذل فيها غاية نصحه فاجابه المظفر الى سؤاله ووعده باصلاح حاله فأهوى الى يده كأنه يقبلها فأمسكها انص وضبطها فأيقن المظفر أنه ختل وخدع وأن ذلك والأمر قد أبرم ووضع وأراد جذب سيفه ليدفع عنه نفسه فعاجله البندقداري بالسيف وأخذته السيوف فخر صريعا يخر دما نجيعا وذلك في سابع عشر ذي القعدة فكانت مدة مملكته أحد عشر شهرا وثلاثة عشر يوما ورجعوا لوقتهم وقد تواصلت أوائل العساكر الى المنزلة ولم يشعر أحد بما كان ولا علموا بفقد السلطان فنزل هولاء الأمراء في الدهليز وتشاوروا فيمن يقوم بالأمر وتردد الكلام بينهم فمنهم من يظهر الامتناع ومنهم من يأبى الاستماع فقال لهم الأمير فارس الدين أقطار المستعرب من هو الذي علاه بسيفه وعاجله أولا بحتفه فقالوا الأمير ركن الدين البندقداري قال. الضارب الأول أولى نحن نراه للملك أحلا فأجمعوا أمرهم عليه فأجلسوه على الطراحة الملوكية ووقفوا بين يديه ورأوا أن المصلحة في السرعة وطلوع القلعة قبل أن يفشوا الأمر ويشعر به خوشداشية المظفر وألزامه فربما انتقض ما أحكم ابرامه فركبوا مسرعين وساروا سابقين وقدموا الأمير عز الدين الحلبي ليسبقهم إلى القلعة نيستفتح لهم الأبواب وليستصلح النواب فسبق وطلع اليها وتحدث مع الأمرا المقيمين بها وأعلمهم أن المظفر قد قتل والبندقداري قد ملك ووصل وأن العساكر قد اتفقوا على الرضي به والحلف له فاستحلفهم الأمان المؤكدة وقرر معهم القاعدة وأقبل الركن البندقداري فتوقل غارب قلتها وتسنم كاهل ذروتها بغير مانع يمانعه ولا معارض يدافعه ورحل العسكر من تلك المنزلة على الأثر وقد تنسموا الخبر فوصلوا إلى القاهرة والحال قد استتم والظاهر قد استقر له الملك وانتظم.
ذكر دولة الملك الظاهر ركن الدين بيبرس الصالحي البندقداري
السنة وطلع القلعة صحر الاثنين التاسع عشر منه وابتدأ باحلاف الأمرا الأكابر وسائر العساكر والوزرا والحكام وأرباب الوظائف والأقلام على اختلاف طبقاتهم ومراتبهم فحلفوا جميعا على أن يكونوا يدا واحدة لتدبير دولته وتمهيد مملكته واستمالة الخواطر واستجلاب قلوب الأكابر والتحيل على من يجب الحيلة عليه والترغيب لمن تميله الرغبة اليه وانقضت هذه السنة ولم يركب موكب السلطنة.
ذكر هلاك منكوقان بن طلوخان بن جنكزخان
صفحة ٥٥