التي جرت ذيول الهزائم واستبشر الناس بما أتي الله سلطانهم المنصور من نصر العزائم وخاب من ولي الأدبار وخار وحاز الصابرون المصابرون أجزل الفخار وعاد السلطان من يومه الى المنزلة وعاين القتلى بها مجدلة وقد نهبت الأثقال والوطاقات منها ما نهبه التتار ومنها ما نهبته الحرافيش والكتابة فلم يفكر السلطان فيما ذهب من قماش أو ذهب وقد كان احرز ما في الخزائن من العين قبل وقوع العين على العين وفرقه على مماليكه أكياسا في كل كيس ألف دينار ليحملوه إلى أن تنجلي الوقعة وتتفق الرجعة فلما نهبت الصناديق وجد انناس صناديق الخزانة فارغة من المال فلم يعدم منه مثقال وكانت جملته مائتي الف دينار ولقد حملت منه كيشا وقت تفرقته وأعده سالم بجملته وبات السلطان تلك الليلة والعساكر متفرقة والجيوش متمزقة والخيول مغربة ومشرقة وتراجع الناس وغلب الرجاء اليأس ولما كان سحر الجمعة صبيحة يوم الوقعة قام في الخيام صائح أيقظ النزام وظن الناس أن التتار عادوا مكابسة وعاودوا الحرب مخالسة فركب السلطان وركب معه من كان بالدهليز من المماليك والسنجقية فانكشف الخبر بعد ساعة بأن جماعة من العسكر الذين تبعوا التتار المنهزمين عادوا إلى الوطاق وأسفره صباح يوم الجمعة المبارك الخامس عشر من شهر رجب والعدو قد ولي هربا ولم يبلغ أربا وسارت الجيوش الاسلامية في أثره طلبا فنالت منه قتلا وأسرا ونهبا وسبيا وضربت البشائر والتهاني وتحققت الآمال والأماني وكتبت الكتب الشريفة بهذه الأخبار الى الأقطار وركضت سوابق الخيول بالانتصار الى الأمصار ولم يبق بلد ولا مدينة ولا ثغر من ثغور الاسلام بمصر والشام الا وقد أعلنت فيه البشائر وقرئت به كتب النصرة على المنابر فاكتسي الزمان رونقا وبهجة وامتلأت بالسرور كل مهجة وبطقت البطائق الى الحصون القريبة من مسالك التتار والتي سلكوها للفرار مثل البيرة وعينتاب وبغراس والدريساك والراوندان وأبي قبيس وشيزر بأن تأخذوا لهم المراصد فصار العشرة منهم يقتلهم من المسلمين واحد وحفظ أهل البيرة عليهم المعابر من الجهات الفراتية والمخائض الى الجهة الشرقية فعبر أكثرهم من غير عبر فهلك أكثرهم غرقا وقتل منهم في الهزيمة أكثر ممن قتل عند اللقاء وكانت في هذه الكرة عليهم الكرة ولم تغن عنهم الكثرة وأنزل الله على المسلمين نصره ورسم السلطان بأن تضرم النار في الأزرار التي على الفرات فمات أكثر من اختفى فيها حرقا وأما درب سلمية فان فرقة منهم في سلكوا فهلكوا وكان على الرحبة طائفة مع ابغا تحاصرها فلما وصلتها البطائق وضربت بها البشائر أخذت التتار الصيحة فولوا هاربين وولي أبغا هاربا وسار نحو بغداد طالبا خوقا أن يأخذه أهل البلاد وتتخطفه الحواضر والبوادي وجهز السلطان العسكر الحلبي الى حلب والحموي الى حماة وجرد الأمير بدر الدين الأيدمري ليمهد البلاد ويرتبها وعاد الأمير شمس الدين سنقر الأشقر الى صهيون وأما الأمير سيف الدين ايتمش السعدي وعلم الدين الدواداري و كراي التري وولده وتماجي وجماعة من الأمراء الذين كانوا عنده فانهم رغبوا في العود الى الخدمة الشريفة فعادوا وعاد السلطان الى دمشق والأسرى تساق قدامه في الكبول وقد حمل ما نهب لهم من القسي والصناجق والطبول وكان أعظم الأيام قدرا وأعطرها عند الانام نشرا وأظهرها في وجه الزمان بشرا بهذه النصرة العظيمة والنضرة الوسيمة والكرة التي لم ير مثلها في الأزمان القديمة فان جيش التتار لم يجس هذه الديار وبمثل هذا الاكثار ولا قصدها قبل هذه المدة في بعض هذه العدة وكان اذا تحركت منهم الشرذمة القليلة ترتاع لها العساكر ويلتاع منها الأكابر ويخشي سطاها الملك الظاهر فسبحان من أبادهم بثبوت هذا الملك الهمام في موقف تزل فيه الأقدام ونصر جيشه بربيط جأشه الذي تلقي الصدمات بصدره وتثبت للسهام وقد كادت تمر بنحره.
ذكر ما قيل في هذه الغزاة من الأبيات
صفحة ٢٠١