============================================================
القرآن والحديث وبين الميتافيزيقا الأفلاطونية المحدثة . وبذلك كان أول "فيلسوف" اسماعيلي بالمعنى الدقيق للكلمة، يحاول إقامة بناء هرم نظري مذهبي يطلق عليه اسم "الميتافيزيقا الإسماعيلية" . وقد اجتهد التسفي في أقامة تناظرات وتوازيات بين الميتافيزيقا الأفلاطونية المحدثة، ولا سيما في كتاب أمونيوس، والنصوص ال الإسلامية حول خلق العالم من جهة أخرى. كان مصطلح "الصانع" الأ فلاطوني المحدث (0604026) قد ترجم إلى العربية بصيغة "الباري" في "كتاب أمونيوس"(1)، وترجم بصيغة "الخالق" في نصوص برقلس التي ترجمها إسحاق بن حنين (2) . وهذا ما سمح بإعادة قراءة "أسماء الله الحسنى" قراءة فلسفية أفلا طونية محدثة، جرى فيها تقريب المفاهيم الأفلاطونية من المفاهيم الإسلامية . "فالأبدي " في النصوص الفلسفية هو "لم يزل" في النصوص الإسلامية، و"الإبداع" هو "الخلق" ، و"الإرادة" هي "المشيئة"، وهكذا مع جميع المصطلحات. وقد ذكر أبو تمام النيسابوري أن النسفي خصص جزءا من كتابه "المحصول" لشرح أسماء الل ه الحسنى فلسفيا . ولعل النصوص المقتبسة عن الحكيم في "الزينة" هي من هذه الفقرات نفستها من كتاب "المحصول"، كما سنري.
صدور الكتاب، ظهر أن أحد المستشرقين عثر عليه ونشره في ألمانيا بعنوان "أمونيوس المنحول". وبعد الحصول على الكتاب، كتبت عنه دراسة مطولة تبين لي فيها أن الكتاب يوناني فعلا، وأن مؤلفه اعتمد على مصادر يونانية منها كتاب "دحض الهرطقات جميعا" ، لهيبوليتوس الذي كان حيا سنة 220 م . كما شرح أراء برقلس ودمسقيوس، الذي تصحف اسمه في النسخة المنشورة، وأشار إلى نقد يحيى النحوي لآراء برقلس. ولهذا فمؤلف الكتاب كان حيا في القرن السادس الميلادي . وكنت في مقدمة "الملل والنحل" قد رجحت انه أمونيوس بن هرمياس، لكن الدراسات المتأخرة تميل إلى اعتبار أمونيوس بن هرمياس استاذا لدمسقيوس ويحيى النحوي، بعد أن كان يعتبر تلميذأ لهما. فضلا عن ذلك، فقد كان أمونيوس بن هرمياس أرسطيا خالصا، ولم يعرف بتبني الأفلاطونية المحدثة. وأرجح أن الكتاب ترجم إلى العربية في منتصف القرن الثالث، ربما بقلم عبد المسيح بن ناعمة الحمصي. وهناك ما يدل على اطلاع الكندي على الكتاب. وقد أثر الكتاب في عدد كبير من الفلاسفة والمفكرين العرب منهم أبو الحسن العامري والبيروني والشهرستاني وغيرهم. ينظر: كتاب أمونيوس، حققه وقدم له : سعيد النانمي، منشورات الجمل، بيروت، 2014.
(1) وكذلك في "أثولوجيا أرسطوه ، التي ترجمها عبد المسيح بن ناعمة الحمصي، انظر : أفلوطين عند العرب، ص 65.
(2) حجج برقلس في قدم العالم، الأفلاطونية المحدثة عند العرب، ص 35 .
صفحة ٣٦