============================================================
مداويج على الإطلاق، بل جرت بحضرة أمير الري أحمد بن علي، الذي استولى عليها لفترة محدودة سنة 311، لكنه سرعان ما دفع حياته ثمنأ لهذا الاستيلاء.
من ناحية أخرى، لم يكن اللقاء الذي جمع بين الرازيين مناظرة ولا حوارا بالمعنى الذي كان يعطى للكلمة في بغداد حينئذ، بل لم يكن أكثر من لقاء بين عددا من الشخصيات، يتبادلون الآراء في مكان وزمان غير مناسبين. ومن هنا يأتي استخفاف أبي بكر الرازي بأبي حاتم. لقد أراد أبو حاتم أن يسوق مناظره إلى ال الحديث عن الحركتين الطبيعية والقسرية، لكن أبا بكر راح يتحدث عن نوع ثالث سميه "الحركة الفلتية"(1) . ومن الواضح أنه لا يريد أن يسترسل في حوار يعتبره في غير زمانه ومكانه، ويرى أن من الأفضل الإحجام عن الخوض فيه .
على أن العلاقة السيئة بين الرازيين ربما كانت تعود إلى أيام بغداد. ففي كتابا الطب الروحاني" المذكور، يتحدث أبو بكر الرازي عن لقائه برجل، لا يسميه كان يعتقد "أن العلم والحكمة إنما هو النحو والشعر والفصاحة والبلاغة" .
ويعرض آراء مشابهة لآراء أبي حاتم في مقدمة "الزينة" . ويذكر أن هذا اللقاء جرى بحضور أحد مشايخه، وهو في الأرجح أبو زيد البلخي. ولما صار هذا اللغوي يبذخ ويشمخ في خلال ذلك بأنفه ويطنب ويبالغ في مدح أهل صناعته ويرذل من سواهم، والشيخ في كل ذلك يحتمله معرفة منه بجهله وعجبه ويتبسم لي"(2) حينئذ طلب الشيخ امتحانه ببعض الأسئلة في تصنيف العلوم. ويستدرك أبو بكر قائلا ، بعد سرد هذه الحكاية "لسنا نقصد - بما مر من كلامنا هذا- الاستجهال والاستنقاص لجميع من عني بالنحو والعربية واشتغل بهما وأخذ منهما، فإن فيهم من قد جمع الله له حظا وافرا من العلوم، بل للجهال من هؤلاء الذين لا يرون أن علما موجودا سواهما، ولا أن أحدا يستحق أن يسمى عالما إلا بهما"(3). وبالرغم من أن أبا بكر الرازي يشير إلى أن هذه القصة جرت في "مدينة السلام"، فهو لا يحدد لها تاريخا. لكننا نعرف أنه أهدى كتاب "الطب الروحاني" إلى حاكم الري، (1) أعلام النبوة ص 35.
(2) محمد بن زكريا الرازي : الطب الروحاني، الرسائل الفلسفية ص 43 .
(3) الطب الروحاني ص 45.
صفحة ٢١