فاشتغل بال الناصر وكثر بلباله واستحكم وباله وجهز حريمه الى نحو الديار المصرية و فاضطربت لذلك العساكر الشامية واحتمل كل منهم بأهله اقتداء بفعله وتفرقوا وتقللوا وتمزقوا وتسللوا وعجز الناصرة عن ردهم لتناقص حرمته وتقاصر همته وكلمته وعبر هولاكو بالبيرة وأخذها ووجد بها السعيد بن العزيز أخا الملك الناصر معتقلا فأطلق سراحه وسأله عما كان في يده من البلاد فقال له كان في يدي الصبيبة وبانياس وكتب له بهما فرمان ونزل على حلب وحاصرها ففتحها عنوة وجرد إلى جهة دمشق مقدمة من جهته يسمى الشبان وصحبته شخص يسمي علاء الدين الكاري العجمى والزين الحافظي وزير الملك الناصر بحلب لأنه فيما قيل سلم اليه البلد وبلغ الملك الناصر الخبر فخرج من دمشق في النصف من صفر ولما فتح هولاكو حلب بذل السيف في أهلها ومن كان قد تجمع بها من أهل القرى فقتل فيها خلق يكادون يحصون وسبي من النساء والذراري زهاء مائة ألف نفس من الأشراف والأعيان وبيعوا الى الجزائر الفرنجية والبلاد الأرمنية وبقي السيف مبذولا ودم الاسلام مطلولا سبعة أيام وسبع ليال ثم نودي برفع القتل والقتال وامتنعت القلعة فحاصروها واخذوها وكان بها أقارب الملك الناصر وألزامه وأخذوا ووجدوا بها المعظم تورنشاه أحد بني أيوب وهو شيخ كبير فمن عليه هولاكو بالاطلاق ووجد بها في الاعتقال جماعة من البحرية الصالحية الذين حبسهم الناصر كما ذكرنا وهم سنقر الأشقر وسكنز وبرامق وغيرهم فأخذهم هولاكو وأضافهم الى مقدم يسمى سلطان جق وهو رجل من أكابر القفجاق وكان قد هرب من التتار إلى الروم وحضر الى حلب فأكرمه الملك الناصر وأنزله في بعض الأدر بمدينة حلب فلم تطب له المدينة لاعتياده بالمروج الواسعة والفيافي الشاسعة فخرج من حلب ولحق بهولاكو فقدمه على القفجائية الذين في عسكره ولما فرغ من حلب شحن عليها وبث النواب ببلاد الشام وانقضت المملكة الناصرية وبانقضائها انقضت الدولة الأيوبية من البلاد الشامية كما زالت من الديار المصرية.
يبق معه الا الملك الصالح بن الملك الأشرف صاحب حمص وكان والده الملك الأشرف قد توجه الى هولاكو فأقبل عليه وكتب له منشورا بنيابة دمشق وبلاد الشام وعاد من عنده وأقام بمدينة دمشق وكان السبان التتري وعلاء الدين العجمي نواب هولاكو يحضرون اليه ويعرضون الأشغال عليه ولما رأى الملك الناصر أنه قد بقي فريدا وحيدا دخل البرية في نفر يسير من القيمرية وسار نحو الشوبك فاطلع عليه شخص يسمي حسين الكردي الطبردار فأخبر السبان بمكانه فسار التتار اليه والكردي المذكور معهم يدلهم عليه فأمسكوه وتوجهوا به إلى هولاكو وهو نازل على حلب فبقي عنده هو وولده العزيز وعزم هولاكو على العود من حلب إلى العراق فسأل الملك الناصر وقال له من بقي في ديار مصر من العساكر فقال له لم يبق بها الا نفر قليل من العسكر وأقوام من مماليك بيتنا لا يباه بهم قال فكم يكفى للتجريد قبالتهم فقال يكفي القليل من الجيش وصغر عنده أمرهم وهونه فجرد هولاكو كتبغا نوين ومعه اثنا عشر ألف فارس وأمره أن يقيم بالشام وحفزه العود لما اتصل به من اختلاف حصل بين اخوته فعاد) واستصحب معه الملك الناصر والعزيز ولده ولما صار الناصر متوجها معه وقارب حلب تذكر أوطانه وبكى أشجانه وانشد:
صفحة ٤٩