...فهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهل القبور بضعا وعشرين سنة وهذه سنة الخلفاء الراشدين وهذه طريقة جميع الصحابة والتابعين فبدل أهل البدع والضلال قولا غير الذي قيل لهم فإنهم بدلوا الدعاء له بدعائه نفسه أو بالدعاء به وبدلوا الشفاعة له بالاستشفاع به وقصدوا بالزيارة التي شرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم إحسانا إلى الميت وإلى الزائر سؤال الميت والاقسام به على الله تعالى وخصصوا تلك البقعة بالدعاء الذي هو مخ العبادة ، وجعلوا حضور القلب وخشوعه عندها أعظم منه في المساجد وأوقات الأسحار ومن المحال أن يكون دعاء الموتى والدعاء بهم والدعاء عند قبورهم مشروعا وعملا صالحا ويصرف عنه القرون الثلاثة المفضلة بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يظفر به الخلوف الذين يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون .
...فإن كنت في شك من هذا فانظر هل يمكن بشرا على وجه الأرض أن يأتي عن أحد منهم بنقل صحيح أو حسن أو ضعيف أو منقطع أنهم كانوا إذا كان لهم حاجة قصدوا القبور فدعوا عندها وتمسحوا بها ؟! فضلا أن يصلوا عندها ويسألوا الله تعالى بأصحابها ويسألوهم حوائجهم فليقفونا على أثر واحد منها في ذلك .
...كلا ، لا يمكنهم ذلك بل يمكنهم أن يأتوا بكثير من ذلك عن الخلوف التي خلفت من بعدهم ثم كلما تأخر الزمان وطال العهد كان ذلك أكثر حتى لقد وجد في ذلك عدة مصنفات ليس فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن الخلفاء الراشدين ولا عن الصحابة والتابعين حرف واحد من ذلك بل فيها من خلاف ذلك كثير كما سبق من الأحاديث المرفوعة التي من جملتها قوله عليه الصلاة والسلام " كنت نهيتكم عن زيارة القبور فمن أراد أن يزور فليزر ولا تقولوا هجرا " أي فحشا وأي فحش أعظم من الشرك عندها قولا وفعلا .
صفحة ٢٩