حين ترقص زينة بنت زينات يرقص معها الناس، الرجال والنساء والشباب والأطفال، يرقص معها الكون، الشجر والشمس والقمر ونجوم السماء، لا تملك زينة بنت زينات شيئا إلا فنها، لا تخاف على شيء، لا ترغب في شيء، لا تطمع في شيء. هي إنسانة حرة، حررت نفسها بإرادتها، عاشت حياة صعبة أصعب من الموت، ولم تعد تخاف الموت.
بقلم محمد أحمد
كان الصحفي محمد أحمد يعيش في غرفة في البدروم أسفل إحدى العمارات، اسمه مغمور لا يعرفه أحد. بدأ اسمه يجري على ألسنة الناس، هنأه أصدقاؤه وجيرانه على المقال، نهضت أمه من فراش المرض وعانقته. كان أبوه عامل نسيج، مات في السجن بعد أن سار في إحدى المظاهرات وابنه محمد في الثامنة من العمر. يتفادى محمد السير في المظاهرات، لم يكن له راتب أو إيراد، يعمل في المجلة في صالة التحرير دون أجر تحت اسم التدريب، تدفع له مجيدة الخرتيتي راتبا صغيرا ليكتب لها المقالات، يشتري الدواء والطعام لأمه، يدفع بدل إيجار الغرفة في البدروم، يشتري لنفسه قميصا جديدا أو كتابا أو حذاء. يحلم في النوم أنه تحرر من الفقر والمهانة، أن قلمه أصبح ملكا له، لا تملكه مجيدة الخرتيتي، حتى نشر هذا المقال عن زينة بنت زينات، كأنما انتقل إليه من خلال السطور شيء من كبريائها، شيء من كرامتها، حين رآها فوق خشبة المسرح اهتزت روحه، عاد إليه صوت أبيه في طفولته يقول: الموت أهون من الذل، ارفع رأسك يا ابني ولا تخجل من الفقر، لا تنهزم أمام مشقة الحياة، الذين لم ينهزموا هم الذين استمروا في المحاولة، الكفاح هو الحرية وإن دخلنا السجون.
أيقظ شموخها في ذاكرته شموخ أبيه، انقطع عن الذهاب إلى صالة التحرير في مجلة النهضة، لم يعد يكتب لمجيدة الخرتيتي مقالاتها، داوم على الكتابة في جريدة الثورة المعارضة، لمع اسمه وأقبل الناس على قراءة مقالاته، بعد فترة غير طويلة أصبح مسئولا عن صفحة الفن في الجريدة.
إلى مائدة الفطور في الصباح يجلس زكريا الخرتيتي في مقعده المعتاد، يده اليمنى تمسك أذن فنجان القهوة، يده اليسرى تمسك الجورنال، يتأمل صورته الجديدة داخل البرواز فوق عموده اليومي، طويل رفيع يمتد من أعلى الصفحة حتي أسفلها، ينتهي بتوقيعه على شكل شخبطة غير مقروءة، وعنوان بريده الإلكتروني على شكل حروف اسمه آت ياهوو دوت كوم. كان عموده على يسار الصفحة أيام كان في الحزب اليساري، أصبح عموده في الوسط حين حصل على جائزة الدولة الرسمية، انتقل عموده إلى يمين الصفحة بعد تصاعد قوى السوق الحرة ورجال الدين والأعمال، أصبح له جامع يحمل اسمه، وجمعية خيرية للرفق بالحيوان ورعاية الأيتام، وشركة عالمية للنشر والطباعة، وقناة فضائية لعرض الأفلام والأحاديث في مجال العلم والإيمان، وحوار الأديان.
أمامه تجلس زوجته بدور الدامهيري في مقعدها المعتاد، ترشف من فنجان الشاي، تمر بنظرها سريعا فوق عموده دون أن تقرأه. تشعر بالملل حين تقرأ عموده، تعرف كلماته المكتوبة وغير المكتوبة، الظاهرة فوق السطر، والمختفية بين السطور، كم سنة مرت وهي تقرأ عموده كل يوم؟ عشرون؟ ثلاثون؟ مائة سنة؟ لم تكد تعرف اليوم ولا التاريخ، منذ ليلة الزفاف، عرفت شكل عموده وقضيبه، لا تكاد تنظر إليه حتى تشعر بالغثيان، تمد يدها لتمسك المقص، لتقطع عموده من الصفحة، تعلقه بدبوس فوق الجدار إلى جوار الأعمدة الأخرى، عمود محمود الفقي وعمود رئيس التحرير، وكبار الكتاب، وصورة رئيس الدولة والسيدة الأولى.
يغار زوجها من عمود محمود الفقي، يرمقها وهي تقرأ عموده قبل أن تقرأ عموده هو، كيف تقرأ عمود محمود قبل عمود زوجها؟ محمود الفقي رجل غريب عنها، لا تجمعه بها إلا زمالة العمل، ليس الزمالة مثل الزواج. قد يكون لها زملاء كثيرون، لكن زوجها واحد أحد لا شريك له مثل الله سبحانه وتعالى، إن جمعت المرأة بين زوجين يقبض عليها رجال البوليس وتوضع في السجن، داخل زنزانة مغلقة بالقضبان الحديدية، تحمل لقب عاهرة زانية ساقطة.
كان يقرأ عليها عموده كالمعتاد، تسري اللذة في أحشائه حين يقرأ كلماته المطبوعة في الجريدة، صوته يسري في أذنيها المغلقتين بسدادتين من القطن، جفونها نصف مفتوحة، غارقة في نوم عميق أشبه بالغيبوبة. - تمر بلادنا بمرحلة خطيرة. مدينة القاهرة أيها القراء الأعزاء لم تعد هي المدينة التي عرفناها، كل يوم نسمع عن أحداث يقولون عنها مؤسفة وهي أحداث خطيرة، تنبئ بانفجار وشيك، ثورة الجياع والرعاع من أولاد الشوارع، ثورة النساء المقلدات لنساء الغرب يعارضن القيم الأخلاقية التي درجنا عليها، وتقاليدنا العريقة، وأحكام الله في ديننا الحنيف. لقد أعطى الله للرجال حق الجمع بين أربع زوجات حسب الآية القرآنية الكريمة: مثنى وثلاث ورباع. هذا قانون الله، ليس للبشر أن يخرجوا على قانون الله. وقال الله في كتابه الكريم، وانسبوهم إلى آبائهم، مما يؤكد أن نسب الطفل للأب هو أمر الله، لا يخرج على أمر الله إلا الكافرون والمرتدون عن الإسلام. هذه الجمعية النسوية الجديدة التي تطالب بإعطاء اسم الأم للطفل غير المعروف الأب، إنما هي جمعية خارجة على دائرة الدين، هذه الجمعية مأجورة من الغرب لهدم الإسلام أيها القراء الأعزاء. هذه الجمعية تدعو إلى انحلال الأخلاق، إلى الحرية الجنسية للنساء كما تفعل النساء في الغرب، حيث تتفشى أمراض الإيدز والسيلان والأطفال غير الشرعيين والشيوعية والبغاء والإلحاد.
الإسلام أيها القراء الأعزاء هو دين الله الحق، الإسلام صالح لكل زمان ومكان، فيه من الكمال مما يفرض علينا الالتزام به في كل مكان وزمان، لا يجوز لنا نحن البشر تغيير أي حكم جاء في القرآن أو سنة الرسول
صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى في كتابه الكريم:
صفحة غير معروفة