من يدفعهم عن العباد والبلاد الا عسكر الديار المصرية اتفق المظفر مع الأمراء والأكابر على تجهيز العساكر وصمموا على لقاء العدو المخذول واستعانوا بالله وبالرسول وجمعوا الفارس والراجل من العربان وغيرهم واستعدوا أعظم استعداد و بايعوا الله على الجهاد وخرجوا من القاهرة المحروسة بأعظم أهبة وأجمل زى وأكمل رهبة وقد أخلصوا النيات وأصفوا الطويات وسار التتار صحبة مقدمهم للقائهم وكان الملتقى بمنزلة عين جالوت فلما التقى الجمعان واتصل الضراب والطعان حمل المظفر بنفسه وألقى خوذته عن رأسه وحملت الأمراء البحرية والعساكر المصرية حملة صادقة كانت للعدو صاعقة فكسروهم أشد كسرة وكانوا كقوله تعالى ثم رددنا لكم الكرة عليهم فقتل كتبغا نوين في المعركة وقتل بعده السعيد بن العزيز لأنه وافقه في هذه الحركة وكان قد أخذ من هولاكو فرمان باستمرار ما بيده من البلاد وهي الصبيبة وأعمالها وأعطاه زيادة عليها وحضر مع كتبغا الوقعة فلما انكسروا حضر الى المظفر مستأمنا فقال له كان هذا يكون لو حضرت قبل الوقعة وأما الآن فلا وأمر به فقتل صبرا وقتل أكثر التتار وجهزت و خيل الطلب وراء من هم بالفرار وكان المقدم عليها الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري فتبع المنهزمين وأتي عليهم قتلا وأسرا حتي استأصل شأفتهم فلم يفلت أحد منهم وصادف طائفة من التتار جاءت من عند هولاكو مددا لكتبغا فلما وصلت هذه النجدة إلى بلد حمص صادفت التتار المنهزمين على أسوأ الأحوال والخيول تجول في طلبهم كل مجال فلم تمكنهم الهزيمة فكانوا للسيوف غنيمة وكانت عدتهم الفين فلم يبق لهم أثر ولا عين وكشف الله هذه الكربة العظيمة والبلية الجسيمة على يد المظفر والأتراك الذين شدوا ازره ومكنوا أمره وتولي بهم الله نصر الاسلام وحبره فهذه أول الوقائع التي أبلوا فيها البلاء الحسن وأذهبوا عن الاسلام وأهله الحزن وظهرت منهم الشجاعة والبأس وأعادوا رونق الملك وقد حصل منه اليأس ودفعوا هذا العدو الشديد الذي أفنى العديد وأباد كل من طاوله في الأمد القريب من المدى البعيد ولم ينكلوا عن القائه.
صفحة ٥١